حملة ترامب للرئاسة: مشاكل إدارية ومالية لمصلحة كلينتون

06 يوليو 2016
يعاني ترامب من مصاعب عدة انتخابياً (تايلور هيل/Getty)
+ الخط -
لا تسير الأمور على ما يرام بالنسبة للمرشح المفترض عن الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، وفق ما أكدته تطورات الأيام القليلة الماضية. فقد تراكمت المشاكل والمصاعب التي تعاني منها حملة ترامب، إلى درجة بدأت فيها بعض قنوات التلفزة الأميركية تصف تلك المصاعب بالمصائب، الأمر الذي جعل الجمهوريين يخشون من تحطّم آمالهم قبل آمال ترامب في الوصول إلى البيت الأبيض.

وإذا كانت المشاكل الظاهرة للملأ تؤرق الراغبين في إيصال ترامب للرئاسة، فإن مشاكل ما وراء الكواليس أكثر خطورة، لأنها تؤثر سلباً في الحملة الانتخابية، من دون أن يشعر أنصار ترامب بها إلا عندما تبرز بعض أعراضها، مثلما حدث الشهر الماضي عندما طرد ترامب مدير حملته الانتخابية كوري ليفاندوفسكي، رغم اعترافه بأن الفضل يعود للأخير في إنجاح الحملة خلال الانتخابات التمهيدية. وصاحب الإعلان عن طرد الرجل، تواتر الأنباء والتسريبات عن سلسلة من النكسات التي تحاصر حملة ترامب من كل صوب، بدأت بالخلافات وربما تنتهي بالانقسامات.

في مسألة ليفاندوفسكي، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" في حينها أن "السبب المباشر لطرد مدير الحملة الانتخابية لترامب، هو أنه أراد تسريب قائمة المفاضلة بين المرشحين لمنصب نائب الرئيس في بطاقة ترامب، سعياً منه لإعطاء الحملة زخماً إعلامياً جديداً. وهو ما عارضه ترامب مسرّباً بدلاً عن ذلك، قائمة طويلة من الإخفاقات التي يتحملها مدير الحملة بحكم إدارته لها". كما تزامن قرار الطرد مع تأكيدات من ترامب نفسه، بأن اسم المرشح أو المرشحة لمنصب نائب الرئيس لن يُعلن قبل انعقاد المؤتمر العام للحزب الجمهوري في كليفلاند، بولاية أوهايو الشهر المقبل. لكن اللقاء قبل يومين بين ترامب والسيناتور عن ولاية أيوا، السيدة جوني إرنست، جعل الكثيرين يقولون أنها قد تكون على القائمة القصيرة للمرشحين لشغل منصب نائب الرئيس في حال فوز ترامب. مع العلم أن تغيير مدير الحملة يأتي قبل أقل من شهر ونصف الشهر على موعد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، وبعد أشهر من الشائعات بوجود خلافات داخل معسكر ترامب حول الطريقة الأمثل لمواجهة هيلاري كلينتون.

للتمويل الانتخابي الأهمية القصوى بالنسبة لترامب، ففي انتخابات عام 2012، أنفق المرشح الجمهوري الثري ميت رومني أكثر من مليار دولار، وكان مدعوماً من جميع أجنحة الحزب بصورة كاملة. ومع ذلك لم يتمكن رومني من التغلب على المرشح الديمقراطي حينها باراك أوباما. ومن أجل التغلب على هيلاري كلينتون يحتاج ترامب إلى الكثير من المال قبل بدء حملة الانتخابات العامة. لكن التسريبات الخارجة من أروقة الحملة، تفيد بأن حجم الأموال النقدية المتوفرة حالياً، تناقص إلى درجة كافية، إذ لم يعد في خزينة الحملة سوى مليون وربع المليون دولار، بحسب تقارير رفعها يوم الاثنين إلى الحكومة الفيدرالية، وهو مبلغ قياسي في ضآلته تشهده حملة مرشح حزب كبير.

يعاني ترامب حالياً من تناقص التأييد الشعبي له لصالح هيلاري كلينتون، وخلال الشهر الماضي تراجعت نسبة المؤيدين لترامب إلى أقل من 40 في المائة، لتتقدم كلينتون بفارق ست نقاط عليه في استطلاعات الرأي. وإذا ما استمرت عجلة الهبوط فإن ذلك سيهدد حظوظ ترامب بصورة كبيرة في الفوز بالرئاسة. وقد أظهر استطلاع أجرته شبكة "أي بي سي" أخيراً، أن 70 في المائة من الأميركيين يكرهون ترامب، من ضمنهم 56 في المائة قالوا إنهم "يكرهونه بشدة". كما أن 9 من بين كل 10 أميركيين من ذوي الأصول اللاتينية، لديهم وجهات نظر سلبية عن ترامب، وثلاثة أرباع هؤلاء قالوا إن "وجهة نظرهم فيه سلبية للغاية".

يعمل في حملة ترامب حالياً 73 موظفاً، مقارنة مع نحو 800 موظف بأجر يعملون في حملة كلينتون. وفضلاً عن أن قلة عدد الموظفين المتفرّغين للحملة، يقلّص من قدرة المرشح على أداء المهام الأساسية، فإن هذا النقص يتسبّب أيضاً في عدم القدرة على الاستفادة من المعلومات والبيانات، أو توظيفها توظيفاً أمثل لصالح المرشح.

