معركة الحسم في "نداء تونس": هل يُستبعد "السبسي الابن"؟

05 أكتوبر 2016
ابتعد السبسي الأب عن خلافات نجله الحزبية(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
تبدو الصراعات الدائرة في حزب نداء تونس غريبة على البعض وغير مفهومة بالنسبة إلى البعض الآخر، إلا أنه يمكن للمتمعن في فصول هذا الحزب، الذي أسسه الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي قبل أن يستقيل منه بعد فوزه بالرئاسة، العودة تحديداً إلى ما قبل انتخابات 2014 عندما بدأت صراعات هذا الحزب تظهر للعيان. يومها بدأت التطورات تبرز جوانب من خلل الحزب التأسيسي وتناقضاته الداخلية، وتكشف أن أسباب صراعاته، التي لم تنته منذ تلك الفترة، ليست بالضرورة أسباباً فكرية أو سياسية بقدر ما هي شخصية، وأن الصراع الحقيقي هو في الواقع صراع مواقع، وحرب على إدارة الحزب والبلاد.

اعتقد كثر تجمعوا حول السبسي في مواجهة حركة النهضة أولاً، ثم الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي ثانياً، أن الأسس الفكرية لمشروع حزب "النداء" واضحة المعالم، وتقوم على أساس استرجاع الدولة في مواجهة اللادولة والفوضى (وهو خطاب السبسي الانتخابي)، والمحافظة على فكرة الدولة المدنية الحداثية البورقيبية (نسبة إلى الرئيس السابق الحبيب بورقيبة)، ضد مشروع رجعي يهدد هذه القيم (نفس الخطاب)، ويدعو إلى المصالحة الشاملة بدل الانتقام. وتجمعت حول السبسي شخصيات وتيارات يسارية ووسطية وكوادر من الدولة وعدد من الحقوقيين، بالإضافة إلى كوادر وقواعد من الحزب القديم (التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل). ونجح السبسي، في ظرف زمني وجيز، في هزم منافسيه والفوز بأغلبية مقاعد البرلمان الجديد، وبكرسي الرئاسة.



سرعان ما بدأت أولى المعارك عشية تشكيل الحكومة الأولى بإبعاد اليساريين والنقابيين من الحزب بسبب رفضهم التحالف مع حركة النهضة. وانطلقت سلسلة "تصفية" هؤلاء تحت شعار تنقية الحزب من الراديكاليين. وترافقت مع دعوات من "النداء" والنهضة تنادي بإبعاد المتشددين والإقصائيين من هذا الحزب وذاك، والالتقاء يوماً ما حول الروافد المشتركة، والجدّ الواحد (في إشارة إلى الشيخ عبد العزيز الثعالبي)، وقُدمت نظريات في ذلك، تبرر التقارب الذي فاجأ الجميع.
كما أن كثرا يتناسون، أن فصلاً صغيراً من معركة اليوم العاصفة ولد قبل الانتخابات التشريعية، عندما طالبت قيادات من نداء تونس، باستبعاد السبسي الابن، حافظ، من قائمة المترشحين للبرلمان عن قائمة تونس العاصمة. يومها رضخ السبسي الأب لتلك الدعوات وطلب من نجله الانسحاب، وهو ما تم بالفعل.

لكن الباجي قائد السبسي أكد بعد ذلك أنه لم يعد قادراً على "ظلم ابنه مرة ثانية"، وذلك عندما بدأت مشاكل "النداء" في التمحور حول حافظ والتيار الذي ينتمي إليه أو يقوده (كان هناك خلاف حول التوصيف وقتها). وأعلن الرئيس التونسي أنه لن يتدخل مستقبلاً في مشاكل الحزب، لينأى بمؤسسة الرئاسة عن هذه التجاذبات.
وأصبح حافظ، وهو من مؤسسي الحزب الفعليين، يقود هذه الحرب بنفسه، خصوصاً في آخر فصوله التي قد تنتهي بسيطرته نهائياً على الحزب، أو بإبعاده عن القيادة في انتظار حسم المؤتمر الأول الذي لم ينعقد إلى اليوم.

ولم تنتهِ مشاكل "النداء" بانشطاره وتشظيه إلى حزبين وكتلتين، وخسارته موقع الأغلبية في البرلمان بعدما تأسس حزب مشروع تونس على يد محسن مرزوق، واحد من أكثر المقربين من السبسي الأب، إذ شغل منصب مدير حملته الرئاسية ومن ثم مدير ديوانه الرئاسي.
وتواصلت الأزمات بنفس النسق، بعدما تم استبعاد ثاني مدير لديوان السبسي الرئاسي، رضا بلحاج، وتحول بدوره إلى ألدّ خصوم حافظ، بعدما كانا في نفس الخندق ضد مرزوق. ويبدو أن الحزب يسير بثبات نحو انقسام ثانٍ في إدارته السياسية وفي كتلته النيابية.

