العالم "يكتشف" إبادة حلب: اتهام غربي لروسيا بجرائم حرب

26 سبتمبر 2016
مستشفيات حلب تعلن عجزها عن استقبال الجرحى(إبراهيم أبو ليث/الأناضول)
+ الخط -
عاد الملف السوري إلى مجلس الأمن الدولي في نيويورك، أمس الأحد، بعدما كان حاضراً هناك طيلة أيام الأسبوع الماضي في اجتماعات الوزيرين جون كيري وسيرغي لافروف ولقاءات مجموعة الاتصال الدولية. اجتماعات لم تؤدِّ إلا إلى زيادة وتيرة الجرائم من قبل المقاتلات السورية والروسية، في إطار إبادة حلب تمهيداً لاجتياح أحيائها الشرقية من دون وجود أي مقاومة محتملة. وفي حين تجاوز عدد ضحايا القتل الروسي ـ السوري الـ400 منذ يوم الخميس، مع رغبة واضحة في استهداف المدنيين وتدمير المنازل والمستشفيات ومحطات توليد المياه والكهرباء، فقد ظهر أن "المجتمع الدولي" استفاق ولو على استحياء، فتداعى الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون إلى اجتماع عقدوه مساء أمس في مجلس الأمن، على وقع تحميل غربي لروسيا مسؤولية إحلال السلام في سورية، بينما استنفرت المعارضة، بشقيها العسكري والسياسي، اجتماعاتها، لبحث خياراتها كافة.


وللمرة الأولى ربما منذ التدخل الروسي ــ الإيراني في الحرب السورية، صدر كلام فرنسي وأميركي وأممي عن جرائم حرب ترتكبها روسيا تحديداً إلى جانب النظام السوري في حلب. وقالت المندوبة الأميركية لدى مجلس الأمن، سامنثا باور، إن "قوات النظام وروسيا خربت ما تبقى من حلب بمئات الغارات، ولا يمكن لقوافل الإغاثة الدخول في ظل الجحيم الناتج عن قصف النظام وروسيا"، مشيرة إلى أن "روسيا لم ولن تقول الحقيقة مطلقاً بشأن سورية وأفعالها في سورية وحشية وليست محاربة للإرهاب". أما المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا فرأى أن "جرائم حرب ترتكب في حلب وعمال الإغاثة عاجزون عن انتشال الضحايا بحلب، ولا قدرة لنا على حصر الضربات الجوية". وتابع في مستهل الجلسة مطالباً المجلس بـ"حثّ الأطراف على الالتزام بهدنة لمدة 48 ساعة حتى نتمكن من الوصول الإنساني إلى شرق حلب". أما الكلام الأوضح، فصدر عن وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت الذي اعتبر أن "روسيا وإيران قد تعتبران شريكتين في جرائم حرب في سورية إذا واصلتا إطالة أمد الحرب فيها"، ليعود ويدعو موسكو وطهران إلى "التخلي عن استراتيجية الطريق المسدود في الصراع السوري". وختم قائلاً إن حلب باتت ما مثلته سراييفو لناحية الإبادة الجماعية. بدوره، اعتبر المندوب البريطاني لدى المنظمة الدولية، ماثيو ريكروفت إن "روسيا شريك مع الحكومة السورية في تنفيذ جرائم حرب"، مشيراً إلى أن "نظام الاسد بدعم روسي قتل من السوريين أكثر من داعش والنصرة". في المقابل، جزم سفير روسيا فيتالي تشوركين بأن "إحلال السلام في سورية بات مهمة شبه مستحيلة الآن".

في غضون ذلك، قلبت المعارضة السورية، بشقيها السياسي والعسكري، الطاولة على رُعاة ما يسمى العملية السياسية، فقررت، ممثلةً بالائتلاف السوري والهيئة العليا للتفاوض، والفصائل المسلحة الرئيسية، وضع الدول المعنية أمام مسؤولياتها في الضغط على روسيا وعلى النظام السوري وعلى إيران، واعتبرت أن العملية التفاوضية لم تعد مجدية، وكأنها تقطع مشاركتها في أي من حلقات ما يسمى "الحل السياسي" في جنيف أو في غير المدينة السويسرية، على اعتبار أن "المسار السياسي" صار عنواناً عريضاً للتغطية على جرائم النظام السوري وداعمه الروسي. وفي هذا السياق، علمت "العربي الجديد"، أن كلاً من رئيس الائتلاف أنس العبدة، ومنسق الهيئة العليا للتفاوض، رياض حجاب، وأعضاء الوفدين قطعوا زيارتهم إلى الولايات المتحدة، نحو إسطنبول، حيث تعقد اجتماعات مفتوحة، للمعارضة السياسية وللفصائل المسلحة لتدارس قرارات كبرى قد تصدر عن المعارضة، سياسياً وعسكرياً، في ظل تزايد الدعوات نحو فتح جبهات دمشق واللاذقية ودرعا رداً على مجازر حلب. وكان مقرراً أن يتوجه الوفد إلى العاصمة واشنطن للقاء المسؤولين الأميركيين هناك. وقال عضو الهيئة السياسية للائتلاف السوري المعارض أحمد رمضان، في حديث لـ"العربي الجديد" إن "وفد المعارضة السورية توجه عائداً إلى تركيا لإجراء مراجعة للموقفين السياسي والعسكري ودراسة الخيارات السياسية والعسكرية في ضوء العدوان الروسي المستمر على مدينة حلب المحاصرة من قبل قوات النظام السوري".