كما يشارك في حملة كلينتون آلاف المتطوعين على نطاق الولايات الخمسين، فيطرقون أبواب المنازل لتسجيل واستقطاب أكبر عدد ممكن من الناخبين. وتنظيم هذا الجهد يتطلّب وقتاً للتنسيق، إلا أن حملة ترامب تعتزم تكليف الحزب الجمهوري بالمهمة التي لا يستهويه القيام بها. وقد أدرك الجمهوريون أن تقصيرهم في هذا الجانب، من أبرز الأسباب التي أدت إلى خسارتهم انتخابات الرئاسة مرتين، رغم تقديم الحزب اثنين من أقوى المرشحين فيهما، الأول هو السيناتور جون ماكين في انتخابات 2008، والثاني هو القيادي الجمهوري ميت رومني في انتخابات 2012. ويرى متابعون لسير حملة ترامب الانتخابية، أنها تفتقد إلى التنظيم، لدرجة أصبح هؤلاء ينظرون إلى حملة كلينتون بأنها متقدمة بمراحل طويلة.

في سياق الحملات الإعلانية، خصصت كلينتون والجماعات المؤيدة لها، أكثر من 23 مليون دولار للإعلانات في ثماني ولايات رئيسية، وفقاً لشبكة "ان بى سى"، وهي كولورادو وفلوريدا وآيوا ونيفادا ونيو هامبشير ونورث كارولينا، وأوهايو، وفيرجينيا. وسيتم بث الإعلانات طيلة ستة أسابيع حتى موعد مؤتمر الحزب الديمقراطي بين 25 يوليو/تموز المقبل و28 منه، في فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا. وفي الوقت الذي تستفيد فيه كلينتون من تمويل ضخم مصدره المتبرعون الكبار والصغار، فإن ترامب يعتمد بصورة رئيسية على الاستضافات المجانية، التي تسعى إليها محطات التلفزة للاستفادة من عامل الإثارة المتوقع عن إطلاق كل تصريح من تصريحات ترامب المستفزة لفئة معينة من فئات الشعب الأميركي أو لأقلية ما.

تراكمت مشاكل ترامب الناجمة عن تصريحاته المثيرة للجدل، خصوصاً عندما يتحدث عن العرق والهوية، في توقيت يحاول فيه الحزب الجمهوري تعويض خسارته نسبة كبيرة من الأميركيين الأفارقة، بكسب الأقلية اللاتينية، لكن ترامب أضاع الفرصة باستعداء المكسيك، الوطن الأم لملايين الأميركيين الناطقين باللغة الإسبانية. كما أن تعليقاته حول المسلمين بعد اعتداء أورلاندو أثارت استنكاراً واسعاً حتى من غير المسلمين. وإذا كان ترامب يهدف من استعداء الأقليات إلى كسب الغالبية العظمى من البيض، فقد حصد من أصواتهم في الانتخابات التمهيدية 14 مليون صوت، وهو رقم قياسي بالنسبة للجمهوريين، لكن أوباما الديمقراطي فاز بأصوات 66 مليون أميركي من أصل 131 مليونا في مواجهته رومني في 2012.

كما أن لترامب "هموماً خارجية"، إذ أثار قراره التوجه إلى اسكتلندا هذا الأسبوع لتدشين ملعب للغولف بدلاً من مواصلة الحملة، الاستغراب والمخاوف حول قدرته على التركيز على السباق إلى البيت الأبيض، بعد أن أصبح المرشح الوحيد للحزب الجمهوري. وهنا يركّز مهاجمو ترامب على إبراز التقلبات في شخصيته، قائلين إنها "لا تتلاءم مع المنصب الرئاسي، وأنه غير مؤهل لقيادة حملته الانتخابية، ناهيك عن قيادة قوى عظمى بحجم الولايات المتحدة". وعلى الرغم من أن ترامب تعهّد بتبني لهجة أقل حدّة وأكثر تصالحاً مع الآخرين، إلا أنه سيلتزم بذلك لفترة وجيزة وسرعان مع يعود إلى سابق عهده، مما يثير قلق قيادات الحزب الجمهوري.

تقدّم ترامب في الانتخابات التمهيدية، أحدث انقسامات خطيرة في صفوف قادة الحزب الجمهوري، إذ لم يسبق لمرشح جمهوري قط أن تعرض لهجمات من قبل الحزب الذي يمثله مثلما يتعرض له ترامب من أوصاف. وقال عنه رئيس مجلس النواب الأميركي، القيادي الجمهوري بول راين إنه "عنصري"، كما قال عنه زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، إنه "دائم الخروج عن النص". وتعهّد قياديون آخرون في الحزب الجمهوري بالعمل على إسقاطه والحيلولة دون وصوله إلى البيت الأبيض بأي ثمن، وهو ما سيتم على الأرجح بأيديهم أو بأيدي منافسيهم في الحزب الديمقراطي.

المساهمون