المعارك على أبواب الموصل... والموت يهدد المدنيين

25 مارس 2016
نجحت القوات العراقية بتحرير بلدات قرب الموصل(معاذ الدليمي/فرانس برس)
+ الخط -


تدلّ كل المعطيات على اقتراب معركة تحرير الموصل من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، مع إطلاق القوات العراقية مدعومة بقوات العشائر وطيران التحالف الدولي، أمس الخميس، "عملية الفتح"، أولى الحملات لتحرير مناطق محافظة نينوى ومركزها مدينة الموصل، لتنجح هذه القوات في تحرير عدة قرى جنوبي الموصل بشكل سريع.

جاءت هذه العمليات بعد أيام من اشتعال جبهات القتال العراقية في المحورين الشمالي والغربي، فيما تكدست جثث عشرات المدنيين في مستشفيات الموصل والأنبار جراء الغارات الجوية لقوات التحالف الدولي والطيران العراقي، وسط إهمال ملحوظ لتصاعد الخسائر في صفوف المدنيين، علّله الكثيرون بالأزمة السياسية في بغداد التي احتلت الصدارة في المشهد العراقي، إضافة إلى تزامنها مع أحداث عالمية شغلت الإعلام كهجمات تركيا وبروكسل.

ومع احتدام المعارك، رفعت واشنطن عديد قواتها في العراق إلى أكثر من 8 آلاف عسكري، من بينهم نحو ألفي جندي يتبعون لوحدات مشاة البحرية "المارينز"، كما تؤكد مصادر عسكرية رفيعة في وزارة الدفاع العراقية لـ"العربي الجديد"، مشيرة إلى أن الأزمة السياسية ساعدت واشنطن في تحريك قوات لها في الكويت إلى العراق غالبيتها قتالية.

معركة الموصل

وأعلنت قيادة العمليات المشتركة، التابعة لوزارة الدفاع العراقية، أمس الخميس، بدء المرحلة الأولى من عملية "الفتح" لتحرير محافظة نينوى من ثلاثة محاور. وأوضحت في بيان، أن "القوات ماضية باتجاه الأهداف المخطط لها ضمن الصفحة الأولى لتحرير نينوى"، مشيرة إلى "تحرير قرى النصر وكرمندي وكذيلة وخربردان، ورفع العلم العراقي فوقها". وأعلنت أن "هناك تحضيرات تجري لمعارك جديدة لتطهير المناطق كافة". فيما تكشف مصادر عراقية عسكرية لـ"العربي الجديد"، أن القوات العراقية دخلت عدة قرى من دون قتال، إذ انسحب "داعش" منها كونها مناطق زراعية تكون فيها قواته مكشوفة ويسهل استهدافها بالطيران. ووفقاً للمصادر، فإن الطيران الأميركي والمدفعي التابع لـ"المارينز" قصف تلك المناطق لعدة ساعات قبل دخول القوات العراقية المشتركة إليها.

ويبدي النائب عن محافظة نينوى عبد الرحيم الشمّري، تفاؤلاً كبيراً "بحسم معركة الموصل وتحرير المحافظة وانتشال أهلها من سيطرة داعش"، لافتاً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المعلومات الاستخبارية التي استندت إليها القوات المهاجمة كانت فعّالة ومهمة جداً بتحديد مسار الهجوم". ويشدد على أن "بدايات الهجوم تؤشر إلى قدرة كبيرة للقوات العراقيّة والعشائريّة على تحرير المحافظة من دون الحاجة الى أي تدخّل من قبل الحشد الشعبي أو أية جهة أخرى".

ويوضح المقدّم صلاح خالد، من الفرقة 15 في الجيش العراقي المتواجدة في بلدة مخمور، لـ"العربي الجديد"، أنّ "القوات العراقيّة والعشائريّة تحرّكت لتحرير القرى الجنوبية للموصل وبإسناد من طيران التحالف الدولي". ويشير إلى أن "القوات العراقيّة باغتت داعش، وخاضت اشتباكات عنيفة معه جنوبي الموصل"، لافتاً إلى أن "التنسيق العالي بين القوات العراقيّة والعشائريّة وطيران التحالف منح القوات المهاجمة قوة في التحرّك وفق الخطة المرسومة"، ومؤكداً أن "قوات المارينز لم تشارك في الهجوم".

