نكسة يوميّة للقدس: أسرلة لهويّة المدينة لا تقضي عليها

06 يونيو 2016
ارتفاع كبير في أعداد المستوطنين في القدس المحتلة (Getty)
+ الخط -
يرى كثير من الفلسطينيين، خصوصاً المقدسيين منهم، في قرار الحكومة الإسرائيلية الأخير تخصيص أكثر من 850 مليون شيقل (نحو 221 مليون دولار) لما سمي بتطوير القدس المحتلة، بأنه الأخطر في سياق عملية التهويد والأسرلة للمدينة، تزامناً مع الذكرى التاسعة والأربعين لحرب عام 1967، والتي شهدت سقوط القدس في أيدي الاحتلال.
يقول مدير دائرة الخرائط في بيت الشرق، وخبير الاستيطان خليل تفكجي، لـ"العربي الجديد": "يكفي أن نعود إلى تصريحات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الأخيرة حول القدس لنعرف وندرك ما يخططون للقدس وأهلها". ويضيف: "لقد قال نتنياهو بالحرف "جذورنا في القدس والأقصى تمتد عميقاً في الأرض أكثر من جذور أي شعب آخر، لا نحتاج لإثبات وجودنا في القدس منذ بداية تشكيل أمتنا لأن مصيرنا ارتبط بها، وجذور الشعب اليهودي في القدس أعمق من جذور أي شعب آخر وهذا ينطبق أيضاً على منطقة جبل الهيكل".
ويؤكد التفكجي أنه بناء على تصريحات نتنياهو جاء قرار حكومته بتخصيص هذه المبالغ الضخمة مؤشراً واضحاً على أن الطرف الإسرائيلي يريد قدساً يهودية خالصة له من دون الفلسطينيين، وأن نتنياهو تحدث عن ذلك صراحة، حين قال: "سنكون نحن الأغلبية المطلقة، والفلسطينيون فيها أقلية".
وتُظهر تصريحات نتنياهو أنه لا يريد أي شريك فلسطيني في القدس، وهو أمر ينطبق أيضاً على زعيم المعارضة من "المعسكر الصهيوني" يتسحاق هرتسوغ، والذي كان قد أعرب عن خشيته في وقت سابق من أن يصحو ذات يوم ليجد رئيساً عربياً لبلدية الاحتلال في القدس، في إشارة إلى الزيادة المتصاعدة في أعداد السكان الفلسطينيين في المدينة، وبالتي يتبنى الآن خطة فصل عنصرية تقضي بإخراج كل الأحياء الفلسطينية في القدس المحتلة من داخل حدود بلدية الاحتلال المصطنعة، ما يعني التخلص من أكثر من 100 ألف مقدسي، وفق تفكجي.
ويكشف تفكجي، عن مصادقة الحكومة الإسرائيلية يوم أول من أمس، وبصورة نهائية، على مشروع القطار الخفيف الذي يربط جبل المشارف شمال المسجد الأقصى بمستوطنة جيلو المقامة على أراضي جنوب القدس، فيما العمل جارٍ في القطار الخفيف الذي يربط القدس بتل أبيب، إضافة إلى شبكة الطرق المتطورة التي يتم العمل بها في كل أنحاء المدينة، ما يدل على أن لديهم خططاً وبرامج ورؤيا لما سيكون عليه مستقبل القدس خلال السنوات المقبلة.
وتشير معطيات إحصائية، وفق تفكجي، إلى ارتفاع أعداد المستوطنين خلال الأعوام القليلة الماضية لتصل الآن إلى 210 آلاف مستوطن، في مقابل صفر عشية عام 1967، ونجاح الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ببناء 58 ألف وحدة استيطانية في القدس الشرقية المحتلة، بعد الاستيلاء ومصادرة نحو 87 في المائة من أراضي المدينة والإبقاء على 13 في المائة فقط للفلسطينيين. وشيدت سلطات الاحتلال خمس عشرة مستوطنة على أراضي الفلسطينيين، ويجري العمل لبناء مستوطنتين أخريين على أراضي منطقة الولجة (جفعات يائيل)، وعلى أراضي بيت جالا (جفعات همتوس) جنوب القدس المحتلة.


ويتفق الباحث في شؤون الاستيطان أحمد صب لبن، مع ما ذهب إليه تفكجي، بشأن تخصيص هذا الكم الكبير من الأموال لصالح تهويد المدينة، لافتاً إلى أن هذا القرار "يشير بشكل قاطع إلى مضي هذه السلطات بتوجّهها نحو مخطط القدس الموحّدة، وهي لا تخفي ذلك بل تتحدى العالم والإرادة الدولية وتضع لذلك الميزانيات الطائلة لتشييد البنى التحتية ووضع المخططات الحضرية التي ستضمن السيطرة اليهودية على المدينة والمضي قدماً في سياسة تهويدها".
ويشدد صب لبن، في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن هذه المعركة استهدفت سلطات الاحتلال فيها البشر والحجر في مدينة القدس، في المقابل فإن المواقف خجولة لا تتعدى التنديدات والتصريحات الرنانة على المستوى العربي، أما على المستوى والصعيد الفلسطينيين، فإن القيادة تقف عاجزة أمام هذا الكمّ الهائل من المخططات ومن المقدرات اللوجستية لضمان التفوّق في معركة السيطرة على القدس. ويعتبر أن "على القيادة الفلسطينية، إن أرادت الحفاظ على بقاء الحجر والبشر في مدينة القدس، أن تغير مخططات المواجهة تجاه استهداف مدينة القدس، وأن تكون البوصلة موجّهة نحو العاصمة إن أردنا المحافظة عليها كعاصمة لدولة مستقبلية". ويرى أن على الجميع إعادة الحسابات ورصد الميزانيات لمواجهة المخططات الإسرائيلية التي لن تتغير لا بتنديد ولا بالمؤتمرات ولا بالشعارات الرنانة والمبادرات التي لا ترى النور.
وفي مقابل رصد الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مليارات الشواقل لصالح مخططات تهويد القدس، فإن الموازنة السنوية للقدس المخصصة من قِبل السلطة الفلسطينية لا تتعدى ستة ملايين دولار، أي ما يعادل نحو 26 مليون شيقل، لا تصل جميعها إلى الصندوق الخاص بمحافظة القدس، كما يؤكد مسؤولون في القدس رفضوا الكشف عن أسمائهم لـ"العربي الجديد".
وغير بعيد عن ذلك، فإن قطاع التعليم في القدس لوحده يحتاج سنوياً إلى ما يُقدر بعشرة ملايين دولار، وأضعاف هذه المبالغ تحتاجها القطاعات الاقتصادية المختلفة في المدينة، في حين أن معدلات الفقر والبطالة والرعاية الاجتماعية سجّلت ارتفاعاً كبيراً في غضون السنوات القليلة الماضية، ووصلت إلى أكثر من 85 في المائة، وفق إحصاءات رسمية إسرائيلية.