ما بعد تفجير الكنيسة: عسكرة المحاكم وإطالة مدة الرئاسة

14 ديسمبر 2016
ينفي النظام حصول أي تقصير أمني (العربي الجديد)
+ الخط -
لا تزال أسر ضحايا الاعتداء الذي استهدف الكنيسة البطرسية في القاهرة، الملحقة بالكاتدرائية المرقسية، يوم الأحد الماضي، تحاول استعادة حياتها بعد مراسم التشييع التي انتهت أول من أمس، فيما تحبس عائلات المصابين الذين تستدعي حالاتهم البقاء في المستشفيات أنفاسها بانتظار خروج أبنائها من دائرة الخطر. أما النظام المصري، فلم يتأخر في الاستثمار السياسي للجريمة، وهو استثمار تُظهر حصيلة مختلف التصريحات لأركان النظام وأذرعه أنه يصبّ في اتجاهين أساسيين: الأول يتمثل في إجراء تعديلات دستورية مجهزة سلفاً لكن لم تكن الظروف السياسية والاقتصادية تسمح بتمريرها، وتتضمن تعديلات تسمح بتوسيع نطاق المحاكمات العسكرية، فضلاً عن تعديلات تتيح زيادة الفترة الرئاسية إلى 6 سنوات بدلاً من 4، وهو المقترح الذي تردد أكثر من مرة خلال العام الحالي. أما المسار الثاني، فيركز على شيطنة معارضي النظام في الداخل، خصوصاً من جماعة الإخوان المسلمين، المصنفة أصلاً إرهابية بالنسبة للنظام، وهو ما بدا واضحاً في الاتهامات التي حملها بيان وزارة الداخلية المصرية مساء الإثنين، الذي جاء فيه أن المتهم بأنه "العقل المدبر" للجريمة يدعى "مهاب مصطفى السيد قاسم"، واسمه الحركي "الدكتور"، وقد سافر "إلى دولة قطر خلال عام 2015 حيث وطّد ارتباطه هناك ببعض قيادات جماعة الإخوان الإرهابية الهاربة الذين تمكنوا من احتوائه وإقناعه بالعمل بمخططاتهم الإرهابية وإعادة دفعه للبلاد لتنفيذ عمليات إرهابية بدعم مالي ولوجيستي كامل من الجماعة، في إطار زعزعة استقرار البلاد وإثارة الفتن وشق الصف الوطني"، على حد تعبير البيان.



وتسود أجواء في مصر حالياً باتجاه محاولة إسكات أي أصوات تحاول طرح علامات استفهام في ما يتعلق بالرواية الرسمية حول كيفية تنفيذ الجريمة والمتورطين فيها، فيما لا تزال أسر المتهمين بالتورط في الاعتداء تؤكد براءة أبنائها، بما في ذلك نفي شقيقة المتهم بتنفيذ تفجير الكنيسة  محمود شفيق، رواية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزارة الداخلية، مؤكدة تواجد أخيها في السودان وليس في مصر، وأن الصور المتداولة له مركبة ولا تشبهه، وذلك في مداخلة هاتفية في برنامج الإعلامي معتز الدمرداش، مساء الاثنين. وهو الأمر الذي واجهته الأجهزة الأمنية باقتحام منزلها والقبض على أفراد أسرتها. 

محاكمات عسكرية وزيادة الفترة الرئاسية
ووفقاً لمصدر سياسي مصري، فإن الدعوات لتعديل الدستور التي أعقبت حادث تفجير الكنيسة البطرسية الملحقة بالكاتدرائية المرقسية، تحديداً لجهة التوسع في المحاكمات العسكرية للمدنيين، أحد أهدافها تعديل المادة الخاصة بمدة رئيس الجمهورية في الدستور، والتي تنص على أن مدة الرئيس 4 سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط.

وتابع المصدر أن هذه التعديلات معدٌّ لها سلفاً ولكنهم (أركان النظام) كانوا ينتظرون الوقت المناسب لتمرير تلك المادة، مضيفاً أن "الحديث سيبدأ عن مواد متعلقة بالمحاكمات العسكرية، وبعض المواد الأخرى بعيدة الصلة عن مادة الرئاسة، على أن يتم الدفع بها في وقت لاحق وسط الزخم الإعلامي المدفوع من أجهزة في الدولة التي تدير المشهد، لتتم زيادة الفترة الرئاسية إلى 6 سنوات بدلاً من 4".

