النظام يواصل حرق حلب:مدينة منكوبة بلا دواء ولا غذاء

22 نوفمبر 2016
واصل النظام أمس قصف أحياء حلب الشرقية (جواد الرفاعي/الأناضول)
+ الخط -
"تفوق يوميات الموت المتنقل في أحياء حلب الشرقية، كل عبارات اللغة، إذ لم نعُد نجد فيها ما يعبّر بدقة لوصف اللحظات الطويلة المريرة التي نعيشها منذ سبعة أيام، قَصَفَ خلالها النظام حتى المشافي، ليُنهي أمل الجرحى بإمكانية النجاة، وليهدد معه من تبقى من كوادر طبية (..) وكأن طائرات النظام الحربية تخوض الحرب مع الأطباء والمسعفين، لا مع المقاتلين على الجبهات". بهذه العبارات، وبصعوبة بالغة، تحدث المواطن السوري حسني مصطفى، المقيم في حي السكري، شرقي حلب، قبل أن يعتذر عن مواصلة الحوار مع "العربي الجديد"، عند سماعه لهدير طائرات حربية، تكاد لا تفارق سماء المنطقة على مدار الساعة، قائلاً إن "مجزرة جديدة قد تقع كل دقيقة مع سماع هذا الصوت".

وقدم مستشار الأمين العام للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، ستيفن أوبراين، عصر أمس، أمام مجلس الأمن الدولي، إحاطته حول الوضع في سورية وحلب التي اختصر واقعها بالقول إنه "أكثر من كارثة". وقال إن "الأمم المتحدة غير قادرة على الوصول إلى المدنيين شرقي حلب بسبب حصار النظام السوري". وأضاف أن المنظمة الدولية "تحاول الوصول إلى 6 ملايين سوري بحاجة إلى مساعدات شهرية عاجلة"، لافتاً إلى أن "حوالي مليون شخص يعيشون بمناطق محاصرة في سورية". وبحسب أوبراين، فإنّ 750 من العاملين في الحقل الإنساني قتلوا في الحرب السورية "وذلك في انتهاك صارخ للقانون الدولي". وتساءل أوبراين عن جدوى تبني مجلس الأمن لقرارات حول تقديم المساعدات الإنسانية والطبية في سورية، إذا لم يتم تنفيذها. بدورها، قالت ممثلة منظمة الصحة العالمية في سورية إيزابيل هوف، والتي قدمت من دمشق إحاطتها عبر الفيديو، إن هناك أكثر من 300 ألف شخص لقوا حتفهم في سورية منذ اندلاع الأحداث، وأن حوالي خمسة ملايين شخص غادروا سورية، وأن ستة ملايين شخص نزحوا داخل سورية، و5 ملايين يقيمون في مناطق محاصرة ومناطق يصعب الوصول إليها. وأكدت كذلك أن ثلثي العاملين في الحقل الطبي غادروا البلاد. كما أن نسبة خطر انتشار الأمراض المختلفة عالية وأن النساء الحوامل لا يمكنهن تلقي خدمات الإنجاب على نطاق واسع. أما المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، سامنثا باور، فقد أعلنت أن واشنطن "تعرف بالأسماء قادة النظام السوري المتورطين في جرائم ضد المدنيين وستقوم بمحاسبتهم"، مكررة مواقف سابقة لها ومفادها أن "روسيا ونظام الأسد يدمران سورية".

ودخلت حملة القصف الجوي والمدفعي العنيف، التي يشنها النظام وحلفاؤه على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية في حلب، أسبوعها الثاني، وأسقطت أمس الإثنين، مزيداً من الضحايا. ويثير هذا التصعيد العسكري مخاوف دولية وغربية حول مصير المدنيين المحاصرين في المدينة، لكن الأطراف الدولية تكتفي بمواقف إدانة شفهية لم تعد تساهم حتى بمواساة الشعب السوري.

وتعرضت أحياء السكري والفردوس والأنصاري وغيرها في المنطقة الشرقية المحاصرة لسلسلة غارات جديدة. وتحدث "مركز حلب الإعلامي" الذي يديره ناشطون من المدينة، عن مقتل ثلاثة أشخاص، بعد إلقاء مروحيات النظام لبراميل متفجرة على منطقة جسر الحج. وأدى قصف جوي مماثل، بحسب ما أكد مصدر في الدفاع المدني لـ"العربي الجديد"، إلى توقف مركز إنقاذ هنانو، شرقي حلب، عن الخدمة. وأعلنت مديرية التربية والتعليم التابعة للمعارضة السورية، عن تمديد تعليق دوام المدارس الرسمية والخاصة والمعاهد التعليمية في الأحياء الشرقية، حتى نهاية الأسبوع الحالي، جراء حملة القصف المتواصلة.

وتتزامن الغارات والقصف المدفعي على أحياء شرقي حلب، مع محاولات تقدم جديدة لقوات النظام والمليشيات المساندة لها نحو مناطق سيطرة المعارضة في حلب، لا سيما على جبهة الشيخ سعيد. لكن كافة المعطيات، بما فيها المعلومات التي تبثها وسائل إعلام النظام، لا تؤكد إحراز قوات النظام لأي خرق لافت خلال هذه المواجهات.



