طبول الخلافات تقرع مجدداً في "نداء تونس" وتحرج الشاهد

22 سبتمبر 2016
تحوّل الشاهد لنقطة نزاع داخل "النداء" (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

لا تزال الصراعات في حزب نداء تونس، خامدة تحت رماد الترضيات المرحلية والحلول المؤقتة وتتأجج مع كل خلاف يطرأ، غالباً ما يُعَالَج بحلول أخرى مؤقتة. في المقابل يتفق الطرفان المتنازعان، حافظ قائد السبسي، المدير التنفيذي للحزب، ونجل رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، مع مدير الديوان الرئاسي السابق، القيادي بالنداء رضا بلحاج، على فكرة واحدة وهي وجوب عقد المؤتمر الانتخابي في أقرب الآجال، فيما يتناقضان في كل أطروحات الإنقاذ والتسيير إلى غاية المؤتمر، من بينها تسميته لرئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد رئيساً للهيئة السياسية، كخطوة إصلاحية قوبلت باستحسان أنصار السبسي الابن واستهجان أنصار بلحاج.


في هذا السياق، ارتفعت الأصوات داخل النداء في الأسابيع الماضية، مطالبة بإدخال إصلاحات على الهياكل المسيّرة للحزب ومراجعة علاقتها ببعضها، وفي مقدمتها علاقة المجموعة البرلمانية للنداء بهيئته السياسية، التي شهدت تنافراً كبيراً أخيراً في ظل مضي رئيسها سفيان طوبال، في تطبيق سياسة الفصل بين الهيكلين وسيادة قرار الكتلة في الشؤون البرلمانية وعلاقتها بالكتل الأخرى لا سيما كتلة النهضة. ونادى بسببها عدد من الندائيين بضرورة إعفاء رئيس الكتلة النيابية من منصبه وانتخاب آخر، لتقابل هذه المناورة التي يقودها السبسي، بمبادرة أعنف صاغها بلحاج تطالب بتنحيته شخصياً من الإدارة التنفيذية ومواصلة تسيير الحزب بهيئة مصغرة إلى حين عقد المؤتمر الانتخابي.

وفي إطار الإصلاحات، عقد النداء اجتماعاً، يوم الأحد، ضمّ رئيس الحكومة يوسف الشاهد ووزراءه الندائيين والكتلة النيابية والمنسقين الجهويين وأعضاء مؤسسين في النداء، بدعوة من السبسي، خُصص للتشاور حول مقترحاته المتمثلة في الدعم الكامل للحكومة وإلحاق أعضاء الحكومة والهيئة التأسيسية بالهيئة السياسية، وتكليف الشاهد برئاستها وعقد الأيام البرلمانية الأسبوع المقبل، لانتخاب رئيس للكتلة النيابية وأعضاء مكتبها، ومن سيتحمّلون مسؤوليات في هياكل المجلس عن نداء تونس.

وعلى الرغم من انسحاب عدد من القياديين من الاجتماع، تحت مبررات مختلفة، وتسجيل استهجانهم لهذه المقترحات التي وصفوها بالمسقطة والفوقية، واصل السبسي الابن، ومن وافقه، النقاش في المقترحات وأفضى ذلك إلى اعتمادها رسمياً واقتراحها على الهيئة السياسية للتصويت عليها.

وشدد السبسي الابن في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن "مقترحه يصبّ في إطار مطالبات سابقة من قيادات ندائية بالانفتاح على كفاءات الحزب، لذلك جاء هذا المقترح تلبية لهذا المطلب بإلحاق أعضاء الحكومة من أبناء الحزب الذين ناضلوا صلبه، بالهيئة السياسية". ورأى أن "المقترح يخدم مصلحة الحزب ومصلحة الحكومة ويصب في مخرجات وثيقة قرطاج وتكوين حكومة الوحدة الوطنية ومؤتمر سوسة"، معتبراً أن "البلاد تعيش تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية تحتاج الحكومة فيها حزاماً سياسياً ودعماً حزبياً حتى تتمكن من إنجاز أعمالها، وترؤس الشاهد للهيئة السياسية وإلحاق أعضاء الحكومة الندائيين بها، يقدّم لها امتداداً شعبياً ودعماً حقيقياً من الحزب".



