وشهدت العاصمة اليمنية صنعاء، أمس الخميس، لليوم الثاني على التوالي اشتباكات متقطعة بين مسلحين يتبعون جماعة الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وسط تبادل اتهامات بين شريكي الانقلاب. وأفاد سكان لـ"العربي الجديد" أن إطلاق نار سُمع قرب الحي السياسي من جهة شارع الجزائر في صنعاء، حيث كانت قد وقعت اشتباكات أول من أمس، بين مسلحين من الحوثيين وآخرين من الموالين لصالح، ولم يتسن على الفور معرفة مزيد من التفاصيل حول الاشتباكات، من دون أن تعرف حصيلة اشتباكات أمس فيما ترددت أنباء عن مقتل 14 شخصاً أول من أمس. وجاء سماع إطلاق نار، بالتزامن مع تنظيم الحوثيين لمهرجان حاشد في ميدان السبعين بصنعاء إحياء لذكرى المولد النبوي، وهو المهرجان، الذي بدأ الحوثيون بتحضيراته منذ أيام.
وشهدت العلاقات بين الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي، خلال الأشهر الماضية، خلافات عدة، لكنها تفجرت مواجهات مسلحة في 24 أغسطس/ آب الماضي.
وفي ظل تجدد الخلافات، اتهم الحوثيون حزب "المؤتمر الشعبي العام" بقيادة صالح، بالقيام بما وصفوه "أعمالاً مخلة بالأمن"، فيما نددت كتلة الحزب في الحكومة الانقلابية التي يشارك فيها الطرفان، بصدور بيان منسوب لوزارة الداخلية، من دون موافقة الوزير المحسوب على حزب صالح.
في هذا السياق، نقلت قناة "المسيرة" الفضائية التابعة للحوثيين، عن المكتب السياسي للجماعة أن "ما بدر من بعض الجهات الحزبية (في إشارة لحزب صالح) من أعمال مخلة بالأمن والاستقرار يمثل مسلكاً خاطئاً وخطيراً". واتهمت الجماعة في أول موقف رسمي لها عن "المكتب السياسي"، حزب صالح من دون تسميته بـ"الاعتداء على أفراد الأمن في العاصمة"، معتبرة أن "ذلك جرأة على مناسبة هي أكبر من مجرد مهرجان سياسي"، في إشارة إلى مهرجان "المولد النبوي" الذي نظمه الحوثيون أمس في صنعاء.
وأضافت الجماعة أن ما وصفتها بـ"الجهات المعتدية على أفراد الأمن تسيء إلى قواعدها ومؤمل من قيادتها الارتقاء بمستوى التحديات"، وقالت إن "الدولة معنيةٌ بفرض القانون والتصدي لأي جهة تنحرف عن مسار معركة التحرر والسيادة والاستقلال". وتصريح "المكتب السياسي" هو أول موقف رسمي للحوثيين، بعد يوم من الاشتباكات التي اندلعت بين مسلحي الجماعة وبين الموالين لصالح، في صنعاء.
وسبق للحوثيين أن أصدروا بياناً منسوباً لوزارة الداخلية، أنه "تمّ الاعتداء على رجال الأمن، من قبل حراسة جامع الصالح"، التي اتهموها بـ"رفض تسليمه لحراسات الجماعة التي تولّت تأمين مهرجان المولد النبوي في ميدان السبعين". وذكر الحوثيون في التصريح المنسوب إلى الداخلية أن "الأجهزة الأمنية (التابعة للجماعة) عثرت داخل جامع الصالح على عدد من أجهزة الاتصالات اللاسلكية التي لا تستخدمها سوى الدول وأجهزتها الأمنية والعسكرية، بالإضافة إلى عدد من الأطقم المدرعة ناهيك عن الأطقم العادية مع عربة كبيرة للفحص الإشعاعي المتنقل، وكذلك عدد من صواريخ لو الأميركية وقواذف آر بي جي ومعدلات نوع شيكي"، مضيفين أن "هذا ما أكد الشكوك لدى الأجهزة الأمنية واتضحت أسباب التمنع والرفض غير المنطقية التي كانت تخفي خلفها هذا الكم الهائل من السلاح".
من جانبها، أصدرت الكتلة الوزارية لحزب صالح وحلفائه في الحكومة التي شكلها بالاتفاق مع الحوثيين، بياناً، استنكرت فيه صدور بيان قالت، إنه "ينتحل اسم وزارة الداخلية بدون علم أو موافقة وزير الداخلية، وتم تعميمه قبل أذان فجر أمس الخميس". وأضافت الكتلة أن "البيان (المنسوب للداخلية) يتعامل مع أمن العاصمة وسلامتها كأنه قضية صراع سياسي، ويوزع الاتهامات ويصدر الأحكام وينفذ العقوبات في جملتين وسطر، ضارباً عرض الحائط بالشراكة السياسية متجاهلاً أن وزير الداخلية ينتمي بالأساس إلى كتلة المؤتمر الشعبي العام".