يقول خصوم السبسي الابن، إن المشروع بات واضحاً، إذ يريد حافظ، بحسب اعتقادهم، أن يعين رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد على رأس الحزب، ليتولى هو إدارته الفعلية، بسبب انشغال الشاهد بحكومته. كما يتهمونه بأنه يحجّم الدور المتصاعد للكتلة البرلمانية للحزب، وبأنه يسعى إلى تغيير رئيسها سفيان طوبال، ويسيطر نهائياً على الحزب. وهو ما يدفع هؤلاء إلى التفكير في إبعاده من مسؤولية المدير التنفيذي للحزب.
وفي السياق التقت كوادر معارضة لحافظ، نهاية الأسبوع الماضي، في اجتماعات لم يعلن عنها سابقاً. ويؤكد مشاركون فيها لـ"العربي الجديد" أن ساعة الحسم قد حانت، وأنه ينبغي مواجهة الحقيقة التي تم تأجيلها أكثر من مرة، وهو ما يعني من وجهة نظرهم ابعاد المتسبب في كل أزمات الحزب المتلاحقة، أي حافظ قائد السبسي.

ويأتي رد فعل المعترضين على خلفية اجتماع السبت الماضي الذي أراده حافظ لإعادة انتخاب رئيس جديد للكتلة البرلمانية للحزب، ووافق معارضوه على إعادة الانتخاب ثانية بعدما كانت الانتخابات قد تمت في مرحلة أولى وأقرت طوبال رئيساً. لكن حافظ لم يكن يملك أغلبية بين النواب، فسعى مناصروه إلى الغاء الاجتماع ودعوا إلى تأجيله. وحدثت حالة من الفوضى وتبادل تهم قادت إلى نفاد صبر معارضيه وشروعهم في الاستعداد لإبعاده.

وانعقد يوم الأحد اجتماع علني في صفاقس، ضم عدداً من قيادات "النداء"، وكوادر الحزب من محافظات مدنين، وتطاوين، وقابس. كما حضر الاجتماع عدد هام من نواب الحركة بالبرلمان. واتفقوا على الغاء خطة (منصب) المدير التنفيذي للحزب، التي يشغلها حافظ، وتشكيل هيئة تسييرية توافقية تعيد الحياة لـ"النداء" وتشرع في الاعداد للمؤتمر.
واعتبر القيادي خميس قسيلة، الذي شارك في الاجتماع، أن "الغاء خطة المدير التنفيذي، الذي أصبح مسيطراً ومهيمناً، عن طريق مناورات خسيسة يقوم بها ضد الحزب، أصبح أمراً ضرورياً"، على حد قوله.
ويذكّر المعترضون بأن حافظ قائد السبسي كان وراء إبعاد رئيس البرلمان محمد الناصر من الحزب، ووراء إبعاد الحبيب الصيد من الحكومة، ووراء أزمة رضا بلحاج. ويتهمونه بأنه يتسبب اليوم في هذه الأزمة الجديدة، ما لا يترك أمامهم من خيار إلا استبعاده لإنقاذ الحزب، بحسب رأيهم.
وفي السياق، تكشف مصادر من "النداء" محسوبة على الفريق المعارض لحافظ قائد السبسي، في حديث إلى "العربي الجديد"، عن توجه لعقد اجتماعات في كل الولايات بهدف توفير قاعدة شعبية لتحركها وحشد رأي عام داخل الحزب يؤيد توجهها استبعاد حافظ. لكن الأخير يملك مؤيدين داخل الكتلة البرلمانية وفي الولايات ما سيجعل ابعاده أمراً صعباً، ويهدد بانقسام الحزب والكتلة مرة ثانية. من جهتها، تؤكد مصادر نيابية أن الكتلة ستشهد موجة من الاستقالات في الأيام المقبلة.
وسواء انتصر حافظ قائد السبسي في معركته أو انهزم أمام معارضيه، فإن النتيجة الحتمية ستكون إضعاف الحزب، وتراجع كتلته، وسقوط كل الأسباب التي كانت وراء نجاح الانتخابات الماضية.
ويخشى مراقبون من أن يتم تصدير هذه الأزمة إلى رئاسات الدولة الثلاث (الحكومة والبرلمان ورئاسة الجمهورية) التي يسيطر عليها "النداء"، وأن تتعطل العلاقة بينها بسبب تأييد هذا الطرف أو ذاك، مثلما حصل في الأزمات السابقة، إذ تم استبعاد الناصر من الحزب، والصيد من الحكومة، وفترت العلاقة بين المؤسسات الثلاث بسبب مشاكل حزب نداء تونس.