عام على بدء اجتياح عدن...حرب استنزاف مهّدت لهزائم المليشيات

21 مارس 2016
هزمت القوات المؤيدة للشرعية المليشيات في عدن(صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
قبل عام من اليوم، في 21 مارس/ آذار 2015، أعلنت "اللجنة الثورية العليا" التابعة للحوثيين "التعبئة العامة" للحرب واضعة مدينة عدن كهدف جديد لحربها التوسعية باتجاه المحافظات اليمنية، بعدما كان الرئيس عبدربه منصور هادي قد انتقل إليها وأعلنها عاصمة مؤقتة للبلاد.

تمكن تحالف الانقلاب من اجتياح عدن في وقت قصير، وخصوصاً بعد استفادة الحوثيين من القوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، لكن سرعان ما تحول التوسع باتجاه عدن إلى المستنقع الذي غرقت فيه المليشيات، لتدور تباعاً حرب هي الأعنف بين المليشيات من جهة والمقاومة الشعبية وقوات الجيش الموالية للشرعية من جهة ثانية وخصوصاً بعد انطلاق عاصفة الحزم، لتصل الحرب إلى 17 محافظة يمنية ولا يزال بعض هذه الجبهات مستمراً إلى اليوم. أما في عدن فاستمرت المعارك فيها حتى الـ17 من يوليو/تموز الماضي، تاريخ إعلان تحريرها من الحوثيين والموالين للرئيس المخلوع. وهو التاريخ نفسه الذي أسس لسلسلة تحولات عسكرية انعكست هزائم متتالية في صفوف تحالف الانقلاب وخسارته للمحافظة تلو الأخرى. كذلك مهد تحرير المدينة لتحولات سياسية إن لجهة عودة الشرعية تباعاً إلى المدينة أو لجهة منح الحراك الجنوبي، والذي أدى أنصاره دوراً حاسماً في المعارك، أدواراً سياسية وأمنية غير مسبوقة في المحافظة.