وصعّدت المعارضة السورية من لهجتها المنتقدة لغياب تحرك دولي فعال من أجل إنهاء المذبحة في حلب، معتبرة العملية التفاوضية "لم تعد مجدية"، مطالبة بحماية دولية للسوريين، في مؤشر على فقدانها الأمل في تحرك دولي جاد في ردع الروس ونظام الأسد والإيرانيين عن حرب الإبادة التي يشنها هذا الثلاثي على السوريين. وأعلن الائتلاف الوطني السوري، وكبرى الفصائل العسكرية في بيان مشترك صدر الأحد، خلا من توقيع حركة أحرار الشام، أن العملية التفاوضية "لم تعد مجدية، ولا معنى لها في ظل القصف والقتل والتدمير. ولم تكتف المعارضة بـ "نعي" العملية السياسية في سورية، بل أكدت عدم قبول روسيا كطرف راع للعملية التفاوضية "كونها شريكة للنظام في جرائمه ضد شعبنا"، مشيرة في بيانها الذي تلقت "العربي الجديد" نسخة منه إلى أن أي اتفاق لوقف إطلاق النار والعمليات العدائية "يجب أن يشمل وقف جميع عمليات القصف، والقتل والتهجير القسري، وفك الحصار، ودخول المساعدات دون قيود، بإشراف أممي، وإبطال جميع الاتفاقات التي تم انتزاعها من أهالي المناطق المحاصرة".


وطالب الائتلاف والفصائل العسكرية بـ "التطبيق الفوري لقرارات مجلس الأمن الدولي كافة، وخاصة ما تعلق منها بالقضايا الإنسانية، واعتبارها خارج التفاوض"، و"محاسبة النظام على استخدام أسلحة كيماوية ضد المدنيين"، كما طالبت المعارضة السورية بتشكيل لجنة تحقيق رسمية بخصوص استهداف قوافل المساعدات الإنسانية من قبل الطيران الروسي، وطيران النظام وتحويل المسؤولين إلى محكمة العدل الدولية. ودعت المعارضة الأمم المتحدة، والدول الصديقة للشعب بـ "تأمين الحماية له"، منتقدة غياب أي توجه دولي واضح وفعال لوضع حد لجرائم الحرب التي ترتكب بحق الشعب السوري.

وجاء بيان الائتلاف والفصائل العسكرية بعد ساعات من مطالبة منسق الهيئة العليا للتفاوض التابعة للمعارضة السورية، رياض حجاب، واشنطن باتخاذ إجراءات عسكرية عاجلة لحماية الشعب السوري، و"إسقاط المساعدات على المناطق المحاصرة وعلى حلب من الجو"، مشيراً في تصريحات لفضائية "الجزيرة" إلى أن "ما يجري في حلب هو إبادة جماعية على يد روسيا"، وأن إنهاء المأساة السورية يحتاج إلى إرادة من المجتمع الدولي، وأن الإدارة الأميركية الحالية لا تمتلك هذه الإرادة"، مؤكّداً أنّها "منعت الأسلحة المضادة للطائرات عن الجيش الحر لحجج واهية"، على حد تعبيره. ويؤكد البيانات المتلاحقة من المعارضة السورية أنها لم تعد تعوّل على اجتماعات يعقدها مجلس الأمن الدولي، حيث تؤكد مصادر في الهيئة العليا للمفاوضات أن مجلس الأمن الدولي "مشلول"، ولم تعد هناك قيمة لقرارات لا تلتزم بها روسيا رغم كونها من الموقعين عليها.


