اليمن: جلسة ثانية لبرلمان صالح تشرعن انقلاب "المجلس السياسي"

15 اغسطس 2016
جدل مستمر حول شرعية البرلمان (محمد حمود/الأناضول)
+ الخط -
خطا البرلمان اليمني، والذي يملك حزب "المؤتمر الشعبي العام" بقيادة الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الأغلبية فيه، خطوة إضافية في القفز على السلطة الشرعية المعترف بها دولياً والمبادرة الخليجية، أمس الأحد، بعد أن أدى أعضاء "المجلس السياسي" الانقلابي، اليمين الدستورية، أمامه.

وخلال جلسة أمس، ألقى رئيس "المجلس السياسي"، صالح الصماد، كلمة مماثلة لكلمات رئاسة الجمهورية، متحدثاً عن أولويات المجلس في المرحلة المقبلة، ومنها تمثيل "الشراكة الوطنية"، والعمل على إحلال السلام، من خلال "مد يد السلام والحوار مع كل القوى في الداخل"، وكذلك "المصالحة الداخلية". وإلى جانب الصماد، أدى نائب رئيس المجلس قاسم محمد لبوزة، وستة من الأعضاء، وهم صادق أمين أبو رأس، ويوسف عبدالله الفيشي، ومحمد صالح النعيمي، ومبارك صالح الزايدي، وجابر عبدالله الوهباني، وناصر النصيري، اليمين أيضاً.

وتُعدّ الخطوة التي أقدم عليها البرلمان بتنصيب "المجلس السياسي" مخالفة للبند الثامن من الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، والذي تضمن أن "يكون اتخاذ القرارات في مجلس النواب" خلال المرحلة الانتقالية، بالتوافق، في حين أن التصويت جرى إقراره من دون توافق مع الكتل الأخرى، وسط شكوك حول النصاب المتوفر في البرلمان. كما تمثل الخطوة مخالفة صريحة لمخرجات الحوار الوطني، والتي جاءت كوثيقة إضافية للمرحلة الانتقالية في يناير/كانون الثاني 2014، وتنصّ على أنه "بناء على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، فإن ولاية الرئيس تنتهي بتنصيب الرئيس المنتخب وفقاً للدستور الجديد".

ويكشف مصدر برلماني يمني مقرب من الانقلابيين، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "المؤيدين للتصويت على الاتفاق الموقع بين الحوثيين وصالح، استندوا إلى المراجع نفسها التي استند إليها البرلمان، عند التصويت على المبادرة الخليجية، باعتبارها اتفاقاً سياسياً بصيغة أخرى". ويضيف أن "الخطوة الأولى بين قوى الثورة وحزب المؤتمر وحلفائه تمّت عام 2011، وانطلاقاً من ذلك، سعى المشرّعون للخطوة، بالتصويت على الاتفاق السياسي بين أنصار الله والمؤتمر، إلى قياسها بالمبادرة الخليجية. وهو قياس يقفز على الكثير من المراجع والحقائق، ويهزّ شرعية البرلمان، المشكوك فيها أساساً، بسبب نصوص مراجع المرحلة الانتقالية".

وحول أسباب عدم توجه المجلس لنقاش وضع الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي، وانتقاله مباشرة لشرعنة مجلس الانقلابيين، يشير المصدر إلى أن "تبايناً وقع في أوساط أعضاء مجلس النواب ومستشاري الجماعة والحزب، إذ إن هناك من رأى أن الدخول في نقاش شرعية الرئيس هادي من عدمها، ومحاولة القيام بخطوات ضده، تعني الاعتراف بشرعية قراراته وإجراءاته المختلفة خلال الفترة الماضية".



ويضيف المصدر "كما أن لا قدرة للحوثيين وصالح على استيفاء النصاب القانوني لاتخاذ إجراءات ضد الرئيس (يحتاج أي إجراء إلى ثلثي أعضاء المجلس)، ما جعلهم يلجأون لاتخاذ خطوات تحاول إضفاء شرعية على سلطة الأمر الواقع، واعتبار مؤسستي الرئاسة والحكومة الشرعيتين بحكم غير الموجود".