اقرأ أيضاً: اليمن.. اختراق جبهة الحرب

حيثيات سبقت الاجتياح

اعتباراً من الـ21 من فبراير/شباط 2015، تمكن الرئيس الشرعي هادي من كسر الإقامة الجبرية المفروضة عليه في صنعاء وغادر إلى عدن، ومنها أعلن العدول عن الاستقالة، واتخذها "عاصمة مؤقتة" نظراً لسيطرة المليشيات على صنعاء. وابتداء من الثالث من مارس/ آذار بدأ التوتر في عدن بين القوات الموالية للرئيس المخلوع وبين القوات الموالية للشرعية، إذ أصدر هادي قراراً بتغيير العميد عبدالحافظ السقاف، قائد قوات الأمن الخاصة، أكبر قوة أمنية في عدن، إلا أن الأخير رفض الانصياع للقرار، والتزم بالتوجيهات المركزية الصادرة من الانقلابيين في صنعاء.
في السابع من الشهر نفسه تمكن وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي، من مغادرة صنعاء بطريقة "الإفلات" من الانقلابيين بعدما كانت "اللجنة الثورية" للحوثيين عينته رئيساً للجنة الأمنية العليا. غادر الصبيحي إلى مسقط رأسه في محافظة لحج قبل أن يلتحق بهادي في عدن، بالتزامن مع التصعيد والتوتر الذي تشهده المدينة بين القوات الموالية للرئيس هادي وبين قوات الأمن الخاصة المتمردة على قراره.
في العاشر من مارس/ آذار ألقى الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح خطاباً أمام حشد من أنصاره، وصدرت عنه تصريحات اعتبرها مراقبون تمهيداً للحرب، إذ ألمح باتهامات للرئيس هادي وفريقه بالسعي للانفصال، وقارنه بشركائه الذين حاربهم في صيف 1994 عندما أعاد فرض الوحدة بالقوة عقب إعلان الجنوب فك ارتباطه بالشمال، معتبراً أنه "ليس هناك من منفذ لمن يهرولن من أجل الانفصال الا الانتقال إلى جيبوتي".
وفي الـ19 من الشهر نفسه، تمكنت قوات موالية للرئيس هادي من السيطرة على معسكر قوات الأمن الخاصة، والتي تمردت على قرار الرئيس هادي بتغييرها، وفي اليوم ذاته حرّك الحوثيون وصالح القوات الجوية لأول مرة واستهدفوا القصر الرئاسي الذي يقيم فيه الرئيس بمنطقة "معاشيق" في عدن، ودفعوا بتعزيزات إلى تعز للتوجه إلى عدن، وفي الـ20 شهدت صنعاء تفجيرات هي الأكثر دموية تبناها "داعش" داخل مسجدين يقيم عليهما موالون للحوثيين سقط فيها أكثر من 150 قتيلاً، وخرج زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، عقب التفجيرات بخطاب حمل هجوماً شديداً على خصومه وصدر عنه ما يؤيّد الحرب.
في الـ21 من مارس/ آذار، وجه الرئيس هادي من عدن خطاباً متلفزاً هو الأول بعد انتقاله إلى المدينة، شنّ فيه هجوماً على الحوثيين ووعد بـ"رفع العلم اليمني في منطقة مران، معقل قادة الحوثيين في محافظة صعدة بدلاً من العلم الإيراني"، في إشارة إلى ولاءات الحوثيين لطهران.
من جهتها، أعلنت اللجنة الثورية العليا التي تمثل السلطة العليا بموجب "الإعلان الانقلابي" للجماعة، الدعوة إلى "التعبئة العامة"، ووجهت "المؤسستين الأمنية والعسكرية بالقيام بواجباتهما في التصدي لما وصفتها بـ"الحرب القذرة".
عقب إعلان ثورية الحوثيين "التعبئة العامة"، بدأت مجاميع من مسلحي الجماعة وقوات موالية لصالح بالتحرك من تعز باتجاه عدن، بعدما تعرض معسكر قوات الأمن في عدن ومراكز أمنية في مدينة الحوطة، مركز محافظة لحج، للاقتحام، حيث دخل الحوثيون وقوات موالية لهم بلدة كرش؛ أول منطقة تابعة لمحافظة لحج، بعد يومين.
في الـ24 من مارس/ آذار، وجه هادي رسالة إلى قادة مجلس التعاون الخليجي أشار فيها إلى تصعيد الحوثيين وأنهم بدأوا التحرك باتجاه لحج وعدن. وخاطب قادة دول المجلس قائلاً: "أطلب منكم استناداً إلى مبدأ الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، واستناداً إلى ميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك، تقديم المساندة الفورية بكافة الوسائل والتدابير اللازمة، بما في ذلك التدخل العسكري لحماية اليمن وشعبه من العدوان الحوثي المستمر وردع الهجوم المتوقع حدوثه في أي ساعة على مدينة عدن وبقية مناطق الجنوب، ومساعدة اليمن في مواجهة القاعدة وداعش".
خلال يومي 24 و25 تمكن الحوثيون عملياً من دخول محافظة لحج والسيطرة على قاعدة العند الجوية، أكبر القواعد العسكرية شمالي البلاد، وذلك بتساهل من القوات العسكرية المرابطة في تلك المناطق، والتي كان أغلبها يدين بالولاء للرئيس المخلوع، الأمر الذي ظهر مع بدء العمليات الجوية حيث سلمت أغلب المعسكرات في المحافظات الجنوبية، وتمكن الحوثيون من اعتقال وزير الدفاع، اللواء محمود الصبيحي، ورئيس جهاز الأمن السياسي (الاستخبارات) في عدن ومحيطها، اللواء ناصر منصور هادي (شقيق الرئيس)، بالإضافة إلى قائد اللواء 115 الموالي للشرعية العميد فيصل رجب.
ومع وصول الحوثيين وحلفائهم إلى مشارف عدن، غادر الرئيس هادي المدينة براً في الـ25 من مارس/ آذار، حيث توجه بحسب مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" شرقاً عبر محافظة أبين مروراً بشبوة ثم محافظة حضرموت والمهرة وحتى حدود سلطنة عُمان، ومنها توجه إلى السعودية، وحسب المصادر فقد تعرض الرئيس لمحاولات استهداف أثناء طريقه من عدن حتى المهرة.

اقرأ أيضاً: وثائق "القاعدة"... "حرب باردة" مع إيران واليمن حلم مؤجل

"عاصفة الحزم"

فجر الـ26 من مارس/ آذار، أصدرت دول مجلس التعاون، ما عدا سلطنة عُمان، بياناً، تضمن نص رسالة هادي، وعدّد أعمال الحوثيين التي تهدد اليمن والمنطقة، مشيراً إلى أن الاعتداءات طاولت السعودية، وختم أنه بناء على ما ذكر في البيان "قررت دولنا الاستجابة لطلب الرئيس عبد ربه منصور هادي لحماية اليمن وشعبه العزيز من عدوان المليشيات الحوثية التي كانت ولا تزال أداة في يد قوى خارجية لم تكف عن العبث بأمن واستقرار اليمن".
بالتزامن مع صدور البيان بدأت أولى ضربات التحالف، بغارة مفاجئة استهدفت قاعدة الديلمي الجوية، المقر الرئيسي للقوات الجوية، والذي سيطر عليه الحوثيون شمال صنعاء، ومنه انطلقت المقاتلات الحربية لقصف القصر الرئاسي الذي يقيم فيه الرئيس هادي بعدن. وخلال ساعة من بدء العمليات، تمكن التحالف من تعطيل القوات الجوية التي يسيطر عليها الحوثيون بشكل كامل، وسيطر على الأجواء اليمنية والمنافذ البحرية.

