بيان ترامب بوتين حول سورية: بشار الأسد حاضراً

13 نوفمبر 2017
اتفق بوتين وترامب على عدم وجود حل عسكري للصراع(Getty)
+ الخط -
رسّخ البيان الروسي الأميركي المشترك، الذي صدر عن الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب السبت، مفاوضات جنيف كمسار وحيد في إيجاد حل سياسي للقضية السورية، وهو ما يضع حداً لمحاولات روسية حثيثة لخلق مسارات أخرى تسعى من خلالها لتكريس الرؤية الروسية للحل. غير أن بيان ترامب-بوتين، لم يشر إلى قرارات دولية تنص على انتقال سياسي جوهري يقوم على تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات. ولكن المعارضة السورية ترى أن ذلك لا يلغي هذه القرارات كونها المرجعية الأساسية للتفاوض مع النظام، معتبرة أن البيان لم يحمل جديداً، وأن الحل النهائي لا بد أن يقوم وفق قرارات دولية ذات صلة.

البيان الذي اعتبره مراقبون "دليل فشل وليس اتفاق"، لم يشر إلى مصير رئيس النظام بشار الأسد، ولكنه لفت إلى إعلان الأخير أخيراً عن التزامه بعملية جنيف، والتغيير الدستوري والانتخابات، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، ما يؤكد استمرار مساعي موسكو في إعادة تأهيل الأسد، وهو ما ترفضه المعارضة بالمطلق. وكان لافتاً عدم إشارة البيان المشترك إلى بيان جنيف1 الصادر منتصف عام 2012، وتعتبره المعارضة أهم وثيقة سياسية تخص القضية السورية، ومرجعاً بارزاً في التفاوض مع نظام الأسد، كونه نصّ صراحة على تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات تشرف على مرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات وفق دستور جديد. كما لم يشر البيان الروسي الأميركي إلى قرار لا يقل أهمية وفق المعارضة، وهو القرار 2218 الذي تبنّى ما جاء في بيان جنيف1، ما يُعتبر تراجعاً أميركياً عن محددات العملية السياسية، وهو ما دفع وسائل إعلام تابعة للنظام للاحتفاء بالبيان، وإبرازه على صدر صفحاتها.

وأكد بيان الرئيسين الأميركي والروسي، الصادر السبت، "الحفاظ على قنوات الاتصال العسكرية الموجودة لضمان أمن القوات المسلحة للولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الروسي". كما اتفقا على أن "الصراع في سورية ليس له حل عسكري"، مشيرين إلى أن التوصل إلى تسوية سياسية نهائية للصراع يجب أن يكون في إطار عملية جنيف، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، بما في ذلك تغيير الدستور والانتخابات الحرة والنزيهة، وتحت إشراف الأمم المتحدة ووفقاً لأعلى المعايير الدولية للشفافية والمساءلة، وإعطاء الحق لجميع السوريين، بمن فيهم من هو موجود الآن في الشتات الحق بالمشاركة فيها. وأكد الرئيسان التزامهما بسيادة واستقلال سورية، وأهمية مناطق خفض التصعيد كإجراء مؤقت للحد من العنف في سورية، وتنفيذ اتفاقات بشأن وقف الأعمال العدائية، وتحسين وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وتهيئة الظروف للتوصل إلى حل سياسي ونهائي للنزاع. كما رحب الرئيسان، وفق البيان، بمذكرة المبادئ الموقّعة بين الأردن وروسيا وأميركا في عمان في 8 نوفمبر/تشرين الثاني، مشيرين إلى أن "هذه المذكرة تعزز نجاح المبادرة لوقف إطلاق النار، بما في ذلك خفض، وفي نهاية المطاف سحب، القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من المنطقة، من أجل ضمان سلام دائم، ومن أجل ضمان الامتثال لاتفاق وقف إطلاق النار".


واعتبرت مصادر في المعارضة السورية أن البيان "لم يأت بجديد على الإطلاق"، مشيرة إلى أنه لا يلغي قرارات دولية ذات صلة بالملف السوري، تعتبرها الأمم المتحدة أساس عملية التفاوض بين المعارضة والنظام. وأكدت المصادر أن المعارضة "لن تتخلى عن هذه القرارات"، وأنه "لا حل سياسياً في سورية من دون تطبيق بيان جنيف1 الذي يؤكد على الحد الأدنى من مطالب الشارع السوري المعارض".

