إسرائيل تواصل تنفيذ المخططات الاستيطانية المقدسية لتحويل الفلسطينيين لجالية

14 نوفمبر 2016
فلسطينية تدقق بأثاث منزلها بعد هدمه بالقدس(أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -
يخشى الفلسطينيون من تنفيذ سلطات الاحتلال الإسرائيلي لرزمة من مخططاتها الاستيطانية الجديدة التي تمت المصادقة عليها أخيراً، ومن تدشين أحد أخطر هذه المخططات، والمعروف بمشروع "وجه القدس". والخشية نابعة من كون هذه السياسة الاستيطانية ستفضي إلى واقع غير مسبوق في القدس المحتلة، يغيّر طابع المدينة ويقلب المشهد الديموغرافي والجغرافي والسياسي فيها. وهو أمر من شأنه أن يجعل الفلسطيني في مدينته، والآتي إليها من الخارج، غريباً عنها، لا يعرف سوى بعض معالم تاريخية.

ويذكر خبير الاستيطان والأراضي في جمعية الخرائط التابعة لـ"بيت الشرق"، خليل تفكجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، عدة مشاريع ستؤدي إلى نتائج كارثية على السكان الفلسطينيين وحقوقهم. ويخص بالذكر الإعلان عن إقامة مناطق صناعية غرب القدس في منطقة موديعين على أراض فلسطينية، والمصادقة على مخططات بناء لآلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة في مستوطنات قائمة، وأخرى جديدة في محيط القدس، لا سيما بلدتها القديمة، فضلاً عن مشاريع تهدف لمحاصرة المسجد الأقصى وعزل الأحياء المقدسية المتاخمة للمدينة المقدسة.

وستفضي هذه المخططات بحسب تفكجي، لمحو ما يعرف بالخط الأخضر. وهو خط وهمي يفصل الضفة الغربية بما فيها القدس عن أراضي فلسطين المحتلة عام 1948. ويتابع أنها ستتسبب بتغيير مشهد المدينة المقدسة بالكامل، وأن نسبة أعداد المقدسيين ستتحول من 37 بالمائة، الآن، إلى 12 بالمائة بعد المشاريع الاستيطانية.

ودشن وزراء إسرائيليون، الأسبوع الماضي، أخطر تلك المخططات على مشارف القدس الغربية. يتعلق الأمر بمشروع استيطاني ضخم، أطلقوا عليه "وجه القدس". ومن المقرر أن يؤدي إلى تشغيل أكثر من 40 ألف عامل. وهو مشروع مرتبط بإقامة مناطق صناعية أخرى قرب مستوطنة موديعين، ستقام على أراض تتبع لقرية بيت سيرا غرب رام الله والقدس. وهي كانت تمت مصادرتها عام 1991، وتم تحويل أراض في المناطق المستهدفة بمثل هذه المشاريع إلى مكب نفايات لصناعات الاحتلال، وتشغيل اليد العاملة الفلسطينية في هذه المناطق الصناعية الجديدة. وهكذا لم يعد العمال الفلسطينيون يدخلون إلى فلسطين المحتلة عام 1948.

ويشير تفكجي إلى أن مشهد القدس بعد تنفيذ تلك المشاريع، سيغلب عليه شبكة متطورة من الطرق السريعة والأنفاق والجسور، وشبكات القطار فوق الأرض وتحتها. أي ستكون المدينة مشابهة للمدن الأوروبية. والمشهد الجديد ينطوي أيضاً على التغيرات التي ستحدثها مخططات أخرى في البلدة القديمة من القدس ومحيطها، وحول المسجد الأقصى. إذ سيتم تشييد نفق رئيس سيصل القدس الغربية بحائط البراق. وما يعرف بالحي اليهودي من المدينة سيخصص له قطار سياحي. كما سيقام قطار هوائي قاعدته الأساسية جبل الزيتون إلى الشرق من البلدة القديمة، ينتهي إلى ساحة البراق مروراً من فوق المسجد الأقصى.