في عدن، تواصلت الحرب بعد مغادرة الرئيس وأغلب مسؤولي الحكومة، حيث حاول الحوثيون والموالون لهم إكمال السيطرة على المدينة، وواجهوا على الأرض قوات من الموالية للرئيس هادي وما كان يعرف بـ"اللجان الشعبية" التي تأسست بدعم من الحكومة، بالإضافة إلى ضربات جوية مكثفة.
تعرضت عدن لدمار وأضرار واسعة، إذ تحولت إلى منطقة تحدٍ بين الحوثيين وصالح وبين التحالف بقيادة السعودية. وحسب الأرقام شبه الرسمية التي اطلعت عليها "العربي الجديد" فقد سقط أكثر من ألف قتيل ونحو 9 آلاف جريح من المدنيين خلال الحرب منذ بدء اجتياحها من الحوثيين وحتى خروجهم منها في 17 يوليو/تموز، فيما بلغ عدد المساكن المتضررة بحسب التصريحات المنسوبة إلى لجنة خاصة بالحصر، نحو 10 آلاف مسكن.

قوى معارك عدن

في مقابل الحوثيين والقوات المتحالفة معهم الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، تكونت جبهة الشرعية من عسكريين وأمنيين أيدوا الشرعية، ومقاتلين محليين غير نظاميين عُرفوا بعدها بـ"المقاومة الشعبية"، والتي تألفت من محسوبين على "الحراك الجنوبي"، وحزب التجمع اليمني للإصلاح (الذراع السياسي للإخوان المسلمين)، بالإضافة إلى تيارات سلفية ساهمت بفعالية في معركة التحرير.
وعلى مستوى التحالف، شاركت الإمارات في تولي ملف عدن، إذ ابتداء من يونيو/حزيران دخلت قوات محدودة من التحالف أغلبها إماراتية إلى المدينة، وفي يوليو/ تموز بدأت معركة التحرير لتنتهي بإعلان الحكومة عدن مدينة محررة في الـ17 من الشهر نفسه. وتقول مصادر غير رسمية إن الحوثيين وحلفاءهم خسروا الآلاف من مقاتليهم خلال المعارك، قضى أغلبهم بالغارات الجوية، والتي كانت تستهدف مختلف مواقعهم وتحركاتهم بعدن ومحيطها.

تحديات ما بعد التحرير

وعلى الرغم من إنجاز ملف التحرير من مليشيات تحالف الانقلاب، إلا أنّ عدن لا تزال إلى اليوم تواجه تداعياته ليس فقط بسبب الدمار الهائل الذي لحق بالمدينة بل بسبب محاولات أطراف عدة الإبقاء على المدينة غارقة في فوضى أمنية، وخصوصاً من قبل الجماعات المتشددة التي استهدفت مراراً قيادات المحافظة الأمنية. وبعد اغتيال محافظ عدن السابق، جعفر محمد سعد، في السادس من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، في اعتداء تبناه يومها تنظيم "داعش"، اختار الرئيس اليمني القياديين البارزين في الحراك الجنوبي والمقاومة الشعبية، عيدروس الزبيدي وشلال علي شائع لتولي إدارة المحافظة. وبينما عين الزبيدي محافظاً خلفاً لسعد أنيطت بشائع مهمة مدير أمن المحافظة، لكن منذ ذلك التاريخ يواجه الرجلان تحديات عدة جعلتهما يتعرضان لأكثر من محاولة اغتيال، في الوقت الذي لا تزال جهودهما لإنهاء الفوضى الأمنية في المحافظة ووقف تمدد التنظيمات المتشددة فيها سواء "داعش" أو تنظيم القاعدة، تواجه بعقبات عدة، وهو ما جعل كثيرين يعتبرون أن عدن بعد التحرير من مليشيات الحوثيين وصالح تحتاج إلى تحرير ثانٍ من الفوضى والجماعات المتشددة.

اقرأ أيضاً بلد الـ 20 مليون فقير:اليمنيون يعانون كل أشكال الحرمان

المساهمون