كما خرجت تركيا عن صمتها المتواصل منذ أيام حيال المجازر في حلب، فدانت وزارة الخارجية التركية، في بيان، "النظام السوري وداعميه"، من دون تسمية روسيا. وأفاد البيان بأن هذه الهجمات "لا تعد جرائم حرب وحسب، وإنما جرائم خطيرة ضد الإنسانية، وتشكل انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية". كما حمّل وزراء خارجية أميركا و4 دول أوروبية ومكتب الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي، أمس الأحد، روسيا "مسؤولية إحلال السلام في سورية"، بحسب بيان مشترك. وقال البيان الصادر عن وزراء خارجية أميركا وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، وبريطانيا، ومكتب الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي، اليوم الأحد، "إن مسؤولية إحلال السلام في سورية تقع على عاتق روسيا". وأشار البيان إلى أن مسؤولية إعادة إحياء المباحثات الدبلوماسية بخصوص وقف إطلاق النار في سورية على خلفية الغارات الجوية الأخيرة، "تقع على عاتق الجانب الروسي". واتهمت الأطراف الموقّعة على البيان، روسيا بـ"التغاضي عن هجمات نظام بشار الأسد في سورية"، مشددة على أن موقفها (روسيا) هذا "يتناقض مع خطاباتها بخصوص دعم المباحثات الدبلوماسية الرامية لحل الأزمة".

واستمرت وتيرة جرائم الإبادة الجماعية في حلب وأريافها، أمس الأحد، خصوصاً مع تمكن الفصائل المسلحة من استرداد مخيم حندرات المهدم للاجئين السوريين من النظام الذي لم يتمكن من السيطرة على المخيم الواقع عند المدخل الشمالي لحلب، إلا لساعات صباح أول من أمس السبت. واستهدفت عشرات الغارات السورية والروسية ما تبقى من مباني المخيم المهجور، كذلك قتلت عدداً كبيراً ناهز العشرين من مدنيي الأحياء الشرقية لحلب. واستمرّ تقدم فصائل المعارضة في ريف حماة الشمالي، إذ سيطرت الفصائل المسلحة على معمل تغليف السكر ومحطة القطار جنوب شرق بلدة الكبارية في ريف حماة الشمالية، وهو ما رد عليه الطيران الحربي بكثيف لغاراته على مناطق سيطرة المعارضة، إذ قصف بلدة معان بأكثر من 30 غارة خلال ساعة واحدة. واعتبر الناشط الإعلامي في "مركز حماة الإعلامي" أبو محمد الحموي، أن "من أهم المعارك أمام الفصائل اليوم هي معركة السيطرة على جبل عبد العزيز، الذي يبعد عنها أقل من كيلومترين، الذي يعني سقوطه سقوط كل مناطق النظام في حماة".


في غضون ذلك، اشتدّت الحملة الجوية المشتركة بين طيران نظام الأسد، ومقاتلات روسية لليوم الرابع على التوالي، على الأحياء الشرقية لحلب. وذكر مسؤول الإعلام في "مركز الدفاع المدني في حلب"، إبراهيم الحاج، لـ"العربي الجديد"، أن "عدد قتلى يوم السبت فاق التسعين، بينما تجاوز عدد الغارات الروسية المائة، مشيراً إلى أنها "استخدمت في قصفها الأحياء المدنية، قنابل عنقودية وارتجاجية وفراغية، إلى جانب الفوسفورية". وتناقل ناشطون على الإنترنت عشرات مشاهد الفيديو، التي تُظهر ضحايا من المدنيين في الشوارع المستهدفة وتحت أنقاض المنازل المدمرة، وفي المشافي والنقاط الطبية، التي غصت بجثث القتلى، وبعشرات المصابين، وبينهم الكثير من النساء والأطفال، مشيرين إلى أن رائحة الموت تنتشر في كل مكان في الأحياء التي تتعرض للقصف.  ولم يستثن قصف طيران الأسد، والمقاتلات الروسية شيئاً في مدينة حلب، وشمل أسواقاً شعبية ومخابز، ودمر محطة ضخ مياه باب النيرب، والتي تزود بالمياه جميع الأجزاء الشرقية من حلب. يؤكد ماجد عبد النور وهو مدير وكالة "ثقة" الإعلامية الموجود داخل مدينة حلب، في حديث مع "العربي الجديد"، أن وضع المشافي "سيئ جداً" ، موضحا أن هناك نقصاً في المعدات، والكوادر التي "لم تعد قادرة على استيعاب العدد الكبير من المصابين"، لافتاً إلى أن العلاج "بات يعتمد على نوعية الإصابة". ولا يستبعد محللون عسكريون أن تحاول قوات الأسد وحلفاؤها اجتياح الأحياء الشرقية في حلب برياً، أو دفع مقاتلي المعارضة السورية على قبول اتفاق يفضي إلى خروجهم منها الى الريف الشمالي لحلب، أو لمحافظة ادلب القريبة في تكرار لسيناريو مدينة حمص في عام 2014.

المساهمون