"القطب" التركي في عصر "القوة الخشنة" يتمدّد إلى الصومال

22 يناير 2016
تصنيع أول سلاح "لايزر" تركي بقوة 20 كيلوواطاً(كايهان أوزير/الأناضول)
+ الخط -
بعد الصعود الكبير الذي شهده الاقتصاد التركي خلال العقد الأخير، بدأت السياسة الخارجية التركية بتغيير استراتيجيتها في التوسع، من استخدام القوة الناعمة ممثلة بالاتفاقيات الاقتصادية وفتح السفارات في مختلف الدول في العالم، مترافقة مع فتح المدارس التركية وتقديم المنح الجامعية، إلى "القوة الخشنة" ممثلة بفتح القواعد العسكرية التي تترافق مع نمو كبير في الصناعات الدفاعية التركية.

اقرأ أيضاً: تركيا تدخل حرب التسلّح: جيش قوي وتصدير خارجي

وتتطور تركيا لتصبح النموذج الأمثل على المستوى الإقليمي في التحول إلى "دولة قطب"؛ ففي التقييم الجيوسياسي لأية دولة، يبقى العنصر الأهم هو قدرة الدولة على إنتاج عناصر القوة المسلحة ذاتياً، وإيجاد أسواق لهذه الصناعات، وليس في امتلاكها فحسب، الأمر الذي يشكل أحد الفوارق الأساسية بين الدولة "التابعة" المحكومة في سياساتها وفي استخدامها للقوة، وبين الدولة "المتبوعة" القادرة على إملاء الخيارات وتحديد الاتجاهات.
وفي هذا السياق، بدأت أنقرة بتوسيع تواجدها العسكري في المنطقة، الأمر الذي تمت ترجمته عملياً بمحورين: الأول برفع قدراتها في الصناعات الدفاعية، أما الثاني فكان على مستوى بناء القواعد العسكرية.

وبعدما كان إقليم كردستان العراق الوحيد الذي شهد تواجد قواعد عسكرية تركية مبكراً خلال نهاية التسعينيات، شهدت الأشهر الأخيرة ظهور قواعد عسكرية في عدد من الأماكن الأخرى، فكانت القاعدة العسكرية التركية في قطر أول عودة للتواجد التركي في منطقة الخليج العربي بعد ما يقارب المائة عام من الغياب، إثر هزيمة الحرب العالمية الأولى. وتلتها القاعدة العسكرية التركية في شمال العراق، وتحديداً في منطقة بعشيقة في محافظة الموصل، رغم رفض بغداد لها. ثم جاء الإعلان أخيراً عن القاعدة العسكرية في الصومال قرب خليج عدن الاستراتيجي. تضاف هذه القواعد العسكرية إلى التواجد التركي في سورية، ممثلاً بمجموعة من فصائل المعارضة السورية، المدعومة من قبل أنقرة في محافظة حلب.

وتحظى القاعدة العسكرية في الصومال بموقع استراتيجي، إذ إنها تُشرف على حركة مرور السفن التجارية في مضيق باب المندب، والطرق المؤدية إلى كل من إثيوبيا وكينيا وإريتريا في القرن الأفريقي، إضافة إلى قربها من الفرص الاستثمارية العالية في الصومال، التي تمتلك 80 مليون هكتار من الأراضي الزراعية غير المستخدمة، بسبب سوء وضع القوات الأمنية الصومالية.

وجاء افتتاح هذه القاعدة في إطار سياسة الانفتاح التركي على الدول الأفريقية التي بدأت عام 2011 إثر التوتر الذي رافق العلاقات الفرنسية التركية، في فترة حكم الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي. وأيضاً بغرض مواجهة محاولات التمدد الإيراني في خليج عدن عبر مليشيات الحوثي (أنصار الله) وقوات الرئيس المخلوع، علي عبد الله الصالح.

ويرتقب أن تبدأ القاعدة التركية في الصومال بالعمل الصيف المقبل. ويتوقع أن تضم حوالى 200 عسكري تركي يقومون بتدريب القوات الحكومية الصومالية لمواجهة حركة "الشباب" الصومالية التابعة لتنظيم "القاعدة"؛ الأمر الذي تم إقراره من قبل لجنة الدفاع في البرلمان التركي.

في هذه الأثناء، ظهر الاتفاق التركي القطري الذي حصل في نهاية عام 2014 حول تعزيز التعاون الدفاعي بين البلدين شديد الأهمية بالنسبة لأنقرة، التي تعتبر أن الدوحة تأتي في مقدّمة الحلفاء في المنطقة.

ويقول مصدر مطلع إن "بناء هذه القواعد ليس فقط لتعزيز التعاون، ولكن لتجريب الأسلحة التركية الجديدة الخفيفة والمتوسطة في مختلف الظروف الجغرافية والجوية، ولفتح أسواق جديدة لهذه الأسلحة، إذ بدأنا بخطواتنا في هذه الاتجاه في الشرق الأوسط وأفريقيا، مع الدول التي نمتلك معها علاقات تعاون عالية المستوى كقطر والصومال، إضافة إلى التعاون مع السعودية التي تعتبر من أهم أسواق الأسلحة التركية".

وبحسب الخطط التركية، فإن أنقرة تسعى للوصول إلى الاكتفاء الذاتي في ما يخص الصناعات الدفاعية بشكل كامل، مع مئوية تأسيس الجمهورية التركية عام 2023.

 وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ذلك في أكثر من مناسبة، كان آخرها، في مايو/أيار الماضي، في كلمته التي ألقاها خلال افتتاحه معرض المنتجات العسكرية "IDEF – 2015" في إسطنبول. وقال حينها: "حين وصلنا للحكم عام 2002، بلغ اعتماد تركيا على المعدات العسكرية المستوردة 80 في المائة، والآن ننتج بأنفسنا 54 في المائة منها، لكن هدفنا بحلول عام 2023 أن نتخلص بشكل كامل من استيراد الصناعات العسكرية". وأضاف أن "القوة الإنتاجية للصناعات الدفاعية التركية تجاوزت 5 مليارات دولار، ونخصّص كل عام مليار دولار من الميزانية للبحوث العلمية التقنية، وأصبحت الصناعات الدفاعية التركية أحد المجالات التي لها أولوية في اقتصادنا".


وأنتجت الصناعة العسكرية التركية، عام 2015،  أسلحة بقيمة 4.3 مليارات دولار صدَّرت منها 1.3 مليار، وذلك بارتفاع نسبته 35 في المائة مقارنة بالعام السابق، وتخطط تركيا لرفع قيمة صادراتها العسكرية لملياري دولار عام 2016، لتقفز من المرتبة الـ15 إلى العاشرة عالميا لجهة التصدير العسكري عام 2023 بما يقارب الـ25 مليار دولار.

أما عن وجهة صادرات السلاح التركي، فتتربع الولايات المتحدة على رأس الدول المستوردة للسلاح التركي بنسبة 39 في المائة، وتشمل أجزاء طائرات ومروحيات وبرامج ومعدات الحرب الإلكترونية، تليها السعودية بحصة وقدرها 9.2 في المائة، ثم الإمارات والبحرين والعراق وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا ورواندا.
وعلى مستوى الصناعات الدفاعية الجوية، تصنع أنقرة الآن مروحيات مقاتلة من نوع "تي 129 أتاك" بشكل كامل، وهي تطوير لمروحية "إيه 129" الإيطالية، وكذلك طائرات بدون طيار من نوع "عنقاء بلوك ب"، بينما يتم العمل على مشروع صناعة طائرات مقاتلة تركية من "إف إكس 1"، إضافة إلى طائرات "حُركوش" التدريبية المتوقع أن تدخل الخدمة في الجيش التركي بحلول عام 2017.

وعلى صعيد الصناعات البحرية، تمكّنت تركيا من إنتاج أول سفينة حربية تركية بالكامل باسم "كورفيت ميلغم"، بكلفة بلغت 260 مليون دولار، بينما يتم شراء مثيلاتها من السفن الأميركية "LCS-1" بخمسمائة مليون دولار على الأقل. وقد أبدت عدة دول الاهتمام بالمشروع من بينها باكستان، التي يتوقع أن تشتري بحسب مصادر تركية، 4 سفن من هذا النوع، سيتم تجميع 3 منها محلياً.  

كما تم إنتاج أول سفينة برمائية تركية من نوع بيرقدار بطول 139 مترا وعرض 120 مترا، بحمولة قدرها 1200 طن، تشمل مركبات مختلفة من دبابات وعربات مدرعة وحوامات، ويمكنها الصمود في البحر لمدة 30 يوماً، وقطع نحو 5 آلاف ميل بحري، دون أن تحتاج لإمدادات في الطاقة. ويتكون طاقمها من 486 فرداً، كذلك يجري العمل على تصنيع طرادات (بحرية) شبح من طراز "آدا".


وعلى صعيد الصناعات الخاصة بالقوات البرية، وفيما تعمل على تطوير نظام الدفاع الصاروخي الخاص بها، بدأت أنقرة بإنتاج "الهاوتزر" التركي "فيرتينا"، ويبلغ مداه أكثر من 40 كيلومترا، إضافة إلى المدرعة "أرما"، وهي مدرعة برمائية متعددة الاستخدامات، مزودة بحماية ضدّ الألغام والانفجارات. ويمكن تزويدها بأسلحة متوسطة أو ثقيلة، وذلك بينما بدأت عمليات تجريب الدبابة التركية "ألتاي" في كل من شرق التركية خلال الثلوج، وأيضاً في قطر في ظروف صحراوية.

ويعد جهاز التشويش الأرضي (كورال) أحدث إضافة إلى معدات الحرب الإلكترونية التركية، ويبلغ مداه 150 كيلومتراً، وتم تصميمه لخداع وتشويش أية أجهزة رادار معادية، سواء كانت أرضية أو بحرية أو جوية.
كما بدأ الجيش التركي باستخدام سلاح المشاة MPT-76  (سلاح المشاة القومي) محلي الصنع، يبلغ وزنه 4.1 كيلوغرامات، ويصل تأثيره لمدى 600 متر، وتبلغ سرعته 650 طلقة في الدقيقة الواحدة.
وتم تصنيع أول سلاح "لايزر" تركي بقوة 20 كيلوواطاً. ويعمل على صد التهديدات الآتية من البحر أو الجو أو البر عن طريق إرسال شعاع من "الليزر". وتقرّر تثبيت هذا السلاح على السفن الحربية التابعة للقوات المسلحة التركية.

اقرأ أيضاً: 1.47 مليار دولار حجم الصادرات العسكرية التركية بنهاية نوفمبر