ريف دمشق العصي على قوات الأسد...خارطة السيطرة لمصلحة المعارضة

08 فبراير 2016
تتواجد للمعارضة قوة عسكرية في الغوطة الشرقية (عمار البوشي/الأناضول)
+ الخط -
لم تشهد خارطة نفوذ السيطرة في ريف دمشق، منذ مطلع عام 2016، تغيراً كبيراً يُذكر، سوى أنه ومنذ الثلاثين من سبتمبر/أيلول، بدأت الغارات الروسية على مناطق سيطرة المعارضة السورية، خصوصاً وسط وشمال البلاد، ثم في ريف دمشق وجنوبها، وبدا أن النظام يعمل بوتيرة غير مسبوقة في تسارعها، لتأمين سيطرته على كامل الريف الدمشقي. وأخذت الهجمات تتوالى، عبر حملات عسكرية في بعض المناطق (جبهة المرج التي تفصل الغوطة إلى قسمَين)، وفرض هدنٍ وتسويات، تحت ضغط التجويع (مضايا والزبداني)، والتهديد بالتدمير الشامل في مناطق أخرى، مثل المعضمية، التي كانت المنطقة الأولى التي تشهد هدنة بين النظام السوري وفصائل المعارضة في عموم سورية، يوم 25 ديسمبر/كانون الأول 2013.

وعلى الرغم من كل تلك الحملات، لا تزال خارطة نفوذ السيطرة العسكرية في محافظة ريف دمشق، اليوم، موزّعة بين النظام والمعارضة، إذ تزيد مناطق نفوذ الأخيرة خصوصاً في الامتداد الحيوي لشرقي العاصمة. وتسيطر المعارضة على أجزاء واسعة في الغوطة الغربية. في المقابل، تتداخل مناطق السيطرة في الشمال والشمال الغربي، مع تفوّق النظام بإحكامه السيطرة على المناطق الأكثر أهمية، مثل الريف الشمالي الغربي، الذي يمرّ منه الأوتوستراد الدولي من دمشق نحو معبر جديدة يابوس ثم الأراضي اللبنانية، والتي باتت الرئة البرية الوحيدة، التي يحتفظ النظام بسيطرته على المعابر المشتركة معها، بعد خسارته المعابر البرية مع العراق والأردن وتركيا.

وفي مناطق الريف الشرقي والشمالي الشرقي، (الغوطة الشرقية)، تتواجد لفصائل المعارضة هناك قوة عسكرية كبيرة، أفشلت كل محاولات النظام للتقدم في تلك المناطق. وشكّلت عامل خطر، هو الأكبر من نوعه للنظام قرب دمشق، إذ شنّت هجمات ومعارك نوعية خاطفة، مكّنتها من تهديد معاقل استراتيجية للنظام. آخر تلك الهجمات كانت محاولة قوات النظام التقدم، أمس الأول الأحد، من مقرات اللواء 39، نحو تلّي كردي وصوان جنوب غربي عدرا شمال شرق العاصمة، وتصدّى لهم مقاتلو "جيش الإسلام"، ما أدى إلى مقتل نحو خمسين عنصراً من قوات النظام. وتحوي الغوطة الشرقية، اليوم، بالإضافة إلى "جيش الإسلام" (وهو القوة الأكبر)، مقاتلين يتبعون لحركة "أحرار الشام" الإسلامية، و"الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام"، و"فيلق الرحمن"، و"جبهة النصرة"، وهي أكثر مناطق المعارضة تحصيناً في عموم ريف دمشق.

وغير بعيدٍ عن تلك المنطقة، تقع بلدات وقرى القلمون بشقَّيه الشرقي (أوتوستراد دمشق ـ حمص) والغربي (غرب الأوتوستراد) المتاخم للحدود اللبنانية، التي لم يعد للمعارضة فيها ثقل عسكري بعد الحملات الكبرى لحزب الله والنظام السوري خلال عامَي 2014 و2015. وتقتصر المناطق الخارجة عن سيطرة النظام على بعض مناطق نفوذ "جبهة النصرة" في الجرود السورية قرب بلدة عرسال اللبنانية، التي تقع على سلسلة جبال لبنان الشرقية.

