"العربي الجديد" يستطلع آراء مواطني برشلونة بشأن استفتاء الانفصال: خيبة أمل

01 أكتوبر 2017
نجحت حكومة مدريد في فعل ما تريد (Getty)
+ الخط -

شرع البرشلونيّون الكتالان، منذ اللحظة التي صادرت فيها الشرطة الإسبانية أوراق التصويت، قبل فترة قصيرة، في الخروج مساءً إلى الساحات، كلٌّ في حيّه، والقرْع على الطناجر، احتجاجاً على المصادرة، وموقف حكومة مدريد من استفتاء الاستقلال، مرددين هتافات، لعل أخفّها من نوع: "أيها الكذابون اخرجوا من هنا"، و"لن تمرّوا"، وهو شعار الجمهوريين الأشهر في الحرب الأهلية.

كان ذلك الحادث هو الشرارة، وتصرّفت حكومة مدريد بضبط نفس، فتلافت الرد على الاستفزازات، ولا سيما أنها فعلت ما تريد، فشوشت على جميع الأنشطة التي كان الكتالان ينوون اتخاذها للوصول بأمان إلى يوم استفتاء ناجح.

وصباح هذا اليوم الماطر، الأول من أكتوبر/ تشرين الأول، استيقظ البرشلونيّون، الكتالان منهم والإسبان، على صوت هدير المروحيات، تحوم وتراقب وتصوّر.

ولما أغلقت حكومة مدريد نحو نصف المدارس، والتي أعدت كمقرات للتصويت، خرج المئات صباحاً ليحاصروا قوات الشرطة في كل حي وضاحية، محاولين أن يكسروا "هذا الحصار"، بلغة بعضهم.

وكان المتابع للشأن الكتالاني يعرف أن الاستفتاء لن يسير أبداً على هوى الداعين إلى الاستقلال، فحكومة مدريد قوية، والاستفتاء نفسه محظور على أقاليم المملكة كافة في الدستور الإسباني، فضلاً عن أنّ أكبر ثلاثة أحزاب في البرلمان لا توافق عليه، صراحةً أو مداورة (حزب الببيه اليميني الحاكم بقيادة راخوي، وحزب بوديموس اليساري، وحزب البيسوي الاشتراكي).

الحزب الأول والثالث لهما موقف رافض بحسم، أما حزب بوديموس اليساري، والذي أعلن سابقاً موافقته على تنظيم الاستفتاء كحق للكتالانيين، أسوة بما حدث في بريطانيا، تذبذبت مواقفه مع اقتراب الحدث.

وللدلالة على ذلك، يكفي الإنصات لما جرى قبيل أيام، حين صرّحت رئيسة بلدية برشلونة، آدا كولاو، اليسارية من حزب بوديموس، أنها قد تصوّت بورقة بيضاء. ولم يمر تصريحها مرور الكرام، بل اندلعت مناقشات ساخنة، في فئة الشباب خاصة، مفادها أن ثاني أكبر حزب في البلاد قد خان مبادئه، ممثلاً في كولاو. وعليه لم تنج الزعيمة اليسارية من التهم والتجريحات.

وفي أكثر من لقاء مع "العربي الجديد" أعربَ مواطنون كتالان عن إحباطهم وخيبة أملهم، "فالموقف الأميركي ضدنا، وقريب منه موقفُ الاتحاد الأوروبي، فكيف سنجترح المستحيل؟"، كما يقول جوزيب ألبا، العجوز الثمانيني القادم من بلدة "سباديل"، ساعة بالقطار، كي يُشارك في المظاهرة أمام قصر الحكومة الكتالانية في ساحة سان جاوما في قلب برشلونة.

أما كارلوتا، طالبة العلوم السياسية في جامعة فابرا، فكانت أكثر جذرية، إذ قالت: "يعرف الجميع هنا أن ديمقراطيتنا زائفة، فحزب راخوي هو الوريث الشرعي للدكتاتور فرانكو وهم هناك، تقصد مدريد، لن يعطونا استقلالاً، فالاستقلال يُؤخذ ولا يُمنح. هذه سنّة من سنن الصراع السياسي في العالم أجمع، ومن المؤسف أن شعبي غير مستعد للتضحية ودفع الثمن. ومع هذا سنحاول في الربع ساعة الأخيرة، وإن كنا ضعافاً ووحيدين".


