الدعاية الانتخابية الأردنية: "ابتسامة فوتوشوب" مشروع انتخابي صامت

30 اغسطس 2016
غابة من الصور والشعارات تلاحق الناخبين (العربي الجديد)
+ الخط -
على سبيل الفكاهة (النكتة)، يعيد مواطنون أردنيون نشر إعلانٍ على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، نصه: "للمرشحين الجادين فقط، يتوفر عمود كهرباء ما عليه ولا صورة انتخابية، للاستفسار يرجى التواصل".

يعكس الإعلان تنامي "السخرية السوداء" لدى المواطنين الأردنيين، لكنه يلخص في الوقت نفسه سلوك المرشحين للانتخابات النيابية المقررة في العشرين من سبتمبر/أيلول المقبل وهم يتصارعون على احتلال المساحات الصالحة لتعليق الدعاية الانتخابية، وسط غياب شبه تام للصراع السياسي القائم على البرامج الانتخابية التي تلامس مصالح جمهور الناخبين أو تراعي توجهاتهم الفكرية أو السياسية أو حتى الاجتماعية.



منذ فُتحَ باب الدعاية الانتخابية، تتحول المملكة، أو على الأقل طرقها وميادينها الرئيسية ومناطق تمركز الكثافة السكانية، إلى غابة من الصور والشعارات التي تلاحق جمهور الناخبين وتزاحمهم على الفضاء العام، وتَسلِب المواطنين في كثير من الأحيان حقهم بالانتفاع من المرافق العامة كالأرصفة. كما تنتشر المقار الانتخابية التي تأتي عادة على شكل خيم تتراوح فخامتها تبعاً للمركز المالي للمرشحين، لكنها تلتقي جميعاً على تخصيص أماكن لتخزين ملتزمات الضيافة وإنتاج الحلويات التي توزع ساخنة خلال اللقاءات الجماهيرية التي يطل فيها المرشحون على جمهور الناخبين.
بعد المصادقة في منتصف مارس/ آذار الماضي على قانون الانتخاب الجديد الذي ستجري بناء عليه الانتخابات المنتظرة، والذي يعتمد القوائم النسبية المفتوحة، روج المتحمسون له لأثاره على العملية الانتخابية. توقعوا تحالفات سياسية تنعكس على الحملات الدعائية للمرشحين باتجاه خطاب سياسي برامجي يغادر الخطاب الخدمي الذي سيطر على الانتخابات منذ عام 1993 نتيجة قانون "الصوت الواحد" الذي كرس العشائرية والمناطقية و"المال الأسود" كركائز تؤهل المرشح للفوز بمقعد نيابي.

