الجزائر: رسائل مؤتمري الموالاة والمعارضة

01 ابريل 2016
ترفض المعارضة اللجوء للشارع (بشير رمزي/الأناضول)
+ الخط -
بين القاعة البيضاوية في العاصمة الجزائرية، التي احتضنت "تجمّع جبهة الجدار الوطني" المشكّلة من الأحزاب الموالية للسلطة، وقاعة زرالدة الصغيرة في ضواحي العاصمة، التي احتضنت مؤتمر أحزاب المعارضة، فارق في المساحة والحضور، وتباين في الأهداف والرؤية أيضاً.

كان الأمر بالنسبة للطرفين، بمثابة الدخول في مواجهة سياسية مفتوحة، ولم تكن الكفة متوازنة بينهما. الآلاف مّمن حضروا تجمّع أحزاب السلطة، قدّموا استعراضاً كرنفالياً، ما دفع قادة أحزاب الموالاة للاستلهام من هذا الحضور الفوضوي، والانخراط في فوضى الخطاب السياسي ولغة تكريس التخويف، عبر رفع شعار "الانتباه من مؤامرة تحاك ضد الجزائر".

وفي رسالة سياسية واحدة وجهتها أحزاب الموالاة، الداعمة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، من خلال تجمّع يوم الأربعاء، الضخم في العاصمة الجزائرية، فقد أظهرت قدرتها على التعبئة والحشد الشعبي، بقيادة حزب "جبهة التحرير الوطني"، مع تواجد أحزاب سياسية موالية.

وأثبتت تلك الأحزاب قدرتها على السيطرة على الشارع، بالقدر الذي يمنحها الشرعية الشعبية للتحكّم في الخيارات السياسية، التي تتوجّه إليها البلاد. وبغضّ النظر عن واقعية هذه الرسالة، فإن طبيعة النظام السياسي القائم في الجزائر، تؤكد أن السلطة الفعلية لا تستند إلى أحزاب الموالاة سوى كأجهزة دعاية، من دون أن يكون لها أي نظير ومشاركة فعلية في إدارة الحكم وصياغة القرارات الكبرى والتوجّهات السياسية في البلاد. ذلك لأن بوتفليقة ومحيطه السياسي، لا يأخذون بالحسبان مواقف هذه الأحزاب أو انخراطها في مشروع السلطة، وهو ما يفسّر التباين الكبير في المواقف المعبّر عنها من قبل أحزاب الموالاة في كثير من القضايا والملفات الراهنة.

في الجانب الآخر، انتهى مؤتمر المعارضة الذي شارك فيه حزب "طلائع الحريات"، بقيادة رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، وحزب "فجر جديد"، فضلاً عن أحزاب تنتمي إلى التيار الإسلامي، كحركة "مجتمع السلم" (اخوان الجزائر)، كبرى الأحزاب الإسلامية في الجزائر، و"جبهة العدالة والتنمية"، و"جبهة التغيير"، و"حركة النهضة"، و"حركة البناء الوطني"، بالإضافة إلى أحزاب تقدمية كـ"جبهة القوى الاشتراكية"، وحزب "جيل جديد"، وحزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، و"اتحاد القوى الديمقراطية"، و"الاتحاد الديمقراطي" وحزب "الوطنيين الأحرار" و"الاتحاد من أجل الرقي"، وحزب "نداء الوطن".



وانتهى كل ذلك إلى إقرار "وثيقة الإعلان السياسي"، التي تمّ توجيه رسالتين فيها للسلطة، مفادهما: إصرار قوى المعارضة على التمسك بمشروع التغيير السلمي، وتجهيز عملية الانتقال الديمقراطي في الجزائر. لكن المعارضة هددت جدياً بمقاطعة الاستحقاقات السياسية والانتخابية المقبلة، في صورة الانتخابات البلدية والبرلمانية المقررة منتصف العام المقبل، ما لم تبادر السلطة إلى تشكيل هيئة مستقلة دائمة للإشراف وتنظيم الانتخابات وتعديل قانون الانتخابات بضمانات قانونية وإدارية واضحة وممكنة.

كما هددت المعارضة بـ"استخدام آليات نضالية بديلة"، حسبما جاء في الوثيقة، التي ذكرت أن "قوى المعارضة لن تكتفي فقط بالمعاينة والتنديد بما هو حاصل، بل هي عازمة على المساهمة في إحداث التغيير المنشود على أرض الواقع، من خلال مسار سياسي واقتصادي توافقي، يجتمع عليه كل مكونات الطبقة السياسية والمجتمعية".

وشاركت في المؤتمر شخصيات سياسية مستقلة وحقوقية وإعلامية، كرئيسي الحكومة الأسبقين مولود حمروش وأحمد بن بيتور، ووزير الاتصال السابق عبد العزيز رحابي، وعلي يحيى عبد النور، ومصطفى بوشاشي، وسعد بوعقبة، وأرزقي فراد، فضلاً عن هيئات نقابية ومدنية وممثلين عن فعاليات مجتمعية متعددة، وعدد من قيادات "الجبهة الاسلامية للإنقاذ" المحظور نشاطها السياسي منذ 12 مارس/آذار 1992، أبرزها كمال قمازي وعلي جدي.

وبقدر تهديد المعارضة للسلطة فانها فضلت أن تبقي على خط اتصال مفتوح مع السلطة، عبر دعوتها لـ"التجاوب العاجل مع مطالب الطبقة السياسية الممثلة لمختلف أطياف الشعب الجزائري، المعبّر عنها في هذا الإعلان السياسي، وعدم هدر الوقت وتفويت الفرصة التي تقترحها المعارضة لمعالجة كل المخاطر التي تهدد حاضر ومستقبل البلاد".

وطالبت المعارضة بـ"فتح حوار سياسي وطني شامل وجدي، يتفاوض ويتحاور فيه الجميع على مراحل، لمناقشة سبل إخراج الجزائر من المأزق السياسي والاقتصادي والاجتماعي الحالي، وتمدين النظام السياسي بإبعاد المؤسسة العسكرية والأمنية عن التجاذبات السياسية".

اللافت أيضاً في رسائل المعارضة، أن "تركيزها موجّه إلى السلطة والقوى السياسية والمدنية، أكثر مما هو موجه باتجاه الرأي العام، يؤشر ذلك على اقتناع لدى قوى المعارضة باستقالة الرأي العام من الفعل السياسي، ما يدفعها إلى عدم التعويل عليه للضغط على السلطة باتجاه إحداث انفراج في الأفق السياسي".

كما أن في رسائل المعارضة توجّهاً بعدم "تعويلها ضمن أدوات التغيير الذي تسعى إليه، على الشارع"، كون ترسبات الأزمة الأمنية العنيفة التي شهدتها الجزائر في العشرية السوداء (1992 ـ 2001) لا تزال مستمرة، والتي تركت شرخاً اجتماعياً عميقاً في البلاد، فضلاً عن انتشار مخاوف جدية من أن يؤدي ذلك إلى زعزعة الاستقرار بالتزامن مع وضع إقليمي متوتر".

لا يبدو أن الجدل السياسي بين السلطة والمعارضة في الجزائر، سينتهي قريباً، فالسلطة تشيح بوجهها عن المعارضة ومطالبها السياسية، والمعارضة، التي نجحت في تجاوز خلافاتها واختلافاتها السياسي والأيديولوجية، تبدو أكثر تمسّكاً بمسعى التغيير الديمقراطي، وأكثر اقتناعاً بأن البلد أهدر كل مكاسب الديمقراطية التي تحققت، بعد انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 1988.