طروحات لحلول ليبية: انقلاب على الاتفاق السياسي؟

21 ديسمبر 2016
تستمر الخلافات على وقع معارك متنقلة (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -



أنهى الاتفاق السياسي الليبي، يوم السبت الماضي، عامه الأول، وسط جدل كبير في الأوساط الدولية والمحلية حول شرعية استمراره كوثيقة سياسية تصلح لتحقيق الوفاق بين الأطراف المتنازعة في ليبيا. ووقّعت أطراف ليبية في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، في مدينة الصخيرات المغربية، على اتفاق تسوية سياسية، كان أهم مخرجاته تشكيل حكومة وفاق يترأسها مجلس رئاسي يُمنَح صلاحيات مجلس رئاسة الوزراء. وتتضمن صلاحياته بالإضافة للإشراف على الحكومة، قيادة الجيش وتجديد الولاية للبرلمان كجسم تشريعي بعدما انتهت شرعيته في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، وإعادة أعضاء المؤتمر الوطني العام السابق تحت مسمى المجلس الأعلى للدولة كجسم استشاري لبدء مرحلة انتقالية جديدة لمدة عام وربما تمنح مدة إضافية قدرها ستة أشهر.
وجاء الاتفاق برعاية الأمم المتحدة بعد جولات طويلة من الحوار داخل البلاد وخارجها تجاوزت مدتها العام، ليحظى بترحيب دولي واسع، ودفع من دول كبرى لتطبيقه بسرعة بهدف إخراج البلاد من أزمتها وتشظيها السياسي والأمني وتشكيل حكومة وحدة وطنية وجيش موحد.
وعلى الرغم من الترحيب الدولي الواسع والدعم الكبير من دول كبرى للمجلس الرئاسي وحكومته، إلا أن قائد الجيش المعين من برلمان طبرق، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أبدى اعتراضه عليه، وتمكّن من عرقلته طيلة العام الماضي من خلال حلفائه السياسيين في البرلمان، والإقليميين أيضاً، بسبب المادة الثامنة فيه التي تقضي بنقل صلاحيات قيادة الجيش والمؤسسات الأمنية إلى المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، ما يعني إقصاء حفتر من المشهد. وعلى مدار عام كامل أفشل حلفاء حفتر محاولات مؤيدي الاتفاق السياسي في البرلمان عقد جلسة مكتملة النصاب للتصويت على تعديل الإعلان الدستوري، ورفضوا تشكيلتين حكوميتين قدّمهما المجلس الرئاسي.
ووفق اتفاق الصخيرات أيضاً، يتم تشكيل المجلس الرئاسي ليتولى قيادة رئاسة الدولة وقيادة الجيش، ويتكوّن من تسعة أعضاء يمثلون الأطراف المتنازعة. إلا أن ثلاثة من أعضاء المجلس من الموالين للبرلمان قاطعوا بعض جلساته، فيما مارس بعضهم دور المعرقل لقراراته، لينتهي المجلس إلى حالة فشل كامل في ممارسة دوره المناط به وفق الاتفاق، وخصوصاً تحقيق المصالحة الشاملة.

خيارات مطروحة
في مطلع ديسمبر/ كانون الأول الحالي، تعالت أصوات المعارضين للاتفاق السياسي، مطالبين بتقديم خيارات بديلة له، من منطلق أنه قد شارف على إنهاء مدته القانونية المحددة بعام، وكان أبرزها مقترح ممثّل حفتر في المجلس الرئاسي علي القطراني، بتسليم البلاد إلى مجلس عسكري يقوده إلى حين الانتهاء من كتابة الدستور الدائم للبلاد والذهاب إلى انتخابات برلمانية أو رئاسية.
ويطرح العديد من المراقبين سيناريوهات لتطورات الوضع مستقبلاً، من بينها عودة الحكم العسكري إلى البلاد من خلال تمكّن حفتر من حسم الصراع في البلاد عسكرياً لصالحه، أو بقاء حالة الانقسام السياسي باستمرار المجلس الرئاسي في مزاولة أعماله من دون التمديد له وبالتالي بقاء وربما تصاعد الخلاف بينه وبين برلمان طبرق المتعنّت في موقفه الرافض للاتفاق السياسي، أو إعطاء حفتر دوراً في المشهد المقبل من خلال إجراء تعديلات على الاتفاق السياسي لإسقاط المادة الثامنة المتعلقة بالمناصب العسكرية والأمنية.


