فبعد سنوات من البحث، عملت مجموعة تتخذ من تونس مقراً لها، بشهادة صحافي من "لوموند" الفرنسية، على نشر تقارير مروعة يرويها الضحايا، تضمنت لقطات فيديو تبيّن أنّ رجالاً يتم اغتصابهم بآلات مختلفة، بما فيها مقابض الصواريخ والمكانس.
وقالت الصحيفة إنّ هذه "الفظائع تُرتكب من أجل إهانة الخصوم وإضعافهم، في بلد لا يسود فيه القانون، وتسيطر عليه المليشيات".
في حالات عدة، يقول الشهود إنّ الضحية من الذكور كان يُلقى في غرفة مع سجناء آخرين، يؤمرون باغتصابه أو قتله.
أحد الرجال، ويُدعى أحمد، قال للمحققين إنّه احتُجز لمدة أربع سنوات بسجن في مدينة تومينا، على مشارف مصراتة.
يروي أحمد ما كان يتعرّض له قائلاً: "كان يتم فصلنا من أجل إخضاعنا. (اقهروا الرجال!) هذا هو التعبير الذي كانوا يستخدمونه. بحيث إنك لا تقدر على رفع رأسك مرة أخرى، وكانوا يصورون كل شيء بهواتفهم".
ويتابع "كانوا يجلبون مكنسة ويثبتونها على الحائط. إذا كنت ترغب في تناول الطعام، عليك أن تخلع سروالك، وتعود إلى المكنسة ولا تتحرك حتى يرى السجان دمك وهو يتدفق. ليس بإمكان أحد الهروب".
بحسب ما يروي أحمد، فإنّ 450 رجلاً كانوا محتجزين في السجن الذي احتُجز فيه، موضحاً "كان هناك رجل أسود، وهو مهاجر. في المساء، ألقوا به في واحدة من زنزاناتنا قائلين له: أنت... اغتصب هذا الرجل، وإلا، ستموت!".
وتشير "ذا غارديان" إلى أنّ نظام معمر القذافي اتُّهم باستخدام الاغتصاب كأداة للحرب خلال ثورة 2011 التي أطاحت بالدكتاتور الليبي، وحتى الآن ليس هناك دليل قاطع.
— The Guardian (@guardian) November 3, 2017
" style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
— The Guardian (@guardian) November 3, 2017
|
وفي هذا الإطار، يقول أحد الليبيين المنفيين في تونس، والذي يعرّف عن نفسه باسم "رمضان" لأسباب أمنية، إنّ "الموالين للقذافي مارسوا الاغتصاب خلال الثورة. وعندما هُزموا، أصبحوا يعانون من العنف ذاته".
جرت التحقيقات، وفق الصحيفة، في مركز رئيسي هو عبارة عن مكتب صغير في تونس، حيث قضى "رمضان" وكبير معاونيه، رجل يدعى "عماد"، ثلاث سنوات في جمع الأدلة.
في أحد الفيديوهات التي تم عرضها على مراسل "لوموند"، يظهر شاب وهو جالس على الرمال ورأسه إلى أسفل، وتعتريه حالة من الرعب.
كما تظهر في الفيديو ذراع رجل بزي عسكري وهو يقوم برفعه إلى الأعلى، ثم يقوم بسحب بنطاله، ثم بعد ذلك سرواله، ويضع قاذفة صواريخ بين ردفيه. وهنا تتحول الكاميرا بعيداً عن رمضان، مع صوت مرافق يقول "أوقف ذلك، إنّها سادية!".
وتشير "ذا غارديان" إلى أنّه لا يمكن التحقّق من الفيديو بشكل مستقل، كما أنّه من المستحيل تحديد هوية تلك المليشيات أو مكان وقوع الاغتصاب.
وعن كيفية جمع هذه الشهادات، لفتت الصحيفة إلى أنّ "عماد" سافر إلى ليبيا برفقة مراسل "لوموند"، هذا العام، لجمع الشهادات، وفي جنوب طرابلس التقى زميله "مونا" التي وثّق بدوره عشرات الحالات.
في إحدى الحالات، يذكر جندي سابق موال للقذافي أنّه تعرّض للاغتصاب مراراً وتكراراً، وهنا يسأل عماد "مع مقبض مكنسة مثبتة على الحائط؟"، فيومئ "مونا" برأسه قائلاً: "لقد اغتُصبوا جميعاً بمثل هذه الطريقة".
