"سورية الديمقراطية" قرب سد الفرات: الهدف ريف الرقة الغربي

26 ديسمبر 2016
تسعى "قوات سورية الديمقراطية" لعزل الرقة(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
تحتدم المعارك بين "قوات سورية الديمقراطية" وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) شمال غربي مدينة الرقة، بالقرب من مدينة الطبقة الاستراتيجية، إذ تسعى "سورية الديمقراطية" لعزل مدينة الرقة، في خطوة تسبق أي محاولة لاقتحامها، فيما جددت تركيا التأكيد على نيتها الاتجاه نحو الرقة بعد انتزاع السيطرة على مدينة الباب. وواصلت حملة "غضب الفرات" العسكرية في مرحلتها الثانية، تقدمها شمال غربي مدينة الطبقة، منتزعة السيطرة على قرى جديدة في الطريق إلى المدينة الاستراتيجية. وأعلنت "قوات سورية الديمقراطية"، أمس الأحد، سيطرتها على قرية جعبر الشرقي، مشيرة إلى مقتل نحو 38 عنصراً من "داعش"، وتفجير سيارة مفخخة للتنظيم، قبل أن تصل إلى هدفها، كما أعلنت نيتها التوجه إلى قرية جعبر الغربي القريبة.

من جهتها، أشارت وكالة "أعماق"، الذراع الإعلامية لـ"داعش"، يوم السبت، إلى مقتل أكثر من 20 عنصراً من "قوات سورية الديمقراطية"، إثر وقوعهم بحقل ألغام قرب قرية جعبر، وفق الوكالة. وكانت تلك "القوات" التي تشكّل مليشيات "وحدات حماية الشعب" الكردية عمادها الرئيسي، بدأت عملية "غضب الفرات" في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بدعم من "التحالف الدولي" بقيادة الولايات المتحدة، في محاولة لـ"عزل" مدينة الرقة، معقل تنظيم "داعش" الأهم في سورية، قبيل البدء في محاولات اقتحامها. وحققت العملية في مرحلتين، تقدماً على حساب التنظيم في شمال، وشمال غربي الرقة، منتزعة السيطرة على عشرات القرى والبلدات، تحت غطاء ناري من طيران "التحالف الدولي". وبات من الواضح أن هذه "القوات" تسعى جاهدة للسيطرة على سد الفرات شمالي مدينة الطبقة، والذي يعد أكبر السدود المائية في سورية، ويحتجز خلفه بحيرة كبيرة، يصل طولها إلى نحو 80 كيلومتراً، ويصل عرضها في بعض الأماكن إلى 8 كيلومترات. وللبحيرة أهمية كبيرة إذ تُعد ثروة اقتصادية، ومنها تتفرع قنوات ري لعشرات آلاف الهكتارات. وكانت الرقة من أهم مناطق الإنتاج الغذائي في سورية، فضلاً عن الطاقة الكهربائية التي يولّدها السد، والذي أقيم في سبعينيات القرن الماضي.


وكانت فصائل المعارضة السورية سيطرت على السد المعروف باسم سد الفرات، في بداية عام 2013، قبل أن يطردها تنظيم "داعش" منه في بداية العام التالي، ليصبح بعد ذلك من أهم مراكزه. وتقع على كتف السد الجنوبي مدينة الطبقة، التي تضم ما بين 50 و70 ألف مدني بينهم آلاف النازحين من مختلف المناطق السورية. وتشكّل السيطرة على سد الفرات من قبل "قوات سورية الديمقراطية" خطوة واسعة باتجاه تنفيذ استراتيجية عزل مدينة الرقة. ومنطقة السد هي بمثابة الجسر الأهم الذي يمكّن هذه "القوات" من الانتقال إلى الضفة الأخرى من نهر الفرات، وإلا ستبقى المعارك دائرة شمال النهر، وهي المنطقة التي يطلق عليها أهالي المنطقة تسمية "الجزيرة"، في حين تُطلق تسمية "الشامية" على المنطقة التي تقع جنوب النهر.