من جهته، يعلن القيادي العشائري محمد الشمّري، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الهجوم ليس انطلاق معركة تحرير الموصل، بل هو تمهيد للمعركة وتحرير القرى التي يقصف من خلالها داعش القوات العراقية المتواجدة في مخمور". ويوضح الشمّري أنّ "الأوامر صدرت بتحرير القرى الجنوبيّة فقط، وهي القرى التي يهاجم داعش من خلالها الجيش والقاعدة الأميركية في مخمور ويقصفها"، مبيّناً أنّ "المعركة ستتوقف بعد تحرير تلك القرى، ومن ثم توضع خطة لتحرير المحافظة بشكل كامل". ويؤكد "عدم مشاركة مليشيات الحشد الشعبي في المعركة".

اقرأ أيضاً: وزارة الدفاع الأميركية تعد استراتيجية جديدة لقتال "داعش"

هذه العملية سبقتها ثلاث هجمات انتحارية وصاروخية لتنظيم "داعش" خلال الأيام الخمسة الماضية، استهدفت معسكراً للجيش العراقي وآخر مشترك للجيش الأميركي وقوات البشمركة في مخمور ومكحول، أدت إلى سقوط قتلى وجرحى، بينهم أميركيون، وهو ما أكده البنتاغون في بيان له الإثنين الماضي. ورد الجيش الأميركي على الهجمات بسلسلة غارات عنيفة استهدفت مواقع التنظيم في قرية كارة والسحل، قبل أن تمتد تلك الغارات إلى قلب الموصل، مخلّفة نحو 300 قتيل وجريح من المدنيين، كما يكشف معاون مدير مستشفى الموصل أحمد الحمداني، في اتصال مع "العربي الجديد"، مشيراً إلى أن "الغارات الأميركية التي طاولت المجموعة الثقافية وموقع رئاسة الجامعة خلّفت 102 قتيل و203 جرحى في الأيام الماضية، غالبيتهم من النساء والأطفال، من أسر أساتذة جامعة الموصل، كان من بينهم عميد كلية الحاسبات ظافر رمضان وزوجته وأطفاله"، لافتاً إلى أن القوات الأميركية باتت تقصف الموصل وبشدة بعد كل هجوم صاروخي أو انتحاري يستهدف الحشود العسكرية المرابطة حول الموصل.

وحول ذلك، يقول العقيد الركن يوسف عبد السميع الجبوري، لـ"العربي الجديد"، إن "تنظيم داعش هو من بدأ بمهاجمة قواتنا مستخدماً الصواريخ والانتحاريين الذين عادة ما يصلون مواقع القوات المشتركة (الجيش العراقي والأميركي والبشمركة ومقاتلي الموصل) بواسطة عربات عسكرية مدرعة حصل عليها التنظيم من معاركه مع الجيش العراقي". الجبوري، العامل في قوات تحرير الموصل، وهي قوات من أهالي الموصل تطوعت لقتال "داعش" عقب احتلاله المدينة، يلفت إلى "أننا سجّلنا عدة اشتباكات خلال الأيام الماضية، والجيش الأميركي اشتبك في أحدها مع عناصر من داعش يرتدون أحزمة ناسفة قرب معسكر في مخمور فجر الثلاثاء"، مؤكداً أن كل الاشتباكات بدأت بعد هجوم للتنظيم.

من جهته، يقول الزعيم القبلي المتحالف مع الجيش العراقي في قتال "داعش"، الشيخ إبراهيم حسن الشمري، إن التنظيم هو من بادر بالمعركة عندما هاجم حشوداً للقوات المشتركة كانت في طور التجمع. ويوضح الشمري في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المناوشات بدأت بين داعش والقوات المشتركة منذ فجر الإثنين، مؤكداً سقوط ضحايا مدنيين بغارات أميركية على الموصل جاءت كرد على مقتل جندي أميركي وإصابة خمسة آخرين أحدهم بحالة حرجة جرى نقله إلى الولايات المتحدة. وحول خارطة النار التي تلف الموصل، يشير الشمري إلى أن أقرب مكان للتماس بين الطرفين هو على بُعد 20 كيلومتراً عن مركز الموصل، والتنظيم ينشر أطناناً من القنابل والألغام حول المدينة، مرجّحاً وجود نحو عشرة آلاف مقاتل من التنظيم في الموصل غالبيتهم من العراقيين.

