حكومة بنكيران الثانية... ملامح الأحزاب المشاركة والحقائب غير محسومة

02 ديسمبر 2016
يريد بنكيران ضمان استمرارية الحكومة الجديدة (جلال مرشدي/الأناضول)
+ الخط -
يبدو أن مشاورات تشكيل الحكومة في المغرب ستطول لأيام أخرى، وترتهن بعودة الملك محمد السادس من زيارته إلى عدد من البلدان الأفريقية نظراً لوجود وفد من الوزراء معه من بينهم وزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش، الذي يتزعم حزب الأحرار.
وعلى الرغم من أن رئيس الحكومة المكلف، عبد الإله بنكيران، حصر في تصريحات له خلال ندوة نظمها حزب الاستقلال، الأحزاب التي تشكل إلى حد اليوم الائتلاف الحكومي في ثلاثة أحزاب فقط هي حزب العدالة والتنمية، حزب التقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال، إلا أنه ينتظر عقد لقاء آخر مع أخنوش لحسم أمر مشاركة حزبه من عدمه في الحكومة المرتقبة. كما ينتظر أن يترجم حزب الاتحاد الاشتراكي تصريحات زعيمه، إدريس لشكر، التي أعلن فيها الموافقة على المشاركة في الحكومة ببيان رسمي يؤكد فيه المشاركة. وغادر أخنوش المغرب يوم الأربعاء الماضي ليرافق ملك البلاد في جولته الأفريقية الثانية، التي تشمل نيجيريا وكينيا وزامبيا، تاركا رئيس الحكومة المكلف منذ أزيد من خمسين يوماً بلا قرار نهائي يحسم تشكيلة فريقه الحكومي، على الرغم من أنه يتوفر على أغلبية إذا ما تم احتساب حزب الاتحاد الاشتراكي الذي أعلن زعيمه رغبته في المشاركة في الحكومة من دون أن يحسم ذلك قطعاً.



ويرى مراقبون أن ما يعوق تشكيل الحكومة شرط واحد عرضه زعيم حزب الأحرار على بنكيران في لقاءين على التوالي، ويتمثل في عدم مشاركة حزب "الاستقلال" في الفريق الحكومي. وقد عقد اللقاء الأول مباشرة بعد انتخاب أخنوش أميناً عاماً جديداً للحزب، والثاني بعد عودته من الجولة الأفريقية الأولى التي رافق خلالها ملك المغرب. وأفضى هذا الشرط، الذي لم يتنازل عنه بعد أخنوش خلال مشاوراته مع بنكيران، إلى سوء فهم امتد طويلاً بين الطرفين (بنكيران وأخنوش). رئيس الحكومة المكلف رفض ما سمّاه ابتزازاً من طرف "الأحرار" الذي لم يحصل سوى على 37 مقعداً، باعتبار أن هذا الحزب اشترط خروج "الاستقلال" من الائتلاف الحكومي، كما ربط تواجده بمشاركة حزب الاتحاد الدستوري. في المقابل، استهجن أخنوش نشر حزب بنكيران كواليس مشاورات الحكومة.

وتتجه الحكومة المغربية المقبلة، في حال وافق "الأحرار" على دخولها، نحو فريق مكون من ستة أحزاب، تتمثل في كل من العدالة والتنمية، والاستقلال، والتقدم والاشتراكية، والاتحاد الاشتراكي، ثم الأحرار والاتحاد الدستوري، خصوصاً أن الأخيرين أعلنا التنسيق البرلماني بين فريقيهما.

وتطرح حكومة بهذا الحجم من الأحزاب تساؤلات عديدة؛ فهي إن كانت على المستوى العددي ستمنح قوة إلى الحكومة الجديدة وأغلبية جد مريحة، وتؤدي بالتالي إلى معارضة "معزولة" متمثلة في حزب الأصالة والمعاصرة، فإنها تفضي من جهة أخرى إلى مشاكل على مستوى الهندسة الحكومية، وتوزيع الحقائب الوزارية على خمسة أو ستة أحزاب.