وبدأ تنظيم "الدولة الإسلامية" في الآونة الأخيرة، انتهاج أسلوب جديد في القتال، يقوم على الانسحاب من القرى والبلدات المكشوفة بسبب عدم قدرته على الصمود أمام الطيران. ولحقت به خسائر كبيرة في معارك سابقة، خاضها في مختلف الأرياف السورية. وبدأ التحصن داخل المدن لتحييد الطيران، وخوض حرب شوارع، واستنزاف للقوات التي تهاجمه، وهو ما يطبقه الآن في مدينة الباب السورية شمال شرقي حلب، ومدينة الموصل شمال العراق. وهذا ما يفسّر تراجعه أمام "سورية الديمقراطية" في شمال وشمال غربي الطبقة، خلال الأيام القليلة الماضية، إذ سيطرت "القوات" المهاجمة على مساحة جغرافية كبيرة خلال عدة أيام.

وذكرت مصادر محلية أن "داعش" لن يتخلى عن مدينة الطبقة بسهولة، وأنه سيخوض حربا "مستميتة" للدفاع عنها، كونها "خط دفاع مهماً عن مدينة الرقة". وأشارت إلى أن التنظيم يحتفظ بالعديد من المواقع العسكرية الهامة في محيط الطبقة، لا سيما مطارها العسكري الذي سيطر عليه منتصف عام 2014، إثر معارك ضارية مع قوات النظام السوري. وكان ذلك تتويجاً لسيطرة مطلقة على كامل محافظة الرقة التي تعد واحدة من كبريات المحافظات السورية من حيث المساحة، ومن أكثرها أهمية على الصعيد الاقتصادي.

ورفض القيادي في "قوات سورية الديمقراطية"، شرفان درويش، الخوض في تفاصيل الاستراتيجية العسكرية لهذه "القوات"، في مسعاها لعزل مدينة الرقة. لكنه أكد في حديث مع "العربي الجديد" أن ريف الرقة الغربي بالكامل هو هدف لها، مشيراً إلى أن قواته قادرة على حسم أي معركة مع "داعش" لصالحها.

ويمتد ريف الرقة الغربي على مسافة تقدر بنحو مائة كيلومتر من قرية ردة كبير غرباً، وحتى قرية كسرة شيخ الجمعة شرقاً، مروراً بمدينة الطبقة، وبلدة المنصورة وعشرات القرى الأخرى. وتسيطر حالة خوف وترقب لدى المدنيين في عموم محافظة الرقة، جراء التقدم الذي تحققه "قوات سورية الديمقراطية". وشهدت قرى عدة حركة نزوح خشية من أعمال انتقامية، ربما تقوم بها هذه "القوات" التي تضم العديد من المليشيات غير المتجانسة، والمتباينة في الأهداف. وعزز مخاوف المدنيين رفض "لواء ثوار الرقة" أبرز فصائل المعارضة السورية في المحافظة، الاشتراك في عملية "غضب الفرات"، بسبب استبعاده عن قيادة المعارك في الرقة، وتهميشه من قبل المليشيات الكردية.

الدور التركي
بموازاة ذلك، لمّح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى أن بلاده لن تترك محافظة الرقة لـ"قوات سورية الديمقراطية"، مجدداً التأكيد على نية جيشه دعم فصائل المعارضة السورية المسلحة، للتقدم نحو الرقة بعد انتهاء معارك السيطرة على مدينة الباب شمالي شرقي حلب، المحتدمة منذ أكثر من أسبوعين. وقال أردوغان في كلمة له يوم السبت، خلال مؤتمر مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي بمدينة إسطنبول، أن بلاده ستكون موجودة في "كل الأماكن التي تتعرض للظلم"، بما فيها مدينتا منبج والرقة شرقي سورية.

ولا تزال فصائل مرتبطة بـ"قوات سورية الديمقراطية"، تسيطر على مدينة منبج شمال شرقي حلب بعد انتزاع السيطرة عليها من تنظيم "داعش" في أغسطس/آب الماضي، وهو ما ترفضه تركيا، إذ ترى فيه محاولة لترسيخ إقليم كردي في شمال سورية، جدّد الرئيس التركي يوم السبت، التأكيد على أن بلاده لن تسمح إطلاقاً بإقامته.