وفي أقصى جنوب الريف الشمالي، تسيطر مجموعات تتبع لـ"الجيش السوري الحر" على قرى وبلداتٍ في وادي بردى، أهمها عين الفيجة، التي تزوّد دمشق بمياه الشرب. كما تسيطر هذه القوى على بعض المناطق الأخرى هناك، لكن جبهاتها عموماً كامنة بفعل اتفاقيات فرضتها ضمناً عوامل الحصار والجغرافيا. ولا تخلو بعض مناطق وادي بردى من وجود أعدادٍ محدودة تُقدّر بالعشرات يتبعون لتنظيم "داعش"، والذي يملك أعداداً أكبر من مبايعيه في مناطق في القلمون الشرقي. واستطاعت المعارضة، عبر "جيش الإسلام" وفصائل أخرى تتبع لـ"الجيش الحر"،  تقليص نفوذها هناك، بعد معارك عدة خلال العام الماضي، إذ إن مقاتلي التنظيم في القلمون الشرقي، هدّدوا طريق إمدادات المعارضة في الغوطة.

أمّا الجهة المقابلة، التي تشكّل "الحزام الأخضر" لدمشق، وتعرف باسم الغوطة الغربية، فتعتبر متداخلة النفوذ، إذ تحتفظ المعارضة بالسيطرة فيها على داريا والمعضمية الملاصقة لها غرباً، وبعض المساحات الواقعة إلى الجنوب الغربي، مثل خان الشيح، وبعض الأراضي حولها (تنتشر مجموعات تتبع لأحرار الشام، وفصائل تتبع للجبهة الجنوبية وعدد قليل من مقاتلي جبهة النصرة). في حين يملك النظام ثكنات عسكرية هامة في المناطق ذاتها، مثل الفرقة العسكرية العاشرة في قطنا، ومقرات للفرقة الرابعة في محيط المعضمية، التي تقع داريا شرقها ومطار المزة العسكري غربها.

وتعدّ المناطق المحيطة بمركز العاصمة دمشق من جهاتها الأربع، الريف الوحيد في سورية الذي تم اعتباره إدارياً محافظة مستقلة. وفي حين تعتبر دمشق أصغر محافظات البلاد من حيث المساحة (مجموع أراضيها نحو1600 كيلومتر مربع)، تشكّل محافظة ريف دمشق عُشر مساحة سورية التي تزيد عن 185 ألف كيلومتر مربع.

اقرأ أيضاً الأمم المتحدة: النظام السوري متورط في إبادة جماعية للمعتقلين

وتتمتع كل واحدة من المحافظات السورية الأربع عشرة، بخصوصيتها الاستراتيجية التي تميزها عن غيرها، خصوصاً على الصعيدين الديمغرافي والاقتصادي. وتعتبر محافظة ريف دمشق بالغة الأهمية في هذا السياق، لكونها محافظة زراعية وصناعية في آنٍ معاً. وتشكل طوقاً عريضاً يحيط بالعاصمة من جهاتها الأربع، فضلاً عن أنها تنفرد (بالإضافة إلى حمص) عن باقي المحافظات، بأن حدودها الإدارية تطل على ثلاث دول مجاورة؛ لبنان (من الغرب والشمال الغربي)، وفلسطين المحتلة (أقصى الجنوب الغربي)، والأردن (عبر أراض صحراوية ممتدة جنوب شرق دمشق).

ومنذ بداية الثورة السورية، في مارس/آذار 2011، شهدت عشرات المدن والبلدات المترامية في ريف دمشق، تظاهرات مُبكرة في مدن عدة، مثل معمضية الشام وداريا. كما عرفت دوما، على سبيل المثال، الاعتصامات الأولى في الخامس والعشرين من الشهر ذاته، لتتدحرج كرة الثلج لاحقاً، وتشمل معظم بلدات ومدن ريف دمشق، خصوصاً في غوطتَي دمشق الشرقية والغربية.

لكن التظاهرات المطالبة بإسقاط النظام، والتي كانت تقتصر على أيام الجمعة، مما سهّل على النظام التصدي لها، عبر نشر عناصر أمنه ومجموعات جنّدها لهذه الغاية، حول المناطق التي يتوقع أن تشهد احتجاجات سلمية، بدأت تخرج بشكل شبه يومي. وبدا أن تمرد السكان آخذ بالاتساع، خصوصاً مع زيادة أعداد القتلى المدنيين برصاص الأمن لقمع المتظاهرين.