وفي السياق نفسه، يرى القيادي في حزب العدالة والتنمية، عبد العزيز أفتاتي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الأغلبية الحكومية تسير نحو التشكل بروية وثبات، وبمسار توافقي وإصلاحي أفشل جميع محاولات ما سمّاها "الدولة العميقة" الرامية إلى إفشال تشكيل الحكومة والدفع بإرجاع بنكيران مفاتيح المشاورات إلى الملك. ويلفت إلى أن الحكومة ستتشكل من جميع الأحزاب ذات النفس الإصلاحي، خصوصاً الاستقلال والتقدم والاشتراكية. وكان الحزبان قد آزرا حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة المكلف.

من جهة ثانية، يعتبر أفتاتي أن اشتراط إقصاء حزب الاستقلال من الحكومة الجديدة من قبل حزب الأحرار سيضمحل في نهاية المطاف، وستتشكل الحكومة من خمسة أحزاب إذا لم يصر "الأحرار" على دخول حزب الاتحاد الدستوري معه إلى الحكومة، في حين ستتشكل من ستة إذا ما دخل "الأحرار" برفقة "الاتحاد".

في غضون ذلك، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الرباط، عبد الرحيم منار لأسليمي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه من الصعب على رئيس الحكومة المكلف أن يعتمد مرجعية النتائج انتخابات 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي لتوزيع الحقائب الوزارية على حلفائه الحزبيين الذين سيشاركون في الحكومة. ويشير إلى أن حزبي الأحرار والاتحاد الاشتراكي استطاعا فرض شروطهما على بنكيران، ودفعا به إلى الابتعاد عن العملية الحسابية للمقاعد في توزيع الحقائب.

ووفقاً لأسليمي، فإن هذا الأمر من شأنه أن يجعل جميع الأحزاب المشاركة في حكومة بنكيران المقبلة متساوية في عدد الحقائب. ويلفت إلى أن المفاوضات أمام بنكيران كانت صعبة ولديه تجربة في الحكومة الأولى، إذ أخرج حزب الاستقلال في الحكومة الأولى ورقة توزيع الحقائب الوزارية، التي لم تنصفه بحسبه حينها، وهو ما أفضى إلى سوء فهم بين رئيس الحكومة بنكيران وزعيم الاستقلال، حميد شباط، مما أدى إلى انسحاب حزب "الاستقلال" من النسخة الأولى من الحكومة يومها.

ويعتبر أسليمي أن بنكيران يبدو كأنه يفكر بمنطق بعيد عن الحسابات الانتخابية لتوزيع المقاعد، ذلك أن الهدف الأساسي بالنسبة إليه يتمثل في استمرار الحكومة الجديدة إلى نهاية ولايتها، وإدخال أكبر عدد ممكن من الأحزاب إلى مكوناتها ليترك حزب الأصالة والمعاصرة معزولاً ووحيداً في المعارضة.

وبالنسبة إلى أسليمي فإن "هذه استراتيجية تهدف إلى إضعاف الأصالة والمعاصرة في المعارضة على نار هادئة، فالطلب على المشاركة في حكومة بنكيران يجعل المغرب اليوم أمام مشهد حكومة شبه وطنية التي لن يحضر داخلها حساب المقاعد، لكن القدرة على التفاوض وفرض شروط المشاركة، وهو ما نجح فيه التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي". ويلفت إلى أن حزب الاستقلال أبدى موافقته منذ البداية على المشاركة من دون شروط، وهو ما قد يضعفه في التنافس على الحقائب الوزارية الاستراتيجية والتقنية، مشيرا إلى أن "الأحرار نجح في فرض نفسه كحزب للتدبير التقني، وخلق وهماً من التفوق على الأحزاب الأخرى على الرغم من أن لدى حزبي الاستقلال والاتحاد كفاءات تقنية وتدبيرية متمرسة".