وتزامناً، جمعت مجموعة أخرى من الشركاء، في مبنى صغير بالقرب من طرابلس، أدلة أخرى عن حالات اغتصاب، وقد قاموا بتسليم "عماد" 650 ملفاً مصنّفاً وفق ترتيب أبجدي.
في الكثير من هذه الملفات، وفق ما تذكر الصحيفة، شهادات عن حالات اغتصاب، تعرّض لها أشخاص من قبيلة أفريقية من السود في مدينة تاورغاء، اتُّهموا في السابق بدعم القذافي، وارتكاب الاغتصاب بحق خصومهم خلال الثورة.
واجه هؤلاء انتقاماً رهيباً، بعدما دُمّرت مدينتهم تاورغاء، وتوزّع 35 ألف نسمة من سكّانها على عدة مخيمات داخلية للنازحين في مدينتي بنغازي وطرابلس.
من أحد المخيمات جنوبي طرابلس، يستعيد رجل يدعى "علي" رواية تجربته، وهو في الـ39 من عمره بينما يبدو وكأنّه في الـ65، وهو يسير مستعيناً بعصا.
يقول "علي" في شهادته: "بعضنا كان يُقفل عليه في غرفة، وهو عار، لمدة ليلة كاملة مع مجموعات من المهاجرين"، ويتابع "لم يكن الحراس يطلقون سراحهم حتى يغتصبوا بعضهم بعضاً. لحسن الحظ، لم أتعرّض لذلك، أنا فقط تعرّضت للاغتصاب بالعصا والعجلة".
الاغتصاب بالـ"عجلة" يقوم على وضع الضحية وهو عار ويطوي ساقيه في إطار معلّق من السقف، ما يجعل من السهل على معذّبيه اختراق جسده بالأسلحة. وفي هذا الإطار، يقول "علي" إنّه يواجه الآن مشاكل جسدية، هي "مواضع تسريب" كما يصفها.
لم تقتصر هذه الانتهاكات على الرجال، وفق الشهادات التي توردها الصحيفة، فقد تعرّض عدد من النساء لحالات مماثلة.
ففي مخيم آخر في جنوب طرابلس، تقول "فتحية" إنّ النساء لم يكنَّ في مأمن من ممارسات كهذه، مشيرة إلى أنّ عائلتها بأكملها قد انتهكت من قبل مليشيا من مصراتة، مع استهداف متعمّد للرجال.
تروي فتحية ما تعرّضت له قائلة: "سحلوني في الشارع، أمام الجميع، قائلين: أنتم اغتصبتم بناتنا. سنفعل الشيء نفسه لكم".
تهمس فتحية بالقول إنّ "أسوأ شيء فعلوه لي هو اغتصابي أمام ابني الأكبر. منذ ذلك الحين، لا يتكلّم معي".
ورداً على سؤال حول سجناء آخرين عانوا من محنة مماثلة، تذكر فتحية: "لم أسمع سوى أصوات رجال. كانوا يصرخون ليلاً ونهاراً".
في العام الماضي، طلبت فاتو بنسودا، مدعية المحكمة الجنائية الدولية، من مجلس الأمن الدولي الحصول على مزيد من التمويل من أجل تعزيز وتوسيع تحقيقاتها في جرائم حرب ترتكب في ليبيا.
وفي 15 آب/ أغسطس الماضي، أصدرت المحكمة مذكرة توقيف دولية بحق النقيب محمود الورفلي، القيادي البارز المتحالف مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر الرجل الذي يسيطر على شرق ليبيا منذ سنوات، لاتهامه بارتكاب "جرائم حرب".
ولأول مرة، اعتمدت المحكمة الجنائية الدولية أشرطة فيديو تم نشرها على الإنترنت، تبين بشكل موجز عمليات إعدام ارتكبت من قبل الورفلي، كدليل على ذلك.
وفي تونس، رحّب المحققون بهذا التطور، بحسب الصحيفة، فهم يعرفون الآن أنّ شهادات الضحايا التي تم توثيقها بأشرطة فيديو، ستكون صالحة قانونياً، في حال تم رفع قضايا "جرائم حرب" ضد مرتكبي الاغتصاب المنهجي، مرجّحين ظهور المزيد من الضحايا من السجون السرية في شرق ليبيا.