"الشيعة العرب" بمؤتمر "المركز العربي للأبحاث": تجاوز الطائفية بالمواطنة

02 مارس 2016
بشارة: العضوية بالدولة على أساس حقوقي هي المواطنة(العربي الجديد)
+ الخط -


نظّم "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في العاصمة القطرية الدوحة، مؤتمراً علمياً، استمر ثلاثة أيام بين 27 و29 فبراير/ شباط الماضي، بعنوان "الشيعة العرب: المواطنة والهوية العربية"، وشارك فيه نخبة من الباحثين المتخصصين، وعكست أوراقه (بلغ عددها نحو 35 ورقة) الرؤية التي وضعها المركز في تناول الموضوع، من خلال مؤتمر أكاديمي علمي، خضعت أوراقه لتحكيم علمي دقيق. وحين تعلق الموضوع بالطائفية، التزمت الأوراق نقد الطائفية بمنهجٍ علمي، بتفكيك أساطيرها المكوّنة، وفضح دورها السياسي، والمصالح التي تحرّكها. كما أكّد المؤتمر على عروبة الشيعة العرب التي يمكن أن تمثل عاملاً رئيساً في تجاوز التوتر الطائفي، إضافة إلى التأكيد على ضرورة ترسيخ مفهوم "المواطنة" ضامناً للتماسك في المجتمعات العربية المتعددة الطوائف.

أكد مدير "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، عزمي بشارة، في ورقة قدمها في افتتاح المؤتمر، أن مصطلح "الشيعة العرب" مثله مثل "السنّة العرب" لا يشير إلى جماعة محليّة يقابل الإنسان أعضاءها مباشرة في حياته الخاصة، بل إنها جماعةٌ متخيلة، يساهم في صنعها تزامن الطقس الديني في مناطق مختلفة من الوطن العربي، وتساهم وسائل الاتصال والإعلام في تبيان هذا التزامن.

ناقش بشارة فشل المشروع القومي العربي، كما الدولة الوطنية لما بعد الاستقلال، في تجاوز الانقسامات الطائفية وتأسيس المواطنة، مشدداً على أن المسؤول هو أدلجة العروبة من جهة، والتخلي عنها من أجل السلطة من جهة أخرى، ولا سيما حين استعانت الأنظمة الحاكمة بالولاءات الجهويّة والعشائريّة في إحكام القبضة على جهاز الدولة، وخصوصاً جهاز الأمن، فاعتمدت على ولاءات "ما دون الدولة"، وهي تهتف لولاء عربي "فوق الدولة".

شدّد بشارة على أن هذا النكوص إلى الولاءات العشائرية والجهوية سمح للمتضرّرين الكثر من النظام بتفسيره طائفيّة مقنعة حزبياً، متدثّرة بالقوميّة، كما في حالة النظر إلى النظام السوري كنظام علوي، وإلى النظام العراقي السابق كنظام سني. في هذه الحالة، صيغت المظلومية بلغةٍ طائفيةٍ، مع أن الظلم صيغ بلغة قومية.

في السياق، ذكّر بشارة بأن أيَّ بلد عربي لم تحكمه يوماً الأقليةُ المؤلفة من أتباع مذهبٍ بعينه، كما لم تحكمه الأغلبية من أتباع مذهب آخر، في حين شقت الصراعات المجتمع الوطني عمودياً، متخذة شكل انقسام طائفي. تابع قائلاً إن قيادات سياسية تنافست فيما بينها على أساس التحشيد خلف الهوية الطائفية، وعرّفتها عابرةً للمكان على طول الوطن وعرضه، وعابرةً للزمان، بمعنى أن لها تاريخاً متصلاً، وهو غالباً تاريخ من المظلومية. وهكذا جرى اختراع كيانٍ هو الطائفة على المستوى الوطني، وعلى مستوى التاريخ، وجرت إزاحة الانتماء من الطائفية المحلية، ذات التاريخ المحلي المرتبط بالناحية، إلى الطائفية كجماعةً متخيلة، عابرة للزمان والمكان، وكأنها تشكل أمة بديلة، على حد تعبيره.

اقرأ أيضاً: خيارات تركيا الصعبة في الشمال السوري

ختم حديثه بالتشديد على أن أي عروبة مستقبلية، يمكن تخيّلها جامعاً بين السنة والشيعة لن تكون بديلاً عن المواطنة، ولا هي أساس المواطنة. العضوية في الدولة على أساس حقوقي، وليس العضوية في الجماعة، هي المواطنة الممكنة في دول متعددة الانتماءات والهويات والثقافات. لكن العروبة رابط ثقافي تاريخي، يجمع الأغلبية، ولا يمكن تجاهله. وقد لاحظنا، أخيراً، قوته في نشر الأمل من دولة عربية إلى أخرى في عام 2011 والتداول السريع لمصطلح: "الربيع العربي". كما شهدنا انتشار الإحباط من دولة عربية إلى أخرى في العام 2013. إنه رابط قائم لا فائدة ترجى من إنكاره، بل وتنجم أضرار ملموسة عن مثل هذا الإنكار... ولكن التجربة تثبت أن الرابط العربي هذا يفقد كثيراً من فاعليته، في حالة الظلم والاستبداد، فهو يعجز حين يجري تهميش جماعات كاملة في الدولة. ويصعب تفعيل العروبة كمشترك عابر للطوائف في ظل الدولة القائمة، من دون ترسيخ المواطنة فكرةً وممارسة.

