وزير الخارجية القطري يروي فصول ابتزاز دول الحصار لأفريقيا

19 أكتوبر 2017
وزير الخارجية: الرباعية جيَّشت موظفيها على القارة(كريم جعفر/فرانس برس)
+ الخط -

مزيج من المرارة والغضب يتنازعان وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، حين يتطرق للدول العربية الأربع التي تفرض حصاراً منذ الخامس من يونيو/ حزيران على بلده، وحين يتطرق أيضاً للدول التي حذت حذوها، وهي دول أفريقية في أغلبها، في حوار شامل أجرته معه مجلة جون أفريك (JeuneAfrique) في عددها الأخير، من باريس.

وعن أفريقيا التي أصبحت "رهينة"، بعد أن تبنت ست دول موقف الرباعية، يجيب الوزير: "خمس دول، لا ست. البعض يرى أن ليبيا من بينها. بينما الطرف غير الشرعي، هو، في الحقيقة، من انحاز للرباعية. الطرف الشرعي، في طرابلس، يدعمنا". لكن لا يوجد أي بلد أفريقي دعمكم، صراحة؟ يجيب الوزير: لقد تحادث أمير قطر خمس أو ست مرات مع رئيس الاتحاد الأفريقي، ألفَا كوندي، لكن الرباعية جيَّشت كل موظفيها على القارة مع بداية الحصار. وهم يريدون دفع الدول الأفريقية إلى تبني إجراءاتهم نفسها. فترددت أغلبية الدول وظلت وفية لمبادئ القانون والنظام الدولي. أما الدول التي خضعت فإما أنها كانت ضحية ابتزاز أو أنها تلقت أموالاً كثيرة.
يقدم الوزير بعض الأمثلة: لقد كانت قطر أول بلد عربي يستثمر في جزر القمر، ودعّمنا هذا البلد سياسياً وفي مشاريع التنمية. وفجأة يغيّر موقفه بسبب العَرْض الذي حصل عليه. أما دولة الصومال فتعرضت لعقوبات لأنها لم تستجب للرباعية، فتم حرمانها من مساعدات إنسانية، وتعرض بعض سياسييها للابتزاز. ولكنها صمدت، رغم كل شيء.


وفي ما يخص دولة جيبوتي التي تساند الحصار، وسحب القوات القطرية التي كانت على حدودها مع إرتيريا، يقول الوزير إن موقف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة كان قوياً، بسبب ميناء دورالي وأيضاً مع قرب افتتاح قاعدة عسكرية. وحين قرر هذا البلد الانحياز للرباعية، قمنا بسحب قواتنا التي كانت تحافظ على السلام، وهو ما جرّ على الفور تحركات إرتيرية. وهذا المثال يوضح تأثير هذه الأزمة على القارة الأفريقية.

وعن موقف السنغال، التي قامت باستدعاء سفيرها من قطر، قبل أن تخفف من موقفها، يقول الوزير: لست على اطلاع على الوعود التي قد تكون السنغال حصلت عليها، ولكننا كنا واضحين، من حيث أن الدول التي تنحاز للرباعية فهي تُناهض قطر، الدولة ذات السيادة، وتتخذ موقفاً لصالح تغيير النظام الذي يحاول المعتدون علينا فرضَه. اكتشفت السنغال أنها اتخذت موقفاً سيئاً، وشرح رئيسها، ماكي سال، لأمير دولة قطر أنه أخطأ وأنه يريد إعادة سفيره إلى الدوحة.

ونفى الوزير أن يكون لجوء الوزير السابق كريم واد إلى الدوحة بعد خروجه من السجن قد أساء للعلاقات السنغالية القطرية، لأن قضية واد تم التعامل معها وفق اعتبارات إنسانية، بموافقة السنغال. ولم يكن من الوارد التصرف من دون موافقتها.

لكن الموقف التشادي تطوَّرَ في الاتجاه المعاكس، وهنا يرد الوزير: كانت تربطنا أفضل العلاقات مع الرئيس إدريس ديبي إلى حدود يونيو/ حزيران. وفجأة يتهمنا بدعم المعارضة من أجل زعزعة نظامه. ووفق هذا الاتهام فنحن ندعم، من جهة، المعارضة التشادية المسلحة المتواجدة في ليبيا، بينما تقاتل هذه المعارضة إلى جانب الجنرال خليفة حفتر، الذي لم ندعمه أبداً. ومن جهة ثانية، نُموّل تيمام إرديمي، الزعيم المتمرد اللاجئ في الدوحة، بينما قمنا باستقباله في إطار اتفاق السلام في دارفور بين تشاد والسودان. وهو يتواجد تحت مراقبتنا، ونؤكد أنه لا يقوم بأي نشاط سياسي. وإذا كانت للنظام التشادي أدلة مغايرة، فعليه أن يقدمها لنا من أجل اتخاذ إجراءات. وأنا هنا أطرح هذا السؤال: لماذا حصلت تشاد بُعَيْد الإعلان عن موقفها الداعم للرباعية على مؤتمر في دولة الإمارات العربية المتحدة بخصوص إعادة بناء البلد؟

