ووصفت الصحيفة، في تحليل، ما يجري بأنّه "أول الصراعات" التي تم التحذير من اندلاعها بعد هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي، مشيرة إلى أنّ حليفين أميركيين وثيقين، بدآ القتال على مستقبل العراق، "بعد أشهر من التحذيرات من أنّ هزيمة داعش في العراق وسورية، لن تؤدي إلا إلى إشعال صراعات أكثر تعقيداً وربما أكثر خطورة".
ويُضاف إلى "المزيج الخطير" في العراق، بحسب الصحيفة، الأنباء عن تدخل المليشيات المدعومة من إيران في المعارك، بعد أيام من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عدم المصادقة على الاتفاق النووي مع إيران، على خلفية نشاطات "زعزعة الاستقرار" التي تقوم بها طهران في الشرق الأوسط.
ورأت "واشنطن بوست" أنّ "أي قرارات متهورة من جانب ترامب، يمكن أن تكون هدية لأنشطة إيران تلك، والتي كان قد ندد بها بالضبط الرئيس الأميركي نفسه".
وألقت الصحيفة الضوء على النزاع المتركّز حالياً حول كركوك، مشيرة إلى أنّها مدينة مختلطة عرقياً ودينياً في شمال العراق، تمتد على خطوط طائفية عراقية وتقع بالقرب من حقول النفط الرئيسية، لافتة إلى أنّ المدينة كانت تحت سيطرة القوات الكردية منذ عام 2014، بعد تراجع الجيش العراقي أمام تنظيم "داعش".
وفي وقت مبكر من يوم الإثنين، عادت القوات العراقية إلى الرد، مع إعلانها الاستيلاء على قاعدة عسكرية، وحقل نفطي، ومراكز هامة للقوات الكردية.
ومع حلول الليل، واقتراب تلك القوات، برزت مخاوف واسعة النطاق من إراقة الدماء، لا سيما أنّ كركوك هي موطن لعدد كبير من السكان، من الأكراد والعرب والتركمان، والعلاقات بين هؤلاء لا تزال منذ فترة طويلة غير مستقرة، بحسب الصحيفة.
وفي نهاية المطاف، بقيت المناوشات أقل من المتوقع، على الرغم من أنّها لا تزال مثيرة للقلق، حيث أظهر مقطع فيديو تم تداوله على الإنترنت، عدداً من الجثث التي ترتدي زي جنود "البشمركة" الكردية. وقال المقاتل العراقي الذي كان يصور الفيديو، إنّ "هذا نتيجة عصيان مسعود البارزاني"، في إشارة إلى زعيم إقليم كردستان العراق.
— Loveday Morris (@LovedayM) October 16, 2017
" style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
— Loveday Morris (@LovedayM) October 16, 2017
|
لكن المخاوف الأكثر قلقاً، وفق "واشنطن بوست"، أن تكون هذه المعارك مقدمة لعنف أعظم، إذا لم يقرّر الطرفان: القوات العراقية وقوات البشمركة الكردية، وقف التصعيد، وهي حالة من شأنها أن تجبر الولايات المتحدة على اتخاذ بعض الخيارات المحرجة، حول من يجب أن تدعم، إذا ما تواصلت التطورات وتم حشرها بالزاوية.
وتوقفت الصحيفة عند مدى سرعة تدهور الأمور، معتبرة أنّه "لأمر مدهش"، مذكّرة في هذا الإطار بما صرّحت به وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قبل بضعة أشهر فقط، بأنّ مستوى التعاون بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان كان "غير مسبوق"، ووصفت البشمركة بأنّها "شريك حاسم في العمليات ضد داعش".
ولفتت الصحيفة إلى أنّ الأحداث تأتي بعد استفتاء الاستقلال الذي عقده البارزاني، في 25 سبتمبر/أيلول الماضي، حيث صوّت حوالى 93% من الأكراد العراقيين على الانفصال، والذي لم يحظ بدعم بغداد، ولقي معارضة من معظم المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، الحليف القوي للأكراد، باعتبار أنّه يقوّض دولة العراق.
وأشارت الصحيفة في هذا الإطار، إلى أنّ الدول المجاورة للعراق، كانت تشعر بالغضب حيال الاستفتاء الذي بدا وكأنّه يشجع على إقامة دولة بين أقلياتهم الكردية، لافتة إلى أنّ إيران على وجه الخصوص، كانت شديدة السخط، إذا ما أُخذت بالاعتبار العلاقات الوثيقة بين الأكراد العراقيين والإيرانيين.