مسارات تاريخية
أخذ البحث في جذور التشكل الطائفي لـ"الشيعة العرب" حيزاً من بعض جلسات المؤتمر، ومنها الأولى التي بحثت "المسألة الطائفية وعتبات ولادة التشيّع العربي الحديث"، كما تناولت أوراق الأوجه التاريخية للتشيع في عدد من الأقطار العربية، ضمن جلسات أخرى خصصت تحديداً لمناقشة أعمق لموضوع الشيعة والطائفية في كل بلد على حدة. وركزت أغلب المساهمات التاريخية في الموضوع على بزوغ التشيع والتطييف في كنف الصراع العثماني الصفوي.

تطرق الباحث الطاهر بن يحيى في مداخلته: "تعدد الهويات النصية والأصول البعيدة للصراع السني الشيعي"، إلى وجاهة ما يردده كثيرون في أن جوهر الصراع الطائفي بين السنة والشيعة، يعود إلى أسباب سياسية، ولهذه الأسباب دورها في تحويل الصراع، من كونه مجرد صراع فكري أو أيديولوجي إلى أن يكون صراعاً مسلحاً. كما قدّم الباحث سيار الجميل في مداخلته بعنوان: "مؤتمر النجف عام 1156: الأسبقيات والتداعيات"، دراسة في أول حوار فكري بين التشيع الصفوي والمدافعين عن التشيع العربي، معرجاً على أهمية مؤتمر النجف، برعاية نادر شاه إيران، إثر فشله في حصار الموصل سنة 1743، وكان الصراع الطائفي بين الصفويين والعثمانيين أحد أسباب انعقاده. وعقد المؤتمر بحضور 70 عالماً من الدولة الصفوية، معهم عالم سني واحد.

التشيّع القطري والجماعة المتخيلة
كرّس عدد من جلسات المؤتمر التي بلغ مجموعها إحدى عشرة جلسة، لدراسة وتحليل دور الشيعة وممارساتهم السياسية في بعض أبرز الأقطار العربية المتعددة الطوائف. كما خصصت جلسات لمناقشة شيعة العراق وأدوارهم وتحولاتهم، عبر المراحل التاريخية المختلفة التي مر بها العراق، وعلاقاتهم بالنزعة التوسعية الإيرانية التي تتخذ المذهب الشيعي والتشييع أداة رئيسة في ذلك. ومن أوراق هذا المحور، للباحث عقيل عبّاس "التشيّع العراقي بين المعرفة الطهرانية والوطنية العراقية"، ولحارث حسن عن "الرابطة الشيعية فوق - الوطنية والدولة الوطنية في العراق" وورقة "شيعة العراق وضغط الهوية الدينية" لحيدر سعيد. كما ناقش الباحث مؤيد الونداوي "الدور الوطني والقومي للشيعة العرب في العراق 1945 ـ 1958"، إضافة إلى أوراق أخرى، حللّت واقع الشيعة في العراق، قدمها باحثون عراقيون، منهم أحمد علي العيساوي وعصام العامري. كما أفردت جلسة لتحليل وضع الشيعة في الحكم متخذة من العراق نموذجاً، وشملت أوراق: "الشيعة في الحكم: حالة العراق بعد 2003، من الإقصاء إلى الهيمنة" للباحث سليم فوزي زخّور، و"ملامح الخطاب والسياسات الشيعية في العراق منذ سقوط الموصل" للباحث رافد جبّوري، و"توظيف الطقوس الحسينية للمجال العام" للباحثة بشرى جميل الراوي.

بالإضافة إلى ذلك، خُصصت إحدى جلسات المؤتمر لمناقشة المسألة الشيعية في الخليج، قدم فيها الباحث بدر الإبراهيم ورقة "المسألة الشيعية في الخليج: سطوة البنى التقليدية والتسييس المذهبي"، وتشارك حسن عبد الله جوهر وحامد حافظ العبد الله في عرض بعنوان: "الشيعة والمشاركة السياسية في الكويت"، فيما ناقش عبد الله الشمري "العامل الشيعي في العلاقات السعودية - العراقية ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق". وفي سياق الجلسات التي خصصت لشيعة لبنان، قدم وجيه كوثراني ورقته: "من الشيعية العاملية إلى الشيعية السياسية وأحوالها في لبنان"، وحاضر رغيد الصلح عن "الشيعة في لبنان ونظام الديمقراطية التوافقية". وتناولت إحدى الجلسات مسألة الشيعة والتشييع في اليمن والمغرب العربي، مثلما ناقشت جلسة أخرى واقع الشيعة العرب داخل إيران.
وفي إطار المحاور التي حاولت مقاربة الشيعة العرب من المنظور التحليلي للأدوار والعلاقة مع السياسة والمجتمع، خصصت جلستان لموضوع "المؤسسة الدينية الشيعية العربية ودورها الاجتماعي والسياسي". وقدمت فيهما أوراق تناولت إشكالية المواطنة وعلمانية الدولة والدولة المدنية في المنظور الشيعي.

اقرأ أيضاً: الاستراتيجية الروسية في سورية: التفاوض في الميدان