وتغافل البيان عن مصير الأسد الذي يشكل العقبة الأبرز في طريق أي حلول سياسية، وهو ما يصب في صالح الرؤية الروسية حول الحل في سورية، إذ تدفع موسكو باتجاه بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية مع حقه في الترشح لمنصب الرئيس في انتخابات تلي المرحلة الانتقالية، وهو ما ترفضه المعارضة وتعتبر التوقيع على أي حل لا يتضمن استبعاد الأسد عن الحياة السياسية السورية بمثابة "استسلام" وإذعان.

ورأى الأكاديمي السوري المعارض، محمود حمزة، أن البيان "يؤكد أن هناك تفاهماً استراتيجياً بين روسيا والولايات المتحدة حول سورية"، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "كل الاتفاقات والبيانات المشتركة بينهما تأتي بشكل غير متوقع ومنها اتفاق هامبورغ (يوليو/تموز 2017) حول تخفيف التصعيد في جنوب غرب سورية". وأشار حمزة، المختص بالشأن الروسي، إلى أن البيان الصادر في فيتنام "جاء نتيجة عمل مشترك لأسابيع طويلة"، مضيفاً: "يبدو أن الملف الوحيد الذي يمكن أن يتفق عليه الروس والأميركيون هو سورية، بينما هم مختلفون في الملفات الأخرى كافة لدرجة أن العلاقات الأميركية الروسية تزداد توتراً والعقوبات تتوسع وتشتد ضد روسيا". وأعرب حمزة عن اعتقاده بأن البيان "لم يأت بمفاجآت"، مضيفاً: "لكنه أكد أشياء مهمة للطرفين وفي مقدمتها التعاون في محاربة الاٍرهاب والتأكيد على وحدة سورية وعلى الحل السياسي من خلال جنيف و2254".

ولفت حمزة إلى أن ترامب وبوتين لم يشيرا إلى مؤتمر سوتشي الذي تعتزم روسيا عقده، معتبراً أن "السيئ في البيان أنهم أعطوا أهمية لبشار الأسد من خلال الاستشهاد بموقفه من الحل ومن الإصلاحات الدستورية والانتخابات"، معرباً عن قناعته بأن السياسة الأميركية حيال الملف السوري "أسوأ بكثير من الروسية"، مضيفاً أن "الولايات المتحدة هي من تطلق شعارات ضد الأسد وسرعان ما تتراجع عنها لصالح السياسة الروسية".
كما أعرب حمزة عن اعتقاده بأن روسيا "تنفذ سياسة أميركية-إسرائيلية في سورية"، مضيفاً: "كل الخلافات المصطنعة حول سورية هي لكسب الوقت وإنضاج الظروف لفرض الحل المتفق عليه والذي يحظى بموافقة إقليمية وهو الإبقاء على حكم بشار الأسد ولو إلى حين". ورأى "أن الموقف الصلب للمعارضة الوطنية، وتوحيد الكلمة الوفية للثورة هو الخيار الوحيد لمجابهة الخطط الإجرامية بحق شعبنا".

من جهته، أوضح الدبلوماسي السوري المعارض بسام العمادي، أن البيان المشترك "لم يلغ بيان جنيف1"، موضحاً أن "هذا بيان بين دولتين وذاك اتفاق دولي لا يمكن تجاوزه"، معتبراً بيان ترامب-بوتين "بيان فشل وليس بيان اتفاق"، مضيفاً: "هو كلام عام لحفظ ماء الوجه، ويشكل الحد الأدنى الذي تم الاتفاق عليه، ولا شيء جديداً فيه يستحق الذكر".
وأشار العمادي في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن البيان تضمّن ما لفت نظره وهو مطالبة كل الأطراف بلعب دور نشيط في "جنيف"، معتبراً ذلك مؤشرا "على عدم رضى واشنطن عن مقترح مؤتمر سوتشي، وأن على روسيا وغيرها العمل بجدية في دفع مسار جنيف بدلاً من إضاعة الوقت".