إسرائيل: تراجع مرجعية القادة العسكريين لصالح شبكات التواصل

03 يناير 2017
الجنود يتلقّون مضامين ونصوصاً من شبكات التواصل بلا رقابة(Getty)
+ الخط -
ما زالت مظاهر رفض جنود من جيش الاحتلال، من أبناء التيار الديني الصهيوني، وحتى العلمانيين منهم، تنفيذ أوامر إخلاء مستوطنة عامونا المقامة على أراضي خربة المزرعة التابعة لقرية سلواد، وما تبعها من مظاهر اعتراض أخرى على تنفيذ أوامر إخلاء المستوطنين، بناء على توجيهات حاخامات المستوطنين وعموم رجال الدين اليهودي، تؤرق القيادات التقليدية في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
وإذا كانت السنوات الأخيرة، وتحديداً العقدين الأخيرين، قد شهدا تنامياً لعدد الضباط والجنود من أبناء التيار الديني الصهيوني، لأسباب ديمغرافية، وأخرى تتصل بفقدان الخدمة العسكرية لوهجها عند عموم العلمانيين، فإن تعاظم نسبة أبناء هذا التيار في مناصب قيادية مختلفة في الجيش زادت من هذا القلق. لتأتي بعدها معطيات جديدة، إثر قضية الجندي القاتل، أليئور أزاريا، الذي أعدم الشهيد الفلسطيني عبد الفتاح الشريف، في مارس/آذار من العام الماضي، لتزيد من أسباب هذا القلق، مع اتضاح حجم تأثير الصفحات الاجتماعية على شبكة "فيسبوك"، ومجموعات "واتساب" على سلوك الجنود ميدانياً، وعلى تآكل مرجعية القيادة العسكرية.
وفي تقرير موسع نشره المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، أمس الإثنين، اتضح أن جيش الاحتلال يحاول منذ سنوات التغلب على ما سماه التقرير، التناقض بين الشبكات الاجتماعية وبين مرجعية وصلاحية القادة العسكريين الميدانيين الحصرية. وكشف التقرير أن الجيش شكّل لجنتين لبحث هذه القضية وتقديم توصيات وحلول، كما تم عقد أيام دراسية وندوات مختلفة، لكن من دون جدوى. إذ كشفت قضية الجندي القاتل أليئور أزاريا حجم عجز الجيش عن مواجهة التأثير المتنامي على الجنود لما ينشره رجال دين يهود وأعضاء كنيست ورجال سياسة على صفحاتهم الخاصة، خصوصاً على الجنود في الميدان الذين يخدمون في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لدرجة جعلت الجيش عاجزاً مع تفجّر قضية الجندي المذكور، تجاه كل ما يتعلق بما دار على مجموعات "واتساب" وشبكات التواصل الاجتماعي.
وأفاد التقرير أن قادة الجيش الميدانيين يتحدثون عن الصعوبات التي يواجهونها في فرض مرجعيتهم على الجنود الجدد من أبناء الجيل الجديد، المرتبطين بشكل وثيق بشبكات التواصل المختلفة، ويتغذون منها ومن المضامين المتناقلة عبرها. وأوضح التقرير أن الجنود الجدد يتلقّون باستمرار مضامين ونصوصاً وأشرطة فيديو مصورة، من هذه الشبكات مباشرة إلى هواتفهم الخليوية، من دون رقابة عليها، لا سيما تلك الرسائل التي تحمل توجيهات من جهات مختلفة حول كيفية التعامل والتصرف في أوضاع وحالات متغيرة من المواجهة الميدانية مع الفلسطينيين. وتكمن خطورة هذه الرسائل في كونها تصل خلال العمليات الميدانية للجنود وأثناء مواجهتهم الأحداث المختلفة، من دون وسيط رسمي.
ووفقاً للتقارير والتقديرات الرسمية، فإن لهذه الرسائل تأثيراً كبيراً على الحالة النفسية للجنود، حتى عند تلقيها في ساعات الاستراحة. ورصد الجيش الإسرائيلي بحسب التقرير حالات تم فيها تناقل أشرطة فيديو مصورة "تحوّلت إلى مواد إرشادية لمواجهة العمليات الفلسطينية، وصولاً إلى تعليمات حول ما يجب العمل أو القيام به للرد على الفدائيين"، من دون أن تكون أي من هذه الأشرطة الإرشادية صادرة عن جهات مخوّلة بذلك، بل إنها تتعارض أحياناً مع الأوامر الرسمية للجيش لفتح النار على الفلسطينيين.