التجربة العملية الأولى للقانون الجديد، تؤشر، حسب مراقبين، إلى أن القواعد التقليدية في إدارة العملية الانتخابية لا تزال تتسيد المشهد الانتخابي، لا سيما خلال فترة الدعاية الانتخابية.
يرى وزير التنمية السياسية الأسبق، بسام حدادين، أن الدعاية الانتخابية تعكس حالة "التصحر السياسي" التي يعيشها غالبية المرشحين للانتخابات نتيجة ضعف الأحزاب من جهة وغياب السياسيين المستقلين من جهة أخرى.
وفقاً لحدادين، الذي شغل عضوية مجلس النواب منذ عام 1989 وحتى عام 2012، فإن "الدعاية الانتخابية تؤشر إلى أن التنافس عملياً يتم على المقعد، والجمهور ينظر إلى الانتخابات من زاوية شخص المرشح وليس البرنامج الانتخابي". ويعتبر أن الشعارات التي رفعتها الأحزاب اليسارية والإسلامية المشاركة بالانتخابات "شعارات مكررة، تفتقر لبرنامج سياسي واضح، ولا تلامس مصالح وحاجات المواطنين".
وكان القانون قد ألزم المرشحين خوض الانتخابات النيابية بقوائم انتخابية، لا يقل عدد المنضوين فيها عن ثلاثة مرشحين ولا يزيد على عدد المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية. لكن خوض الانتخابات من خلال القوائم لم يمنع المرشحين من تنظيم حملات دعائية فردية لأنفسهم، رفع فيها بعضهم شعارات تختلف عن شعار القائمة التي ينتمون إليها. وقد زاد هذا الأمر التنافس على المساحات الصالحة لتعليق الدعاية الانتخابية التي غلب عليها استخدام تقنية الفوتوشوب في معالجة صور المرشحين للدرجة التي أصبحوا محل تندر المواطنين خصوصاً بعد أن اعتلت الابتسامة ملامح غالبيتهم في بلد تعتبر "الكشرة" جزءاً أصيلاً من ملامح مواطنيه ودليلاً على الهيبة والجدية.
ويذهب حدادين إلى أن "الدعاية الانتخابية تعكس واقع الحركة السياسية في البلاد"، مضيفاً "هي حركة غير منتظمة وغير منسجمة". كما يؤكد أن "التنافس بات ينحصر بين القوائم المتنافسة والمرشحين في نفس القائمة على من يجمع أصواتا تؤهله للفوز بمقعد نيابي بغض النظر عن مصدر الأصوات، سواء كان بفعل العشيرة أو المال السياسي أو وعود الخدمات".
ويلفت حدادين إلى أن غياب البرامج السياسية عن الحملات الانتخابية كان سمة عامة، إلا أنه يؤشر إلى أن عدداً قليلاً جداً من القوائم والمرشحين قدم برامج انتخابية تحمل شعارات سياسية واضحة تسعى إلى تحقيق الدولة المدنية وتعزيز مفهوم المواطنة.

التحالف الانتخابي الأكبر يتشكل من حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وشخصيات سياسية وعشائرية مستقلة. ويخوض التحالف الانتخابات بعشرين قائمة انتخابية تحت شعار موحد هو "التحالف الوطني للإصلاح". وعلى الرغم من أن التحالف قدم برنامجاً انتخابياً متكاملاً إلا أن حدادين يعتقد أن الإسلاميين والمتحالفين معهم ليسوا أفضل حالاً من الأحزاب اليسارية لجهة غياب الخطاب السياسي.
ويشارك "العمل الإسلامي" في الانتخابات بعد مقاطعته الانتخابات في عامي 2010 و2013، وبعد أن صنفت جماعة الاخوان المسلمين من قبل الحكومة الأردنية كجماعة غير قانونية اعتباراً من مطلع مارس/آذار 2015.
من جهته، يعتقد الخبير في الشؤون الانتخابية والبرلمانية راكان السعايدة أن قوائم "التحالف الوطني للإصلاح" هي الوحيدة التي تشكل لوناً سياسياً منسجماً وتقدم برنامجاً سياسياً لخوض الانتخابات. كما يعتبر أنه "باستثناء قوائم التحالف، فإن هذه الانتخابات تفتقد لأي معنى سياسي حزبي برامجي، وتكاد تكون الحالة الانتخابية استحضارا لانتخابات سابقة. ويرجع الأمر إلى قانون "القوائم النسبية" الذي يؤكد أنه أعاد أنتاج قانون "الصوت الواحد" الذي يعتبر سبباً رئيساً لغياب التنافس السياسي والبرامجي.
وتشير التقديرات لآلية احتساب الفائزين بالمقاعد النيابية إلى استحالة فوز أكثر من مرشحين من نفس القائمة في أفضل الظروف. وقد أنتج هذا الأمر قوائم انتخابية تبتعد عن المشتركات السياسية لصالح حسابات اعتمدت الانتماءات العشائرية والمناطقية والملاءة المالية لضمان أكبر كتلة تصويتية.
باستثناء عدد محدود من القوائم التي طرحت برامج انتخابية جادة، وبغض النظر عن مدى تقبل جمهور الناخبين لتلك البرامج أو اعتبارها ضمن أولوياته عندما يقف في المعزل للإدلاء بصوته، تخوض غالبية القوائم فضلاً عن المرشحين الانتخابات بالبحث عن مساحة على أعمدة الكهرباء وبـ"ابتسامة فوتوشوبية" تطرح كـ"برنامج صامت".

المساهمون