وكان حزب "المؤتمر" قد اتهم في بيان، مساء الأربعاء الماضي، الحوثيين بـ"اقتحام جامع الصالح، والانتشار واستهداف منازل لأقارب لصالح وقيادات في حزبه، وأنه نتج عن ذلك، سقوط 10 أشخاص بين قتلى وجرحى". بدورها، أكدت صحيفة "اليمن اليوم" التابعة لصالح، في عددها الصادر أمس، أن "الحوثيين انقلبوا على الشراكة المبرمة بيننا". وعنونت الصحيفة الصفحة الأولى من عددها بالخط العريض: "انقلاب على الشراكة".
واستغل زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، كلمته التي وجهها عبر شاشة تلفزيونية للمشاركين بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي في ميدان السبعين لتوجيه تحذيرات ضمنية لمعسكر صالح من دون تسميته، إذ شدد على "ضرورة الحفاظ على وحدة الصف في مواجهة العدوان وأن تكون الأولوية للجميع هي التحرك الجاد والصادق للتصدي له فعلياً وليس فقط بالكلام"، محذراً من "مساعي بعض المخترقين لبعض القوى والمكونات لإثارة الفتن الداخلية لتسهيل مهمة العدو في الاحتلال بعد فشله الذريع لأكثر من عامين ونصف العام.
كما حذر الحوثي من سمّاهم "قوى العدوان السعودي الأميركي من الاستمرار في إغلاق المنافذ"، مؤكداً "حق الشعب اليمني في الإقدام على خطوات حساسة، ونحن نعرف مكامن الوجع الشديد التي يمكن أن نستهدفها في حال استمرار إغلاق هذه المنافذ". ولفت إلى "إنني أنصح قوى العدوان من الاستمرار فيه وخطورة استمرارهم بالعواقب الوخيمة عليهم على المستوى السياسي والاقتصادي".
وفي سياق متصل، دعت رئيسة الحكومة البريطانية، تيريزا ماي، أمس الخميس، السعودية لتخفيف الحصار على اليمن لتفادي وقوع كارثة إنسانية. وقد وصلت رئيسة الحكومة البريطانية إلى الرياض، مساء الأربعاء، "حاملة رسالة قوية" إلى المملكة في الشأن اليمني، وفق ما أعلنت قبيل وصولها إلى العاصمة السعودية. كما أوضحت ماي في حديث إلى "بي بي سي" خلال زيارتها المفاجئة إلى العراق قبل انتقالها إلى الرياض، أنها "قلقة جداً بشأن الأزمة الإنسانية التي تعصف باليمن". وأضافت "لذلك فإن الرسالة القوية التي أحملها إلى السعودية تفيد أننا نريد فتح ميناء الحديدة أمام المساعدات الإنسانية والعمليات التجارية. هذا الأمر مهم".
وبعيداً عن العاصمة صنعاء، شهدت العاصمة اليمنية المؤقتة عدن بدورها توتراً عسكرياً على خلفية الاحتفالات بالذكرى الـ50 لاستقلال جنوب البلاد، من الاستعمار البريطاني في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1967.
وكشفت مصادر محلية في عدن لـ"العربي الجديد"، أن "قوات الحماية الرئاسية الموالية للحكومة الشرعية وللرئيس عبدربه منصور هادي، نشرت الخميس نقاط تفتيش على شوارع وتقاطعات في عدن، بعد تفجر اشتباكات بينها وبين ما يُعرف بـ"قوات الحزام الأمني، المدعومة إماراتياً، والتي اعترضت موكب رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر، الأمر الذي تسبب بإلغاء الفعالية التي كان من المقرر أن تنظمها الحكومة في ذكرى الاستقلال".
وأعلن بن دغر رسمياً إلغاء الاحتفال، قائلاً "لا نقبل سفك الدماء لكي نحتفل؛ لن نحتفل وهناك من يرى في احتفالنا بالذكرى الـ50 للاستقلال مشكلة"، ووجه القوات الموالية لحكومته بالانسحاب، مضيفاً "لتعدْ القوات المسلحة إلى مواقعها وعلى المتقطعين أن يدركوا أننا لا نرغب في المواجهة مع أحد، أي أحد، شعارنا الحوار ومراعاة الوضع العام، هناك عدو أمامنا وفي أوساطنا عدو آخر، يقتل للقتل فقط".
في المقابل، نظم ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم إماراتياً، والذي يتبنى الدعوة لانفصال جنوب اليمن عن شماله، مهرجاناً حاشداً، بالذكرى. واحتشد المشاركون في ساحة منطقة كريتر في عدن، ورُفعت خلال المهرجان، راية الشطر الجنوبي لليمن قبل الوحدة، ولافتات تؤيد ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي"، الذي تأسس بدعم إماراتي في مايو/أيار الماضي.