أما عن الخسائر في صفوف المدنيين المتزايدة في الموصل والفلوجة، فيقول النائب عن تحالف "القوى العراقية"، محمد الكربولي، وهو عضو في لجنة الأمن البرلمانيّة، إنّ "المشكلة في قصف أهداف داعش في الموصل وغير الموصل تكمن في أنّ التنظيم يتحصّن بين المدنيين، الأمر الذي يتسبب في سقوط قتلى من المدنيين خلال عمليات القصف التي ينفذها طيران التحالف الدولي". ويؤكد في حديث لـ"العربي الجديد"، "تكرار المطالبة من التحالف الدولي بأن يكون أكثر دقة في تنفيذ القصف"، لافتاً إلى أن "التحالف وعدنا بالحرص أكثر في تنفيذ العمليات، على الرغم من صعوبة الأهداف التي تنفّذ في الموصل بشكل خاص، والتي تضم ملايين المدنيين".

أما عن رفع عديد القوات الأميركية في العراق، فيقول القيادي في "التحالف الوطني" الحاكم للبلاد، ضياء الأسدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "مسألة زيادة عديد القوات الأميركية في العراق تحتاج إلى جواب من الحكومة العراقية"، لافتاً إلى أن الموقف الرسمي لحكومة حيدر العبادي حتى الآن "غير معلن ولا نعرف إذا كانت القوات الأميركية الإضافية دخلت بطلب العبادي أم غير ذلك"، مضيفاً: "إذا دخلت بطلب منه، سنواجه الحكومة في البرلمان، أما إذا كانت من دون علم الحكومة، فتعاملنا سيكون مختلفاً"، مبيناً أنه "سيتم التعامل معها كقوات احتلال"، مستدركاً: "من قال لهم أن يأتوا للعراق! لذا هو احتلال بشكل أو ذريعة أخرى".

الأنبار... معارك استنزاف

إذا كانت القوات الأميركية تمثّل الورقة الرابحة للقوات المحيطة في الموصل، فإن العشائر باتت السلاح الفعال في المعركة ضد "داعش" في الأنبار، مع سعي التنظيم لإنهاك خصومه عبر العمليات الانتحارية، التي احتل العراقيون فيها هذه المرة الصدارة مقارنة بالمقاتلين الآخرين الذين فجّروا أنفسهم بواسطة الأحزمة الناسفة أو العربات المفخخة.

وتمتد المعارك منذ 19 مارس/ آذار الحالي على طول مجرى نهر الفرات، لكنها تبدو أوضح في المناطق المحصورة بين مدينة كبيسة وصولاً إلى الفلوجة، وتشمل ست مدن رئيسية، وسط خسائر فادحة لكلا الطرفين، وفقاً لما يكشف عنه ضابط في الجيش العراقي. ويقول مقدّم من الفرقة الثامنة بالجيش، لـ"العربي الجديد"، إن "المعارك تحوّلت لاستنزاف غير مسبوق، فتنظيم داعش يعتمد على أسلوب اضرب واهرب، وهو يكلّف قواتنا الكثير من الجنود والمعدات، في الوقت الذي يجتهد فيه الجيش والعشائر في دفع التنظيم إلى خارج المدن بغية إيصاله إلى المناطق الصحراوية والزراعية كي يسهل على الطيران استهدافه، والتقليل من الخسائر المادية في البنى التحتية والأملاك الخاصة بالمواطنين في المدن". ويشير إلى أن "خسائر الجيش بلغت خلال أسبوع واحد أكثر من 200 قتيل وجريح، وأكثر من هذا العدد لعناصر داعش، وقد يصل إلى 300 مسلح بينهم مقاتلون من جنسيات عربية وأجنبية".

من جهته، يقول رئيس مجلس محافظة الأنبار، صباح الكرحوت، لـ"العربي الجديد"، إن "المعارك الحالية في الأنبار دخلت مرحلة اللاعودة، ومصير الجميع يتوقف عليها"، معتبراً أن "لا خيار أمام القوات العراقية سوى تحقيق النصر مهما كلّف الأمر، فيما داعش يحاول الصمود، وهو في مناطق كثيرة في وضع دفاعي".

اقرأ أيضاً: العراق: قصف مدفعي أميركي على مواقع "داعش" بالموصل

المساهمون