على الصعيد الديموغرافي، وفي الجانب المتعلق بالاستيطان اليهودي في القدس الشرقية المحتلة، من المتوقع أن يتم بناء 58 ألف وحدة استيطانية بحلول الخمس سنوات المقبلة. وسيرتفع عدد المستوطنين من نحو 600 ألف في القدس بشطريها الشرقي والغربي إلى أكثر من مليون، نصفهم تقريباً في القدس الشرقية.

والقدس يقطنها 320 ألف فلسطيني، وسط مخاوف من تقلص أعداد المقدسيين إلى مائة ألف بسبب سياسة الطرد الصامت والتطهير العرقي الممارسة بحقهم. في النتيجة، سيتحول هؤلاء إلى جالية صغيرة، أو لاجئين داخل القدس، بعد تنفيذ المشاريع الاستيطانية. وفي هذا الصدد، يعتبر مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، زياد الحموري، أن واقعاً كهذا تفرضه سلطات الاحتلال، سيقضي على آمال الفلسطينيين إلى الأبد بأن تكون القدس عاصمة لدولة فلسطينية.

وتواصل سلطات الاحتلال سياسة نهب الأراضي في القدس والضفة الغربية وهدم المنازل. وتطلق يد المستوطنين في ما تبقى من أراض للفلسطينيين، ليقيموا لهم كياناً متطرفاً خاصاً بهم. ويحصل كل ذلك بدعم ورعاية رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو ووزراء آخرين ونواب في الكنيست الإسرائيلي ومنهم من يقيم فعلاً في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة.

وفي انعكاس هذا الواقع على المقدسيين، يشير الحموري في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى التصعيد الإسرائيلي بشأن سياسة سحب حقوق الإقامة من المقدسيين خلال العام الماضي، ومنذ مطلع العام الجاري حتى الآن. ويوضح أن العشرات من العائلات المقدسية فقدت، بكاملها، حق الإقامة في مدينتها. وبالتالي أسقطت عن المقدسيين حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، كما يقول الحموري، الذي يشير إلى فقدان نحو 200 عائلة منذ مطلع العام الجاري حقها في السكن والإيواء والتشغيل، بعد هدم منازلها ومنشآتها الاقتصادية. ويضيف أنه في المقابل، تم ضخ مئات الملايين من الشواقل (العملة الإسرائيلية) على تعزيز المستوطنات اليهودية في القدس والضفة، وبناء مستوطنات جديدة، وتمكين جمعيات الاستيطان من السيطرة على مزيد من عقارات المقدسيين، ومدهم بالحوافز المالية والتشغيلية.

على المستوى الاقتصادي، تبدو الصورة أكثر قتامة وانحداراً، كما يقول أمين سر الغرفة التجارية في القدس لـ"العربي الجديد"، حجازي الرشق، الذي حذر من تدهور إضافي في أوضاع التجار المقدسيين، ما إن ينتهي الإسرائيليون من تنفيذ مخطط وجه القدس. ذلك أن هذا المشروع سيسلب تجار البلدة القديمة من المقدسيين ما تبقى من فرص عمل لهم، لا سيما في قطاع السياحة الذي يهيمن الاحتلال عليه. وتعرضت السياحة خلال السنتين الأخيرتين إلى نكسة كبيرة بفعل الأوضاع الأمنية السائدة، وبطش دوائر ضريبة الاحتلال بالتجار الفلسطينيين وملاحقتهم. ويشير الرشق إلى زيادة في أعداد المحال التجارية التي أغلقها أصحابها بفعل إجراءات الاحتلال وما تسببه من ركود تجاري. وقد أقفل حتى الآن أكثر من 300 محل داخل أسوار البلدة القديمة من القدس.

كذلك، يتخوف الفلسطينيون من أن تؤدي المخططات الاستيطانية إلى فرض مزيد من القيود على حرية العبادة، كما يقول مفتي القدس والديار الفلسطينية، الشيخ محمد حسين، لـ"العربي الجديد". ويرى أنه لا يمكن عزل ما يجري حول القدس والضفة من تلك المشاريع الاستيطانية عن الأوضاع في المسجد الأقصى، حيث يشتد الحصار عليه وتتضاعف الأخطار المحدقة به والمشاريع الاستيطانية التي ستقام حوله، في وقت باتت تنادي فيه جماعات متطرفة علناً بنيتها هدم الأقصى، وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه.