كما يأتي ذلك قبل أقل من ستة أشهر على الموعد المقرر للانتخابات البرلمانية العراقية التي اعتبرها مراقبون بأنها ستكون الأكثر صعوبة منذ الاحتلال الأميركي عام 2003، بسبب المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها البلاد بعد معارك طاحنة مع تنظيم "داعش"، والتي انتهت بتحرير الأراضي والمدن العراقية، وخلفت مدناً مدمرة وعشرات الآلاف من القتلى والجرحى وملايين النازحين. ويضاف إلى ذلك عزم مليشيات الحشد الدخول في قائمة انتخابية واحدة للتنافس على مقاعد البرلمان، والمشاركة بالحكومة، رغم اعتراضات عدد كبير من الأطراف السياسية بالبلاد.
وقال مسؤول في الحكومة العراقية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن عدداً من الذين تم إقصاؤهم من العمل السياسي بعد أحكام قضائية ذات طابع سياسي وطائفي في زمن نوري المالكي سيكون بإمكانهم المجيء للعراق ومواجهة القضاء لتبرئتهم، وبالتالي عودتهم للعمل السياسي. وكان النائب محمد الدايني، الذي أدين بزمن المالكي بالإرهاب وحكم غيابيا بالإعدام، قد تمت تبرئته نهاية مارس/آذار من العام الحالي من نفس المحكمة بعد فتح التحقيق مجدداً وتم التأكد من زيف الأدلة المقدمة ضده.
ووفقاً للمسؤول نفسه فإنه تم التوصل إلى "تفاهمات سياسية حيال الشخصيات التي أزاحها المالكي من العمل السياسي بموجب أحكام قضائية، بين قيادات سياسية وكل من رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية وبدعم من بعثة الأمم المتحدة وواشنطن، بهدف تصفير أو إزالة تركة المالكي السابقة، وإعادة الهيبة للقضاء التي فُقد كثير منها خلال حقبة المالكي".
وأكد أن الاتصالات واللقاءات جارية حيال هذا الملف، ومن الممكن أن يحسم خلال الفترة القريبة المقبلة بعودة قسم منهم إلى العراق.
من جهته، توقع عضو البرلمان العراقي عن تحالف القوى، عبد الرحمن اللويزي، عودة وزير المالية الأسبق رافع العيساوي إلى العراق قريباً، تحت عنوان التسوية.
ولفت إلى أن "سجل التحالف الوطني الحاكم حافل بمثل هذه الأمور، إذ سبق له أن سمح بعودة سياسيين مطلوبين سابقين مثل مشعان الجبوري ومحمد الدايني".
بدوره، اعتبر مقرر اللجنة القانونية في البرلمان العراقي، النائب سليم شوقي، أن "أي صفقة سياسية تجري يجب ألا تكون على حساب استقلالية القضاء، أو الحق العام كجرائم الإرهاب والفساد المالي". ولفت شوقي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "رئيس الوزراء من حقه أن يمنح عفواً خاصاً عن أي شخص بطلب من رئيس الجمهورية، لكن الحق العام الخاص بالمواطنين، في حال كانت الجرائم تتعلق بهم، لا يمكن إسقاطه". وأضاف بإمكان أي شخص يعتقد أنه بريء أن يعود للعراق، ويفتح محاكمته مجدداً لكن لا أعتقد أن المتورطين فعلاً بجرائم سيعودون إلى العراق حتى لو كان ضمن صفقة".
ومن بين أبرز الذين تم إقصائهم من العملية السياسية في العراق خلال فترة حكم نوري المالكي للبلاد، نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، ووزير المالية رافع العيساوي، وعضوا البرلمان العراقي محمد الدايني وعبد الناصر الجنابي، فضلاً عن أعضاء أحزاب سياسية أخرى بعضهم يقيم في إقليم كردستان وآخرون بالأردن وتركيا. وتراوحت الأحكام الغيابية التي صدرت بحقهم بين الإعدام والسجن المؤبد. ورفضت الشرطة الدولية "الإنتربول" في حينه اعتماد مذكرات العراق القضائية بحق أغلبهم بسبب ما اعتبر أحكاما ذات طابع سياسي.
يُشار إلى أن العيساوي، الذي سبق أن شغل مناصب عدة في العراق بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، أهمها نائب رئيس الوزراء، ووزير المالية، ووزير الدولة للشؤون الخارجية، كان قد غادر العراق عام 2013 بعد خلاف عميق مع المالكي الذي وجه اتهامات لحماية العيساوي بالتورط بعمليات إرهابية، وهو ما نفاه وزير المالية الأسبق. وتسبب ذلك بتنظيم اعتصامات واسعة في محافظة الأنبار (معقل رافع العيساوي)، والمحافظات الشمالية والغربية الأخرى.
وفي السياق، كشف عضو بارز في تحالف القوى العراقية عن وجود حراك من أجل السماح لمطلوبين للقضاء بالاشتراك في الانتخابات المقبلة في حال تبرئتهم بعد مثولهم أمام القضاء. وأكد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الحكومة الحالية مقتنعة بوجود عدد كبير من التهم الكيدية التي تسببت بإلحاق الضرر بسياسيين ومواطنين خلال حقبة حكم المالكي (2006-2014) لأسباب طائفية.
وأشار إلى وجود وساطات خارجية تدفع باتجاه فتح صفحة جديدة تساهم في حل النزاع العراقي بعد طي صفحة تنظيم "داعش" الإرهابي، مؤكداً أن شخصيات سياسية معارضة أبدت استعدادها للعودة إلى العراق والمثول أمام القضاء في حال توفرت ضمانات محلية ودولية بخضوعهم لإجراءات قضائية عادلة.
ولفت إلى أن الحرب الأخيرة التي أعلنها رئيس الوزراء العراقي على الفاسدين عززت الثقة لدى الأطراف المعارضة باحتمال تغيير نهج النظام السياسي العراقي الذي يعتقدون أنه انحرف كثيراً في عهد المالكي، مبيناً أن هذه الأطراف تأمل بأن تشمل إجراءات الحكومة ضد الفاسدين بينهم المالكي ومسؤولين آخرين في الحكومات التي تولاها.