ويبدو أن النظام يهدف من خلال تصعيد هجومه إلى استنزاف قوة وذخيرة المقاتلين المدافعين عن مناطقهم، والمحاصرين فيها منذ 12 أسبوعاً. ويتضح من وقائع حملة النظام العسكرية شرقي حلب، وتركيزها بشكل رئيسي على استهداف الأحياء المأهولة بالمدنيين، والمرافق الحيوية التي تقدم خدمات للسكان بما فيها المشافي خصوصاً، أن هدفها الآني هو حرمان الأهالي من الخدمات التي تقدمها هذه المرافق المدنية، وبالتالي إخضاعهم لأي تسوية. واستهدف القصف خلال ثمانية وأربعين ساعة فقط، من يوم الجمعة حتى الأحد الماضي، أربعة مشافي أساسية، هي: الزرزو، والبيان، وعمر بن عبد العزيز، والحكيم.

وأعلنت منظمة الصحة العالمية أنه "ليس هناك حالياً أي مستشفى قيد الخدمة في القسم المحاصر من المدينة"، وذلك استناداً إلى تقارير من شركائها في المنطقة. وأكدت أن خدمات صحية "لا تزال متوافرة في عيادات صغيرة"، لكن معالجة الإصابات وإجراء عمليات جراحية كبرى وتقديم رعاية طبية طارئة لم تعد مؤمّنة.

هكذا يخيّر النظام السكان بين الإبادة أو الخضوع لإملاءاته كوسيلة وحيدة لإنهاء حالة الرعب الدائمة التي يعيشونها في تلك الأحياء المؤيدة لفصائل المعارضة السورية المسلحة، وللهيئات المدنية التي وُلدت نتيجة الحاجة المُلحة لإيجاد إدارة تُنظم احتياجات المدنيين الأساسية. يتعلق الأمر تحديداً بـ"مجلس محافظة حلب الحرة"، الذي يدير عملية توزيع المؤن الغذائية، وبعض المرافق الطبية والتعليمية في تلك الأحياء المنكوبة.

والهجوم الحالي للنظام شرقي حلب، وهو الأحدث ضمن حملات مماثلة عاشتها تلك المناطق منذ أشهر، بدأ فعلياً يوم الثلاثاء الماضي، وأدى حتى صباح أول أمس الأحد، إلى مقتل 305 أشخاص، كما جَرَحَ 1020 آخرين، حسب بيان صادر ظهر الأحد، عن "مجلس محافظة حلب الحرة". وطالب الأخير "المجتمع الدولي والأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان" بالعمل على "فتح ممرات إنسانية آمنة، تحت رقابة وإشراف الأمم المتحدة، لإدخال المساعدات الإنسانية من أدوية وأغذية ومحروقات"، وكذلك بضرورة "إسقاط إغاثة جوية لمدينة حلب" المحاصرة تماماً مع "275 ألف إنسان منذ ثلاثة أشهر". وتأتي مطالب "مجلس محافظة حلب الحرة" كمحاولة للضغط على القوى الإقليمية والدولية المعنية، من أجل ضرورة التحرك والضغط على حلفاء النظام لإيقاف أو تخفيف ضراوة حملة القصف والغارات، التي يتضح تماماً بأنها تنتهج سياسة خلق حالة رعب دائم لإحباط من تبقى من سكان شرقي حلب.

في غضون ذلك، وبعد فشل مقترح المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، تشكيل "إدارة ذاتية" للمعارضة شرقي حلب، بسبب رفض النظام لذلك، حذر دي ميستورا، الذي أجرى محادثات في دمشق يوم الأحد وغادرها أمس الإثنين، من أن الوقت "ينفد". وقال: "نحن في سباق مع الزمن" حيال الوضع في شرق حلب. ورأى أنه "بحلول عيد الميلاد وبسبب تكثف العمليات العسكرية، قد نشهد تدهوراً لما تبقى في شرق حلب ويمكن أن ينزح حوالي 200 ألف شخص إلى تركيا، ما سيشكل كارثة إنسانية"، بحسب تعبيره.


أوباما متشائم
على صعيد آخر، قال الرئيس الأميركي، باراك أوباما، خلال مؤتمر صحافي في عاصمة البيرو، ليما، يوم الأحد: "أنا غير متفائل حيال المستقبل القريب لسورية. فبعدما اتخذت روسيا وإيران قراراً بدعم (بشار) الأسد في حملته الجوية الوحشية (...) من الصعب أن نرى طريقة لكي تحافظ المعارضة المعتدلة والمدربة على موقعها لوقت طويل". وأكد أنه حض نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، على بذل مزيد من الجهود للحد من أعمال العنف ومعاناة السكان في سورية. كذلك، اتهم وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك أيرولت، أثناء زيارة له إلى قطر، النظام السوري وداعميه بالتخطيط لتقسيم سورية. وقال: "إن فرنسا حريصة على وحدة الأراضي السورية، ولا تريد أن يتم أي نوع من التقسيم"، داعياً إلى وقف المعارك في حلب، واستئناف المفاوضات السياسية، وتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة لإغاثة الشعب السوري، ومكرراً التأكيد على أن "سورية يجب أن تظل موحدة لكل مكونات وطوائف الشعب السوري". 

ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بحسب بيان أصدره المتحدث الرسمي باسمه، ستيفان دوغريك، "الأطراف إلى ضمان حرية الحركة للمدنيين والوصول الفوري ودون عائق للمساعدات الإنسانية" إلى حلب. وقال: "إنني أذكر جميع أطراف النزاع بأن استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية يعتبر جريمة حرب وأدعو جميع الأطراف إلى الكف فوراً عن أي هجمات من هذا القبيل". وأكد أن "المسؤولين عن هذه الفظائع في سورية، أينما كانوا، يجب أن يخضعوا للحساب يوماً ما".

المساهمون