وظهرت تبعاً لذلك، إرهاصات محاولات مجاميع المحتجين في ريف دمشق للوصول نحو وسط العاصمة، والذي بلغ ذروته يوم "الجمعة العظيمة" في الثاني والعشرين من أبريل/نيسان 2011، إذ وصل آلاف المحتجين الآتين من بلداتٍ في الغوطة الشرقية إلى محيط ساحة العباسيين في دمشق. وجوبه المتظاهرون، يومها، بوابلٍ من رصاص عناصر الأمن، أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، وكانت حصيلة ضحايا ذلك اليوم قياسية. وواجه النظام الذي يدرك تماماً أهمية محافظة ريف دمشق، صعوباتٍ بالغة في محاولاته المستميتة لوأد الاحتجاجات فيها، إذ إن عامل الجغرافية مترامية الأطراف، والتي تتناثر عليها عشرات المدن والبلدات المتمردة، كان عائقاً في وجه مخططاته.

ويُضاف إلى ذلك، ديمغرافية ريف العاصمة، التي لا تساعد النظام، إذ إنّ الأخير لا يملك قاعدة شعبية في المحافظة التي تضخمت عمرانياً وسكانياً منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. وبلغ عدد سكانها نحو أربعة ملايين نسمة عام 2010. حاول النظام تحييد بعض المناطق عن التحركات المناوئة له بالترهيب والترغيب، تبعاً لظروف وطبيعة كل منطقة، إلى حين نشر قواته ومدرعاته العسكرية صيف 2011، في معظم شوارع بلدات الغوطة الشرقية لأسابيع، قبل سحبها مجدداً، لتعود التظاهرات المناوئة بعد خروج الجيش النظامي، للتحرك كسابق عهدها.

مع بداية 2012، بدأت تظهر بوادر العمل المسلح للمعارضة في ريف دمشق، على شكل مجموعات من الأفراد، الذين بدأوا بالانشقاق عن الجيش، ومدنيين آخرين ارتأوا بحمل السلاح ضرورة لـ"حماية المتظاهرين" من هجمات الأمن. وشهد ذلك العام، معارك كثيرة في مختلف أنحاء ريف العاصمة السورية. وخرجت بعض المناطق عن سيطرة النظام في العام ذاته، قبل أن يعود لاقتحامها مرتكباً مجازر عديدة، أكثرها وحشية في الخامس والعشرين من أغسطس/آب، وراح ضحيتها نحو 700 من السكان المدنيين في مدينة داريا.

مع نهاية 2012، بدأت تتبلور خريطة السيطرة في محافظة ريف دمشق، إذ إن عدداً من البلدات والمدن، التي خرجت عن سيطرة النظام، ثم عاد إليها مجدداً، باتت بعد اندلاع معارك جديدة، خارج سيطرته، لغاية اليوم. وشهد عام 2013 توسعاً في مناطق سيطرة المعارضة بريف دمشق، إذ باتت الحاكمة لمعظم مساحات الغوطة الشرقية والغربية، ومناطق واسعة في وادي بردى ومدنٍ متاخمة للحدود اللبنانية، لا سيما الزبداني ومضايا، وبلدات أخرى في القلمون الشرقي والغربي، الذي احتفظ النظام فيه بالبلدات والمدن المُطلة على أوتوستراد دمشق ــ حمص الدولي والقريبة منه، خصوصاً تلك التي تحوي تجمعات عسكرية مهمة مثل القطيفة.

وفي الربع الأول من عام 2014، شنّ النظام مع مسلحي حزب الله حملة عسكرية كبيرة هدفت إلى إخضاع مناطق القلمون الغربي، عُرفت بـ"معركة يبرود"، التي حُسمت لصالحه أواسط مارس/آذار. وعام 2015، تتالت محاولات حزب الله (الذي خاض معارك عدة في الغوطة الشرقية أواخر 2013)، لتأمين البلدات السورية القريبة من الحدود اللبنانية عند جرود عرسال، خصوصاً الزبداني. واستمرت في كل الفترات الماضية، حملات القصف الجوي والمدفعي والصاروخي من قبل النظام على مختلف القرى والبلدات والمدن، التي فقدها لصالح المعارضة، مع تواصل محاولاته لاستعادة بعض المناطق التي تُشكل خسارة عسكرية لخصومه.

اقرأ أيضاً: نزوح حلب.. الكارثة تطال من كانوا صامدين

المساهمون