لكن المواطنين الإسبان القاطنين في كتالونيا لهم رأي آخر. وهناك تقديرات بأنهم، لو لم يعتبروا الاستفتاء غير شرعي، فنزلوا وصوّتوا، سيهزمون "الانفصاليين"، بشكل ديمقراطي، متفوقين عليهم في عدد الأصوات.

تقول الشابة ماريا من ليون، العاملة في مركز لرعاية المسنين: "يكفي.. أعيش هنا منذ عشرين سنة، ومخنوقة، ماذا يريدون؟"، أما سلفيا من أندلوسيا، فتقول إنها ضد هذا، مع أن أولادها الثلاثة معه.

هذا هو حال الناس هنا، من السطح: خلافات وانقسامات، على الأغلب ستترك ندوباً بل ربما شروخاً عميقة في السنوات المقبلة. فالصراع ليس سياسياً فقط إنما وصل إلى النسيج الاجتماعي، وهنا الخطورة.

لكن مراقبين يعوّلون على الميراث الديمقراطي الذي يتجاوز عمره أربعين عاماً في البلاد.  ويتوقعون أن تنتهي الأزمة، بإجراء حوار مع مدريد، والخلوص إلى حلول، اقتصادية بالخصوص، تماثل أو تقارب ما حدث قبلاً مع إقليم الباسك. بمعنى أن يرجع جزء من ضرائب الكتالان الكبيرة الذاهبة إلى الحكومة المركزية إلى الكتالان أنفسهم، فينعكس ذلك مزيداً من الرفاه على كتالونيا.

قد يبدو هذا الحل أقرب إلى المنطق السياسي. فمشكلة أموال الضرائب، ورجوع القليل منها للإقليم، هي مدار حديث وسخط نسبة لا يستهان بها من الكتالان، يرون أن تلك الحال ظالمة، فاقتصاد الإقليم يشكل تقريباً ربع اقتصاد المملكة، والأموال الراجعة هزيلة.

مع الانتباه أن 80% من اقتصاد كتالونيا يُصدّر لإسبانيا ذاتها، والخُمس المتبقي فقط يخرج لأوروبا والعالم. ما يجعل محللين يرون أن نجاح كتالونيا في الاستفتاء، وحتى الانفصال، سيهدد اقتصاد المنطقة، خاصة مع اضطراب العلاقة مع مدريد. وهو ما لا ينفك يطرحه يمينيون وماركسيون كتالان، من أقصى طرفي الخيط، بكل جدية.

فيما يقول مثقفون إن الوقت غير مناسب، لألف سبب، وإن عليهم أن يتحيّنوا فرصة أفضل. مؤكدين أن حلم بناء دولة مستقلة سيظل يراودهم، فهو ليس بالشيء المادي الممكن إزاحته، بل هو فكرة عمرها يفوق ثلاثة قرون.

صحيح أن لهذه الفكرة مقومات وركائز ناجزة على الأرض، من اقتصاد غني وبنى تحتية حديثة وعلم ونشيد وطني ولغة خاصة وثقافة مختلفة عمن حولهم، إلا أن الوقت لا يُسعف. وعليه فقد تكون المسألة كلها، كما قال شاعر كبير هنا: "هي محض فارق في التوقيت".

أما المشهد الآن، نحو الرابعة عصراً بالتوقيت المحلي، فيعكس على ما يبدو يأس دعاة الانفصال، مع ورود أنباء عن حركة تصويت ضعيفة، وعن رمي الجمهور شرطة محافظة ييذا بالحجارة.

ومع عدم وجود أي ضمانات لما سيحدث في الساعات المقبلة، فإن الوضع في البرّ الكتالاني يبقى هادئاً.