ومنذ اللحظات الأولى للاعتداء، أخذ عدد من الإعلاميين التابعين للنظام في الترويج لتعديل دستوري يمكّن من مواجهة مثل تلك الأعمال الإرهابية. وهو ما أكده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نفسه، خلال كلمته عقب تشييع جثامين الضحايا أول من أمس، عندما طالب البرلمان بتعديلات تمكّن القضاء من الإسراع في محاكمة المتهمين بأعمال عنف. وهي الدعوة التي سرعان ما استقبلها رئيس البرلمان المصري علي عبد العال، الذي أعلن خلال الجلسة العامة لمجلس النواب المصري التي عُقدت بعد ساعات قليلة من كلمة السيسي، إمكانية تعديل الدستور خلال الفترة المقبلة بهدف إخضاع "جرائم الإرهاب" أمام محاكم القضاء العسكري. 

في غضون ذلك، كشفت مصادر رسمية مصرية عن أنه خلال الأيام القليلة المقبلة سيتم إدخال تعديل على القانون رقم 136 لسنة 2014 الذي يسمح للقوات المسلحة بالمشاركة في حماية المنشآت العامة والحيوية. وأشارت المصادر، التي كانت من بين واضعي دستور 2014، إلى أن التعديل سيكون على المادة الأولى من القانون ليوسّع صلاحيات القوات المسلحة في الحياة المدنية، قائلة إن التعديل سيتضمن إضافة جملة "والمستشفيات ودور العِلم ودور العبادة المرخَّصة". وتنص المادة على أنه "مع عدم الإخلال بدور القوات المسلحة في حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها، تتولى القوات المسلحة معاونة أجهزة الشرطة والتنسيق الكامل معها في تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية بما في ذلك محطات وشبكات أبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكك الحديدية وشبكات الطرق والكباري وغيرها من المنشآت والمرافق والممتلكات العامة وما يدخل في حكمها، وتعد هذه المنشآت في حكم المنشآت العسكرية طوال فترة التأمين والحماية".

رواتب استثنائية لضباط وأفراد الداخلية

وفي السياق نفسه، انحاز نواب البرلمان إلى موقف الرئيس عبد الفتاح السيسي، وطالبوا بصرف رواتب استثنائية لضباط وأفراد وزارة الداخلية.

ويأتي هذا الانحياز على الرغم من تظاهر المئات من المصريين المسيحيين للمطالبة بإقالة وزير الداخلية، مجدي عبد الغفار، على خلفية الجريمة، رداً على قول السيسي، في حضرة البابا تواضروس، يوم دفن الضحايا: "مش عاوز أسمع حد يقول تقصير أمني تاني!". ووجّه أعضاء لجنتي حقوق الإنسان، والشؤون التشريعية بمجلس النواب، أمس الثلاثاء، الشكر للداخلية المصرية بدعوى سرعة الكشف عن الجناة في واقعة تفجير الكنيسة، مطالبين بدعم الشرطة، ومنحها ميزانية استثنائية تُمكّنها من التزود بالأدوات التي تساعدها في مواجهة قوى الإرهاب. ومن بين هؤلاء عضو لجنة حقوق الإنسان، بدوي عبد اللطيف، الذي قال إنه يتعيّن "علينا أن نشيد بالشرطة المصرية التي تمكنت من القبض على الجناة، وحل القضية خلال 24 ساعة فقط، على الرغم من الإمكانيات المحدودة التي يمتلكها جهاز الشرطة، ولا توازي مثيلاتها في الدول الأوروبية".

بدوره، قال رئيس لجنة حقوق الإنسان، علاء عابد، إن العدالة لا تعني استمرار محاكمات المتهمين لمدة خمس سنوات، إذ يجب على البرلمان الإسراع في تعديل التشريعات اللازمة لتحقيق الردع العام. وأضاف: "لا يجب منْح المتهمين في قضايا الإرهاب حق الدفاع الذي يطالب به المحامون أثناء المحاكمات، لأنه أمر مطاط، ويعطل سرعة الأحكام"، على حد وصفه. كما ناشد عابد (شرطي سابق، متهم في قضايا تعذيب عام 2005)، السيسي وحكومته بفعل كل ما يلزم للحفاظ على أمن البلاد، من دون الالتفات لأي أمر آخر، في إشارة إلى عدم الاكتراث بالأزمة الاقتصادية.

في سياق متصل، أمهل رئيس اللجنة التشريعية بالبرلمان، بهاء الدين أبو شقة، الحكومة مهلة لمدة 30 يوماً للانتهاء من إعداد مشروع قانون متكامل للإجراءات الجنائية، قائلا إنه "يتعيّن علينا مواجهة حروب (الجيل الرابع) من خلال إجراء ثورة تشريعية، تتماشى مع ما يشهده التطور النوعي في العمليات الإرهابية". وأضاف أبو شقة أن اللجنة تعمل على تنقية الاقتراحات المقدمة من النواب بشأن تعديلات قانون الإجراءات الجنائية، بهدف تسريع إجراءات التقاضي، على أن تعقبها "تنقية كافة النصوص الواردة في قانون العقوبات، حتى تتناسب مع الجُرم، لتحقيق العدالة الناجزة".

المساهمون