تسريبات العتيبة: الإمارات دفعت 2.7 مليون دولار لتلميع صورة السيسي في واشنطن

05 أكتوبر 2017
قاد العتيبة حملة في واشنطن لدعم السيسي (Getty)
+ الخط -
تظهر تسريبات جديدة للبريد الإلكتروني للسفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، أن الإمارات مولت بمبالغ ضخمة شركات علاقات عامة، لتحسين صورة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وحكومته، في الولايات المتحدة.

وبحسب الرسائل المسربة، التي نشرها موقع "إنترسبت" الإخباري، يوم الأربعاء، فإن العتيبة ومن ورائه دولة الإمارات العربية المتحدة اختارا بشكل أساسي فتح قنوات الدعم لمجموعات الضغط في العاصمة الأميركية واشنطن، لصالح حكومة السيسي، حيث تعاقدت مصر في عام 2013 مع مجموعة "غلوفر بارك"، وهي شركة علاقات عامة ومؤسسة ضغط كبرى أسسها مسؤولون سابقون في البيت الأبيض ومسؤولون في الحزب الديمقراطي، لتكون الشركة، واجهة لحكومة مصر في العاصمة الأميركية.

وفي مذكرة وصلت في شهر سبتمبر/أيلول 2015 إلى بريد العتيبة الإلكتروني، وصفت مجموعة "غلوفر بارك" عملها لصالح مصر، بأنه يهدف إلى التأثير على كل من الحكومة الأميركية وغرفة "صدى واشنطن"، التي تعتبر أحد مراكز الأبحاث ودراسة وسائل الإعلام من أجل التأثير على السياسة الأميركية.


وفي وقت سابق من ذلك العام، كتب ريتشارد مينتز من مجموعة "هاربور"، وهي شركة عملت منذ فترة طويلة كمجموعة ضغط لصالح دولة الإمارات، رسالة إلكترونية إلى العتيبة تتضمن فاتورة على قائمة ملف مصر، تبلغ قيمتها 2.7 مليون دولار.


وأشار مينتز إلى العتيبة أن "غلوفر بارك ترغب في الحصول على رواتب مباشرة من دولة الإمارات العربية المتحدة، لكنهم لا يزالون ينتظرون الرأي القانوني، لمعرفة ما إذا كان ذلك ممكناً".



وبعد ستة أشهر، راسل العتيبة المدير العام لـ "غلوفر بارك"، غول جونسون، ليبلغه أن دولة الإمارات حولت مبلغ 2.7 مليون دولار إلى القاهرة، وهو الجزء الأكبر من مبلغ 3 ملايين دولار الذي دفعته مصر لاحقاً إلى شركة الضغط.

وحتى كتابة هذه السطور، لم ترد "غلوفر بارك" على طلبات متعددة للتعليق على دور الإمارات في دفع التكاليف المالية لضغط الشركة لصالح مصر.


كذلك، تبين الرسائل الإلكترونية المسربة، أن العتيبة عمل جاهداً من خلال المحاضرات لتلميع صورة عبد الفتاح السيسي، وفوائد وجوده في السلطة بمصر.

وعندما كتب مايكل كراولي في موقع "بوليتيكو" مقالاً بعنوان "ترامب يستعد للترحيب بالدكتاتور المصري" في إبريل/نيسان 2017 مع اقتباسات من خبراء حقوق الإنسان حول حملة القمع الوحشية التي قام بها السيسي، وجه العتيبة رسالة إلى كراولي اتهمه فيها بأن لديه "شيئاً ما ضد السيسي"، على الرغم من كونه "أحد أذكى وأكثر الصحافيين عمقاً في الوسط الصحافي الأميركي".

واعترض العتيبة على وجه التحديد على اقتباس كراولي من توم تومينوسكي، وهو دبلوماسي سابق في إدارة أوباما شغل منصب مدير "هيومن رايتس ووتش" في واشنطن في الفترة من 2001 إلى 2013.

ورد كراولي على العتيبة، محذراً من أن قمع السيسي ضد المجتمع المدني المصري يمكن أن يؤدي إلى المزيد من التطرف، وعندما اختتما مناقشتهما، أرسل العتيبة نسخة من رسائل البريد الإلكتروني إلى نائبة مستشار الأمن القومي الأميركي، دينا باول، قائلاً "لمعلوماتك، هذا ما نواجهه عموماً". ورفض كراولي التعليق على تبادله الرسائل مع العتيبة.

العتيبة وكراولي 


ووجد العتيبة حليفاً في واشنطن متعاطفاً مع نهج الإمارات بخصوص مصر، وهو براين كاتوليس من مركز "التقدم" الأميركي، فبعد أيام من اجتماع السيسي بالرئيس دونالد ترامب في واشنطن، قدم كاتوليس للسفير العتيبة جدول أعمال تفصيلياً مقترحاً لمصر لعرضه على البيت الأبيض من خلال باول.

تسريبات العتيبة وبراين كاتوليس 

وفي مراسلات إبريل/نيسان 2017، لفت كاتوليس العتيبة إلى أن إدارة ترامب من المرجح أن تطلب من مصر جعل الأمن ومكافحة الإرهاب "أولوية عليا"، وأن تسعى إلى الحوار بشأن التجارة والاستثمار.