وعكست تصريحات البعثة الأممية وأطراف دولية فاعلة في ليبيا، ضرورة استمرار العمل وفق الاتفاق السياسي وإجراء تعديلات عليه كونه الإطار السياسي الوحيد المتاح في ليبيا للوصول إلى تسوية سياسية. وبحسب محللين، فإن موقف البرلمان بدأ في التغيّر في الآونة الأخيرة بعد سقوط حججه المتعلقة بانتهاء مدة عمل المجلس الرئاسي خلال هذا الشهر، فشخصيات محسوبة على البرلمان بالإضافة لتصريحات المبعوث الأممي لدى ليبيا مارتن كوبلر، أوضحت أن عمر المجلس الرئاسي يبدأ من لحظة منح الثقة لحكومته، وهو ما لم يحدث حتى الآن. كما أن سقوط المجلس الرئاسي يعني سقوط كافة الهيئات المنبثقة عن الاتفاق السياسي ومن بينها البرلمان، إذ إن وجوده مستمد من روح الاتفاق السياسي بعد نهاية ولايته الشرعية في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.
وبعد عام من الرفض، لمّح رئيس البرلمان عقيلة صالح، في تصريح صحافي أخيراً، لأول مرة، عن قبول البرلمان بالعودة للمسودة الرابعة للاتفاق السياسي، ما يعني قبوله بمبدأ التعديل على الاتفاق. وجاءت تصريحات صالح بموازاة إعلان كوبلر، يوم الجمعة الماضي، عن قبول كل الاطراف الليبية بمبدأ تعديل الاتفاق السياسي، قائلاً إن "العديد من المقترحات مطروحة، ومن بينها مقترح البرلمان القاضي بتشكيل مجلس برئيس ونائبين".
وتتمسك كتلة "السيادة الوطنية" في البرلمان، المكوّنة من حلفاء حفتر، بضرورة الرجوع إلى المسودة الرابعة من الاتفاق السياسي والتي تنص على وجود رئيس للمجلس الرئاسي بنائبين، عكس المادة الخامسة الموقّع عليها من الأطراف الليبية التي نصّت على مجلس من رئيس وتسعة أعضاء. وتعلل الكتلة موقفها بأن تشكيل المجلس من تسعة أعضاء لن يمكّنه من اتخاذ قراراته بسبب الاختلاف الكبير في التوجّهات السياسية لأعضائه التسعة. لكن مراقبين للشأن الليبي يرون أن مقترح الكتلة ورئيس البرلمان بالعودة للمسودة الرابعة من شأنه ضمان استمرار وجود حليفهم حفتر في المشهد لخلوها من المادة الثامنة.

اعتراضات مستمرة

في حين وجّه رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، رسالة ضمنية لرافضي الاتفاق باستمرار عمل مجلسه، حين أعلن، يوم السبت الماضي، عقد جلسة لمجلسه لمناقشة تشكيل الحكومة الجديدة، لا تزال أطراف ليبية تصر على موقفها الرافض لمبدأ تعديل الاتفاق. فقد طالب رئيس حزب "العدالة والبناء"، محمد صوان، بضرورة "إجراء البرلمان تعديلاً للإعلان الدستوري لتضمين الاتفاق السياسي فيه" كشرط لمناقشة مبدأ تعديل الاتفاق. وتساءل: "كيف يطالب طرف بتعديل الاتفاق ولا يزال رافضاً له حتى الآن؟"، معتبراً أن البرلمان "حتى يكون شرعياً، عليه تضمين الاتفاق السياسي، كونه جسم منبثق عنه".
وقال صوان إنه "من المفترض أن تجتمع الأطراف الليبية للنظر في مدى قيام البرلمان بهذا الاستحقاق"، معتبراً استمرار تعنّت البرلمان "يحتم على المشاركين في الحوار الاجتماع والبحث في البدائل والتي منها اعتبار النواب المؤيدين للاتفاق هم البرلمان". وأكد صوان أن المجلس الرئاسي ووزراء حكومته المفوضين "سيواصلون عملهم وسيستكملون باقي الفراغات في الوزارات" في حال عدم تعديل الإعلان الدستوري من قِبل البرلمان.
فيما رأى العضو المستقل في لجنة الحوار السياسي إسماعيل الجبو، أن الاتفاق السياسي لم يُنفذ بالشكل الصحيح، معتبراً أن تعديله أمر مرحب به من أغلب اعضاء لجنة الحوار، إلا أنه أكد أن المقترحات المطروحة لم تلق قبولاً واسعاً منهم. وقال إن الجميع بدا مقنعاً بأن هناك فرقاً بين المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق، فالمجلس الرئاسي أحد مخرجات الاتفاق السياسي، بينما حكومته غير شرعية من دون حصولها على الثقة. وأضاف: "رافضو الاتفاق السياسي لديهم مشكلة مع المجلس الرئاسي، وسعيهم الحثيث لإسقاطه لأنه من يترأس قيادة الجيش"، مضيفاً أن "المجلس الرئاسي يحظى بدعم دولي واسع، واستطاع المحافظة على تواصله مع الخارج ونجح سياسياً في الحصول على اعتراف العالم به والتعامل معه دون غيره من حكومتي الشرق والغرب، ولهذا لا يمكن إسقاطه على الاطلاق، وبالتالي فمسألة التعديل لن تكون مجدية إلا إذا قبل حفتر بالعمل تحت مظلة المجلس الرئاسي السياسية".