ثم تطرق اللقاء لقضية طرد الحكومة التونسية للأمير والمعارض المغربي مولاي هشام، وهل في الأمر إجراء انتقامي بسبب العلاقات التي تربط الأمير بدولة قطر، فكان الجواب واضحاً: ليست لدينا أي علاقة مع الأمير مولاي هشام ولا علم لنا بما حصل له. ولدينا علاقات جيدة مع الرئيس التونسي، وهذا البلد هو مثال فعاليتنا في ميدان مكافحة التشدد. وبفضل صندوق الشباب الذي أنشأناه في هذا البلد، استطاع 20 ألف تونسي العثور على وظيفة شغل. وهؤلاء لن يتبعوا طريق الجهاد، في الوقت الذي كان فيه التونسيون يشكلون أكبر كتيبة أجنبية في صفوف المجموعات الإرهابية. أما خصومنا فيدفعون الناس نحو التطرف ثم يحاربونهم.

أمّا عن الغابون، البعيدة جغرافيا وغير المعنية بالجهادية، والمنحازة للرباعية، فيرى الوزير أن السبب، من دون شك، يتعلق بصفقة اقتصادية. إذ إن هذه البلدان توجد في ضائقة، ولا يمكن لومها إذا خضعت أمام الإغراء، لكن على المجتمع الدولي إدانة المفسدين.

وهنا كان سؤال: ألا تستخدم قطر، أيضاً، أموالها من أجل خدمة دبلوماسيتها؟ يجب الوزير: نحن لا نلجأ إلى دبلوماسية الحقائب، ولكن إلى دبلوماسية التنمية. وبطبيعة الحال، فنحن نعزز علاقاتنا مع بلدان أخرى. ولكن انظروا إلى مثال جزر القمر: كل دعمنا لم يَعُد علينا بأية فائدة.

موريتانيا، أيضاً، معارضة لدولة قطر؟ نعم، على الرغم من أنه منذ وصول الشيخ تميم إلى الحكم، تبادل البلدان كثيراً من الزيارات الرسمية. ولم يظهر حينها أي مشكل. وفي الواقع، نحن نعتقد أن الموقف الموريتاني في هذه الأزمة حفّزته العمليات الدبلوماسية الأخيرة للرباعية.

وعن موقف المغرب الذي ساعد قطر، على الرغم من علاقاته الوثيقة مع العربية السعودية، يرى الوزير القطري أنه لم يفاجأ من هذا الموقف، فالمغاربة كانوا دوماً شركاء ثقة. كما أن المغرب يدرك أن هذه الأزمة لا أساس لها، ويشكل المغرب وسيطاً ثميناً.

ثم تطرق اللقاء لمزاعم واتهامات لقطر حول تمويلها، غير المباشر، لمجموعات إرهابية في الساحل، عن طريق مؤسسات إنسانية، وهنا كان رد الوزير حازماً: في مناسبة واحدة سقطت هبة من الهلال الأحمر القطري بين أيدٍ سيئة. وكان الأمر خطأ، ولا شيء أتى ليثبت وجود أي لعبة مزدوجة. قطر لا تفعل أي شيء لزعزعة الساحل. بل إننا، على العكس، قمنا بالتفاوض حول اتفاق بين توبوس (التبو) والطوارق في جنوب ليبيا، واتفاق السلام في دارفور - والتزمنا بتقديم 500 مليون يورو لإعادة بناء دارفور.

وبشأن الشكوك حول علاقات بين بعض المنظمات غير الحكومية القطرية الخاصة ومجموعات متطرفة في الساحل؟ هنا يجيب الوزير: لا توجد روابط. وفي هذه المنطقة طلبت منا النيجر، ومن بداية حصار الرباعية، ألا نغلق وكالاتنا الخيرية، على الرغم من أن هذا البلد رأى أنه من المفيد له تقليص تمثيليته الدبلوماسية في الدوحة.

وأخيراً كان السؤال عن قناة الجزيرة، التي تمولها قطر والتي تتعرض لانتقادات حادة في المغرب العربي، والتي اضطرت لإغلاق مكاتبها في مصر، وهل لم تلعب قطر بالنار، خصوصاً أثناء الربيع العربي؟ وكان رد الوزير بأن قناة الجزيرة وكالة صحافة مستقلة، تمولها الحكومة، ولكن على نفس نموذج شبكة هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في المملكة المتحدة. كما أن أخبارها تمثل مختلف وجهات النظر. وهذا ما يُرعبُ، خطأً، البعضَ في الجزائر والرباط أو نواكشوط.