وأضاف كاتوليس أن الإدارة الأميركية من المحتمل أن تطلب من مصر الإفراج عن بعض السجناء السياسيين الذين صار "لا داعي لهم". وبعد أسبوعين، أفرجت الحكومة المصرية عن آية حجازي، وهي ناشطة مصرية أميركية متهمة بإساءة معاملة الأطفال والاتجار بالبشر، وذلك بعد ثلاث سنوات من الاحتجاز.

تسريبات العتيبة 

واقترح كاتوليس أيضاً على دولة الإمارات أن تطلب من إدارة ترامب تعيين سفير للولايات المتحدة في مصر، ويفضل أن يكون شخصاً يثق به صهر الرئيس، جاريد كوشنير وباول، واقترح إريك تراغر، من معهد واشنطن للسلام بالشرق الأدنى، نظراً لعلاقته القوية بمصر.

وأخيراً، اقترح كاتوليس أن تطلب الإمارات من البيت الأبيض تعيين موظف للتعامل مع المعارضين في الكونغرس.

وتبدو اقتراحات كاتوليس إلى العتيبة، الذي تعهد أخيراً بمبلغ 700 ألف دولار إلى مركز الأبحاث الذي يعمل به كاتوليس، خارجة على موقف الديمقراطيين النموذجي إزاء السياسة الأميركية تجاه مصر. 

ولكن في حين كان كاتوليس متعاطفاً مع موقف العتيبة بخصوص مصر، فإن آخرين كانت لهم مواقف مختلفة، ففي الوقت الذي كان يستعد فيه إليوت أبرامز، وهو الآن عضو في مجلس العلاقات الخارجية، للإدلاء بشهادة عن مصر في جلسة استماع في الكونغرس في إبريل/نيسان، حاول العتيبة حثّ أبرامز على تأييد التقارب مع السيسي، لكن أبرامز بقي مقتنعاً أن الرئيس المصري قد "أنشأ مصنعاً لتصنيع الجهاديين" من خلال قمع المعارضة.

العتيبة واليوت ابرامز 

وفي مراسلاته مع أبرامز، حاول العتيبة لعب دور محامي الدفاع عن السيسي، بحسب ما تكشفه التسريبات.

ففي يوليو/ تموز 2016، قال العتيبة في رسالة إلى أبرامز، إنّ "حليف الولايات المتحدة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يجعل السيسي يبدو وكأنّه حملاً وديعاً". غير أنّ أبرامز، بدا غير مقتنع بهذه المقارنة بين السيسي وأردوغان، وردّ على العتيبة قائلاً "مع ذلك... ماذا إذاً؟ هل علينا أن نؤمن بأنّ السيسي ليس قمعياً ضعف ما كان عليه (حسني) مبارك من قبل؟".

ورغم ردّ أبرامز، تمسّك العتيبة برأيه، وردّ قائلاً من جهته إنّه "يُمرّر لأردوغان بسبب الناتو، بينما يُصوّب على السيسي من قبل الجميع".

يُشار إلى أنّ أبرامز، أيضاً، لم يرد على طلب "إنترسبت" التعليق على تقريرها، حول مراسلاته مع العتيبة.

وفي السياق، أظهرت التسريبات، مشاحنات بين العتيبة، ونائب الرئيس التنفيذي لمعهد "بروكنغز" مارتن إنديك، الذي سبق وعمل مبعوثاً خاصاً للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية تحت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، حول الديمقراطية في المنطقة.

ففي فبراير/ شباط 2016، أرسل العتيبة إلى إنديك قائلاً، "يمكنني أن أقدّم حجة قوية، حول لماذا المنطقة كما هي عليه اليوم، ليست مستعدة للديمقراطية على النمط الأميركي". غير أنّ إنديك ردّ بدوره "وأنا يمكنني أيضاً أن أقدّم حجة قوية، بأنّ نمط السيسي في القمع هو سيئ للمنطقة".

وبينما بدا غير مقتنع برد إنديك عليه، قال العتيبة في ردّه: "أنا لست ضد الديمقراطية. ولكنني أعتقد أنّ الديمقراطية كعلاج لحل جميع مشاكلنا تبدو ساذجة". فردّ إنديك من جهته مازحاً: "أعد الفراعنة!".

عندها أجاب العتيبة "إنّ مصر كانت في أفضل أيامها بعصر الفراعنة والملك فاروق... نظامان غير ديمقراطيين".

غير أنّ لهجة إنديك عادت إلى الجدية مرة أخرى، رادّاً على العتيبة بالقول، إنّ "الناس يتوقون للتمتع بحرية يوسف. كما يتوقون إلى أن يكونوا بأمان. العثور على التوازن هو الاختبار للقيادة. ولكن خياراً دون الآخر يعني عدم الاستدامة".

"موافق" اعترف العتيبة، غير أنّه استدرك في ردّه على إنديك، بالقول "لكنّنا أثبتنا أنّ القيادة الجيدة توفّر حكماً جيداً والأمن لا يتطلب بالضرورة الديمقراطية".

وبدوره رفض إنديك التعليق لـ"إنترسبت"، على تقريرها حول التسريبات، مشيراً إلى "طبيعة الخصوصية" للمحادثة مع العتيبة.



المساهمون