في المقابل، أقر التقرير أن جيش الاحتلال، لم يدرك في الوقت المناسب حقيقة دور الأجيال الجديدة من الهواتف الخليوية وقدراتها على التصوير والبث، وتأثيرها على تغطية وتوثيق كل عملية خلال دقائق مع بثها على مجموعات "واتساب"، وأنه بالتالي لولا وجود كاميرات التوثيق التي استخدمها متطوعو منظمة "بتسيلم" في الأراضي المحتلة، لظلت قضية أزاريا سراً ولما سمع أحد بما حدث.
يشار في هذا السياق إلى أنه في قضية الجندي القاتل للشهيد الشريف، التي من المقرر أن تُصدر المحكمة الإسرائيلية قرارها النهائي فيها، غداً الأربعاء، بيّن تحقيق مصور لبرنامج "عوفدا" في القناة الثانية حالة الفوضى التي سادت ساحة الجريمة وفقدان قادة الجيش الميدانيين السيطرة على الأمور، فيما كان أقطاب المستوطنين من الخليل، من المدنيين، يسرحون ويمرحون في المكان، ناهيك عن إصدار توجيهات عملية وميدانية للجنود. وتبيّن خلال التحقيق المذكور، أن الجنود انصاعوا لأوامر قادة المستوطنين في الخليل وأبعدوا السكان الفلسطينيين عن موقع الجريمة، حتى لا يتمكّنوا من توثيق التفاصيل الدقيقة لما حدث.
وأكد تقرير "يديعوت أحرونوت" ما ذكره تحقيق برنامج "عوفدا"، إذ وصف كيف تحوّل المستوطنون الناشطون في المكان وفي خدمات الإسعاف الإسرائيلية إلى أصحاب الكلمة العليا في موقع الحدث، وقاموا بإدارة عملية نقل الشريف من الموقع عبر تحوّلهم إلى المرجعية الرئيسية للجنود، فيما فَقدَ القادة العسكريون هذه المرجعية بشكل كلي تقريباً.
وعكَس ما حدث في الموقع مدى نفوذ المستوطنين ورجال الدين، بفعل المضامين والرسائل الكثيرة التي تم تبادلها على المجموعات المختلفة في هواتف الجنود أنفسهم، خصوصاً محاولات تنسيق شهادات بشأن محاولة الشهيد الشريف رفع السكين أو تفجير حزام ناسف، والتي أظهر الشريط الذي وثقته منظمة "بتسيلم" كذبها لاحقاً.
وفي ملف الشريف أيضاً، تبيّن أن مستوطني الخليل يستغلون ما يقدّموه من خدمات للجنود، مثل تجهيز كافتيريا يحصلون فيها على ما يشاؤون من طعام وشراب مجاناً، وأجواء اجتماعية، للتأثير على سلوك الجنود وضمان عدم اعتراضهم على ممارسات المستوطنين. كما يتعرض الجنود الذين يخدمون في الضفة الغربية، وتقع قواعدهم العسكرية وثكنات وحداتهم داخل المستوطنات، إلى ضغوط اجتماعية ودروس دينية، لتعظيم الروح اليهودية الدينية، مع كل ما يعني ذلك من بث الروح المسيحانية للخلاص اليهودي وأرض إسرائيل، وأن اليهودي لا يطرد اليهود من بيتهم، وهو ما يسهم في مراكمة وعي مناصر للمستوطنين ومشروع الاستيطان و"الحق اليهودي على أرض إسرائيل كلها".
وتساهم هذه الظروف في ظل غياب المستوى العسكري الرسمي عن التفاصيل اليومية، وبالأخص عن مراقبة المضامين التي تظهر على هواتف الجنود، وغالبيتها مضامين يهودية دينية، في تعزيز مرجعية جهات من خارج الجيش، كمستوطنين وحاخامات التيار الديني الصهيوني، وعناصر يمينية متطرفة على حساب المرجعية الرسمية للجيش وقيادته العسكرية.