مثّلت "وثيقة قرطاج"، جوهر اتفاق عدد من الأحزاب والمنظمات الاجتماعية التونسية، على خارطة طريق تم وضعها قبل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي قامت على أنقاض حكومة الحبيب الصيد، منذ عام ونيّف، وقامت المبادرة التي أطلقها الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، على مبدأ توسيع قاعدة التوافق السياسي والاجتماعي حول عدد من الأولويات، بغية تجاوز المأزق الذي عرفته البلاد مع نهاية الحكومة السابقة، بسبب حالة الاحتقان الاجتماعي نتيجة فشل الحكومة في إيجاد حلول للوضع الاقتصادي المتردي. وأمام وضع أكثر تعقيداً اليوم، وتلويح عدد من مكونات هذه الوثيقة بمغادرتها، بدأ الحديث حول جدواها وحظوظ استمرارها في ظل الأوضاع. وكان آخر تهديد هو ما أطلقته منظمة رجال الأعمال، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، التي أعلنت تخليها عن وثيقة قرطاج، وربما الدخول في إضراب عام بسبب قانون المالية لسنة 2018.
في هذا السياق، اعتبر عضو اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، سليم غربال، في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "توقيع منظمته على وثيقة قرطاج كان بناء على بنود عدة، من بينها حلّ المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والعدالة الجبائية ومحاربة الفساد، وهو ما لم يتبلور في قانون المالية.
وأكد عضو الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، أنّ "رئاسة الحكومة لا يجب أن ترضخ لتهديدات اتحاد الشغل ولا لمنظمته أيضاً"، مبيناً أن "تلويحهم بالانسحاب ليس تهديداً للحكومة، بل هي وسائل للنضال المشروعة". وأشار إلى أنّ "المنظمة تمثل الحرفيين والقطاعات التي تعيش صعوبات عدة، وهي اليوم غير مستعدة لتكبيلها بمزيد من الضرائب، والاتحاد بصدد إبلاغ صوت هذه الفئات". وكان أكثر من قيادي في المنظمة قال إن "رئيس الحكومة ينفذ ما يطلبه منه اتحاد الشغل ولا ينصت للبقية".
ودخلت منظمتا اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية واتحاد الشغل، في سجال أفضى إلى تهديدات متبادلة، مشعلَين أزمة حقيقية. مع العلم أن الخلافات بين مختلف مكونات الوثيقة اتسعت، لا بين هاتين المنظمتين فقط، إذ سبق لرئيس حزب الاتحاد الوطني الحر، سليم الرياحي، أن أعلن في مشهد استعراضي عن انتهاء الوثيقة أنه "ينبغي تمزيقها"، قبل مراجعة مواقفه السياسية والعود إلى روحية الوثيقة.
وجاء إعلان رئيسة منظمة رجال الأعمال، وداد بوشماوي، عن قرار منظمتها مغادرة الوثيقة والإضراب العام، مفاجأة كبرى، إذ إنها المرة الأولى التي أصدرت فيها المنظمة قرارات مماثلة. ورد عليها رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، بالقول إن "حكومته لا تعمل تحت التهديد، مع التأكيد على أهمية رجال الأعمال في اتفاق قرطاج".
من جهة أخرى، عاد الخلاف بين نداء تونس والحزب الجمهوري، من جديد، بعد أن وصف حافظ قائد السبسي، الحزب الجمهوري بـ"الحزب المنافق"، مؤكداً أنه "لن يجتمع به مجدداً في أي إطار كان". واعتبر الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، أنّ "وثيقة قرطاج هي وثيقة أساسية جاءت بعد حوار وطني وبرزت في فترة أزمة مرت بها تونس. وهي وثيقة شخّصت الواقع وحددت توجهات، كما وضعت أولويات لعمل الحكومة، التي على أساسها انبثقت حكومة الوحدة الوطنية"، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "هذه الوثيقة كتوجهات لا تزال صالحة ولابد من تنفيذ الأولويات التي نادت بها".
وأضاف الشابي أن "قانون المالية يجب أن يكون مدعوماً بإحداث التنمية في الجهات، وأن يتم تأسيس مصارف تموّل المشاريع الصغرى والمتوسطة من أجل خلق حركة اقتصادية وأن يتم وضع جزء من عائدات الأملاك المصادرة والثروات الطبيعية، بما يخدم الانتقال الديمقراطي". وبيّن أنّ "هذه الإصلاحات أثارت حفيظة البعض، وأنه من المفارقات أن يقبل اتحاد الشغل بهذا التوجه، أي تحمّل التضحية والأعباء، في حين أن منظمة الأعراف باتت تهدد بإيقاف آلة الانتاج وبالانسحاب من وثيقة قرطاج، في حين أنه لا يجب أن تكون هناك نزعة فئوية خاصة، تطغى على الروح الوطنية".
وقال النائب عن كتلة الحرة، حسونة الناصفي، إنّ "ما بقي من وثيقة قرطاج هي المبادئ التي بُنيت عليها ومحتوى الاتفاق الذي لا يزال ساري المفعول"، مبيّناً أنهم "لا يزالون ملتزمين بما تم الاتفاق عليه في الوثيقة، تحديداً فيما يتعلق بحرب الحكومة على الفساد ومكافحة الإرهاب". وشدّد على أن "تونس غير مؤمّنة بالشكل المطلوب والكافي، وأن الحرب على الفساد ستكون حرباً طويلة المدى، تحديداً ما يتعلق بالإصلاحات الكبرى والجوهرية".