ويبدو الجدل دائراً حول شرعية البرلمان، في ظلّ العديد من الثغرات والقضايا الدستورية، إذ إن الأمر وفقاً لتعليقات بعض القانونيين، يقيّد كلاً من الرئيس ومجلس النواب، فكلاهما يستمد الشرعية من دستورية واتفاقات استثنائية لا تنقصها المخالفات، غير أن المبادرة الخليجية وآليتها، تمنح صلاحيات واسعة وتقيد قرارات البرلمان بالتوافق، لكنها لا تخوّل الرئيس هادي حلّ المجلس.

من زاوية أخرى، وعلى الرغم من عدم المشروعية الكافية لقرارات البرلمان، يمثل انعقاده وعودته للجلسات في العاصمة صنعاء، رمزية مهمة، باعتباره مؤسسة دستورية تنسخ بعودتها "الإعلان الدستوري" الحوثي، وسلطتهم عبر "اللجنة الثورية". ومن المتوقع أن يقوم "المجلس السياسي" (الواجهة الجديدة للانقلاب)، بحلّ "اللجان الثورية" التي أنشأها الحوثيون للرقابة والإشراف في مؤسسات الدولة. وهو ما ظهرت بوادره مع لجوء الحوثيين إلى إصدار مئات القرارات في الوزارات والمؤسسات، تتضمّن تعيينات وترقيات للموالين لهم في أجهزة، استباقاً لخروجهم كمتفرد رسمي بالقرار.

وتمثل عودة البرلمان تحولاً محورياً بالنسبة لترتيبات الوضع داخل "البيت الانقلابي"، إذ يعيد حزب "المؤتمر" الذي تفرّد بالحكم منذ عام 1997، إلى واجهة السلطة الانقلابية، بما يتمتع به من أغلبية برلمانية ومشاركة في المجلس السياسي، الأمر الذي يرفع من معنويات أنصاره ويشجع العديد من القيادات السياسية المحسوبة عليه، التي كانت في موقف متردد بسبب سيطرة الحوثيين وتفردهم بمؤسسات الدولة (المدنية منها على وجه الخصوص). وسعى شريكا الانقلاب من خلال مختلف الخطوات، وأهمها عودة البرلمان، لإشاعة جو من التفاؤل لدى أنصارهم، مع إيحاءات عودة الحكومة بصيغتها السابقة وإضفاء جانب قانوني على الخطوات الانقلابية.
وحاول الطرفان إضفاء شرعية على جلسات البرلمان من خلال دعوة أعضاء من كتل أخرى، إذ حضر الجلسة الأولى يوم السبت، اثنان من أعضاء البرلمان عن حزب الإصلاح، الخصم السياسي والميداني الأول للانقلابيين، والحزب القوي المتمسك بشرعية هادي، وهما عضو مجلس النواب عن الدائرة 98 بمحافظة إب، محمد هاشم البطاح، وعضو مجلس النواب عن الدائرة 185 بمحافظة أبين، زياد علي صغير شامي. وقد أثار حضورهما جدلاً واسعاً، دفع الحزب لإصدار بيان يعلن تجميد عضويتهما من الحزب، وإحالتهما للقضاء التنظيمي.




ويتألف البرلمان من 301 عضو انتخبوا عام 2003، وكان من المقرر أن تنتهي فترتهم الدستورية في 2009، إلا أن الأطراف السياسية اتفقت على التمديد للبرلمان لعامين، قبل أن تأتي الثورة والأحداث التي عصفت بالبلاد، ليستمد مجلس النواب بقاءه من المبادرة الخليجية والمادة 65 من الدستور، والتي تنص على أنه إذا تعذّرت الانتخابات لـ"ظروف قاهرة ظل المجلس قائماً ويباشر سلطاته الدستورية حتى تزول هذه الظروف ويتم انتخاب المجلس الجديد".

ويتمتع "المؤتمر" بالأغلبية من أعضاء البرلمان، أكثر من 238 عضواً، وبسبب الاستقالات والانشقاقات تقلص العدد إلى أقل من 200 عضو، ويأتي حزب الإصلاح كثاني أكبر كتلة 46 عضواً، ويليه الحزب الاشتراكي بثمانية مقاعد والناصري ثلاثة مقاعد وحزب البعث مقعدان، بالإضافة إلى أربعة مستقلين، ارتفع عددهم بسبب الاستقالات من حزب صالح، إلى أكثر من 50 عضواً، فيما بلغ عدد المتوفين 26 عضواً.


المساهمون