وذكّرت الصحيفة بأنّ حلم الاستقلال رافق منذ فترة طويلة الأقلية الكردية العراقية التي عانت بشدة من نظام صدام حسين، لافتة إلى أنّ المكاسب على الأرض التي حققتها القوات الكردية بعد عام 2014، ولا سيما السيطرة على كركوك، التي وُصفت بأنّها "القدس الكردية"، جعلت هذا الحلم يبدو أكثر إلحاحاً، ومناسباً من الناحية الاقتصادية.
لكن المقامرة من قبل الأكراد لم تؤت ثمارها، بحسب "واشنطن بوست"، ويظهر ذلك من السهولة التي استعادت بها القوات العراقية السيطرة على كركوك، أمس الإثنين، والأهم من ذلك، المقاومة الضعيفة من جانب القوى الكردية، والتي تعتبر مؤشراً على الانقسامات السياسية داخل المجتمع الكردي نفسه.
ورداً على تقارير تفيد بأنّ بعض الجنود قد أُمروا بالانسحاب، اتهمت القيادة العامة للبشمركة، حليفة البارزاني والحزب "الديمقراطي" الكردستاني الحاكم، مسؤولين من حزب "الاتحاد الوطني" الكردستاني، بـ"التآمر ضد شعب كردستان".
ولفتت الصحيفة إلى أنّ عدداً من المراقبين انتقدوا أيضاً رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، لتسرّعه في اللجوء إلى القوة، ربما بناء على طلب إيران، حليفة الحكومة في بغداد.
وقال المحلل نيبراس كاظمي، في تغريدة على "تويتر"، في إشارة إلى الجنرال قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، إنّ "بغداد، التي تتلاعب بها إيقاعات طبول حرب سليماني، قرّرت عبور الحدود لتحقيق مكاسب على المدى القصير".
— Nibras Kazimi (@ImaraWaTijara) October 16, 2017 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post — Nibras Kazimi (@ImaraWaTijara) October 16, 2017
|
وهنا لفتت "واشنطن بوست" إلى أنّ هناك العديد من الطرق التي تستفيد بها إيران من الوضع الحالي في العراق، حيث لا يقوّض الصراع الوحدة الكردية فحسب، بل يعزّز أيضاً دور المليشيات العراقية الموالية لإيران، ويجعلها تبدو بصورة "حراس الوحدة الوطنية"، للتغطية على كونها طائفية.
والصراع الحالي في العراق، بحسب الصحيفة، يضع الولايات المتحدة في موقف محرج، عبر السير بالمجازفة إما نحو تقويض العبادي في حال انتقدت الحكومة العراقية بشكل علني، أو احتمال اختيارها خيانة الأكراد والانحياز إلى طهران، إذا لم تنتقد.
ولفتت الصحيفة إلى أنّ ترامب، وعلى الرغم من كل الكلمات القاسية التي وجهها إلى إيران، والحرس الثوري بشكل خاص، خلال إعلان استراتيجيته الجديدة نحو طهران يوم الجمعة، تجنّب اتخاذ موقف علني بشأن الوضع في كركوك.
وقال ترامب، خلال مؤتمر صحافي، أمس الإثنين: "إننا لا نحب حقيقة أنّهم يتصادمون". وتابع "لا نستطيع أن نكون هناك"، في إشارة إلى الغزو الأميركي للعراق عام 2003، مضيفاً "لكننا لن ننحاز لأي طرف".
ورأت "واشنطن بوست" أنّ هذا الموقف الحذر، ليس "عادة ترامبية"، ولكنّه ليس بالضرورة أمراً سيئاً، معتبرة أنّ المصلحة الأميركية تقتضي بالتأكيد تهدئة الأوضاع ومنع تدهورها.
واعتبرت الصحيفة أنّ القيام بذلك، يتطلّب من واشنطن دفع بغداد وأربيل نحو المفاوضات، فضلاً عن التعامل مع الخلافات الناشئة داخلياً بين الأكراد.
ويبدو أنّ بعض هذه الخطوات قد بدأت فعلاً، وفق الصحيفة، مشيرة إلى أنّ واشنطن، كما يبدو، تدرس وقف برنامجها لتدريب وتجهيز القوات العراقية، إذا استمر الهجوم على الأكراد العراقيين، وفقا لما ذكرته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).
لكن إذا ما قرر ترامب تغيير وجهته، وقرّر الوقوف بجانب أحد الأطراف، كما طالبت بعض الشخصيات البارزة، فإنّه سيعرّض للخطر علاقة رئيسية واحدة على الأقل بالنسبة للولايات المتحدة، وسيضطر للعب مع الإيرانيين، بحسب الصحيفة.
وختمت "واشنطن بوست" تحليلها بالقول: "قد يحتاج رئيس فن الصفقة (ترامب) بدلاً من ذلك، إلى شيء ليس هو عادة من طبيعة مقاربته: صفقة تترك جميع الأطراف راضية".