ويعي السبسي حجم المعارضة التي لقيها مقترحه، وإصرار خصومه على تجاهل إصلاحاته المقترحة وفرض مبادرتهم الخاصة، وهو ما تم خلال بداية هذا الأسبوع بعقد بلحاج والقيادات المناصرة لرؤيته، على غرار فوزي اللومي والمنصف السلامي وبوجمعة الرميلي وعبد الناصر شويخ، اجتماعاً يوم الاثنين، خُصص للرد على هذه المقترحات، لا بل تمّ اعتبارها "محاولات انقلابية" على الحزب.

وأوضح بلحاج في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التوصيات المنبثقة عن هذا الاجتماع تعتبر أن الإصلاح يمر عبر حذف خطة (منصب) المدير التنفيذي للحزب والتراجع عن مقترح تسمية الشاهد على رأس الهيئة السياسية، لأن ذلك يُعدّ قراراً فوقياً ومسقطاً، علاوة عن تصدير أزمة الحزب للحكومة".

وبلورت مجموعة بلحاج رؤيتها الخاصة لمسار الإصلاح في الهياكل وقدّمتها في شكل خارطة طريق، تضمنت حسب ما أعلن عنه شويخ لـ"العربي الجديد"، "تحوير النظام الداخلي للحزب، من أجل حذف خطة المدير التنفيذي وإعادة توزيع المسؤوليات في صلب الهيئة السياسية، عبر بعث هيئة مصغرة لتسيير شؤون الحزب اليومية والتسريع بإنجاز مؤتمر انتخابي".

وحذّرت مجموعة بلحاج في بيان لها، من مناورات الاستقواء بالحكومة لحسم الخلافات الحزبية ودعت المدير التنفيذي للحزب إلى التراجع عن هذا المقترح. وفيما اعتقدت هذه المجموعة أن لها الأغلبية الكافية لتمرير خارطة الطريق المذكورة نظراً لكثرة الغاضبين من السبسي الابن منذ مشاورات تشكيل الحكومة، تحديداً ممن وُعدوا بحقائب وزارية ولم ينالوها، أو ممن سُحبت منهم حقائبهم، فإن اجتماع يوم الثلاثاء جاء بخلاف ذلك، ولم يوقع على الخارطة إلا عشرة أعضاء فقط من الهيئة السياسية.

ورأى مراقبون أن مقترحات السبسي الابن جاءت لتحقيق أكثر من هدف سياسي، في مقدمتها تقديم سند حزبي هام لرئيس الحكومة بتقلده رئاسة الحزب الحاكم، وفي طياتها محاولة لتغيير مجرى الصراع ووضع المعارضين في مواجهة مباشرة مع خصم ذي وزن ثقيل كيوسف الشاهد في حالة رفضه. وهو موقف سيكلف متخذيه مكانتهم في الحزب وعلاقتهم بالرئيس السبسي، صاحب مبادرة حكومة الوحدة الوطنية ومكلف الشاهد برئاستها وأهم داعميه. ويتيح ذلك أيضاً للسبسي الابن تفادي اتهامه بالانفراد بتسيير الحزب عبر تسمية الشاهد رئيساً للهيئة السياسية، الذي سيكون في واجهة ادارة الحزب فيما سيواصل الأول إدارته من الكواليس.

ومع تزايد أنصار بلحاج من الكوادر العليا للحزب، بعد أن كان معزولاً إثر خلافه السابق مع السبسي الابن الذي أدى إلى استقالته، يتعاظم دور الأخير في صياغة الحزب وهياكله، حاشداً أيضاً أنصاره في هذا الاتجاه، غير أن مراقبين يَرَوْن أن كل هذه الصراعات ستكون لها انعكاسات مباشرة على الكتلة النيابية، التي استقال منها نواب، وربما تفضي هي الأخرى إلى انقسام جديد، وتراجع حضورها في البرلمان.

بالتالي ينتظر الندائيون عودة الرئيس السبسي من نيويورك لمحاولة رأب هذا الصراع العاصف، وينتظرون كذلك موقف الشاهد من اقتراح توليه لقيادة الحزب، وسط مخاوف من تصدير أزمات الحزب للحكومة، وتعطيلها في ظرف سياسي دقيق للغاية.