نتنياهو يفقد سحر فهم أميركا واللوبي الصهيوني يتهمه بالفشل

05 سبتمبر 2015
تحوّل في علاقة نتنياهو باللوبي الصهيوني (فرانس برس)
+ الخط -


 
لم تعرف السياسة الإسرائيلية في العقود الثلاثة الأخيرة، سياسياً ادّعى معرفته المطلقة وفهمه العميق لديناميكية السياسة الأميركية، وسبر غور دهاليزها وتوجهاتها مثل رئيس الحكومة الحالي، بنيامين نتنياهو. وقد بنى نتنياهو مجداً لسنين طويلة على الفترة التي عاشها في الولايات المتحدة، في شبابه مع عائلته، وعلى فترة خدمته مندوباً لإسرائيل في الولايات المتحدة.

كذلك شكّل انتصاره الأول على شيمون بيريز، في انتخابات الكنيست لعام 1995 بمساعدة المستشار الأميركي أرثر فنكلشتاين، خطوة أولى باتجاه "أمركة" السياسة الحزبية الإسرائيلية، المُطعّمة ببلاغة خطابية باللغة الإنجليزية باللكنة الأميركية، والتي أثبتت تفوّقها ولاقت استحساناً عند الإسرائيليين، فاق استحسانهم في السبعينيات لبلاغة وخطابة كل من أبا إيبان، وحاييم هرتسوغ بلكنتهما البريطانية. لكن كل هذا بات الآن على ما يبدو "في خبر كان"، خصوصاً بعد نجاح الرئيس الأميركي باراك أوباما، في تجنيد أغلبية داخل الكونغرس تسمح بتمرير الاتفاق النووي.

ولعلّ ما يمكن اعتباره من أوائل دلالات خسارة نتنياهو للولايات المتحدة، هو ما نشره موقع "والا" الإسرائيلي، يوم الخميس، على لسان كبار ناشطي اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، والذين حمّلوا نتنياهو دون غيره، مسؤولية فشل الجمهوريين في القدرة على إحباط الاتفاق النووي مع إيران. ووفقاً للموقع المذكور فإن كبار نشطاء اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة حدّدوا خطاب نتنياهو أمام الكونغرس، في شهر مارس/آذار الماضي، رغماً عن أوباما ومعارضته للخطاب، باعتباره نقطة التحول التي غيرت مجرى النقاش في الولايات المتحدة.

ومنح الخطاب أوباما سلاحاً في وجه الجمهوريين، عززه جيش من الخبراء في مجال أسلحة الدمار الشامل والحدّ من انتشاره، والخبراء في القانون الدولي، ممن مثلوا أمام لجنة الخارجية التابعة لمجلس النواب الأميركي. أكد الخبراء صدق موقف أوباما بأن الاتفاق جيد ويفي بغرض منع إيران من الوصول إلى القنبلة النووية، في ظلّ غياب أي بديل فعلي من المعارضين للاتفاق.

اقرأ أيضاً: دعوة لصياغة اتفاق أميركي إسرائيلي "موازٍ" للاتفاق النووي

ويُشكل هذا الخروج من قبل اللوبي الصهيوني الأميركي، ضد نتنياهو عملياً، نقطة تحوّل في علاقة رئيس الحكومة الإسرائيلية بالسياسة الأميركية عموماً، وباللوبي الصهيوني خصوصاً. ويكتسب هذا الأمر أهمية، في ظلّ ما نقله الموقع عن مسؤول رفيع المستوى في هذا اللوبي، قال إن "خطاب نتنياهو المذكور أحبط كل محاولات إفشال الاتفاق في الكونغرس، في اللحظة التي تحوّل فيها النقاش من نقاش حول الاتفاق إلى نقاش داخلي بين الجمهوريين والديمقراطيين، مما أضعف كلياً فرص انضمام أعضاء الكونغرس الديمقراطيين لتحرك بات في نظرهم موجهاً أساساً ضد رئيس حزبهم".

وأضاف المسؤول أنه "قد جعل هذا التوجّه من مهمة تجنيد تأييد 13 سيناتوراً من الحزب الديمقراطي للتصويت ضد الاتفاق، أو ضد الفيتو الرئاسي، والذي أعلن أوباما أنه سيستخدمه في حال أحبط الكونغرس الاتفاق، مهمة مستحيلة".

ولعلّ ما يُسجّل أيضاً بحسب مسؤولي اللوبي الصهيوني الذين تحدثوا مع موقع "والا"، ضد نتنياهو، هو اعتراف هؤلاء بالغضب الذي أثارته سياسته وتوجهه إلى اليهود الأميركيين بحسم خيارهم بالاختيار بين رئيسهم وبين إسرائيل.

ولا يترك الموقع مجالاً للشكّ بأن هذه المواقف نابعة ليس فقط عن أنصار ونشطاء اللوبي الصهيوني، بل تحديداً بين من يعارضون الاتفاق النووي مع إيران. ويعتقد المعارضون أنه "كان يجب على نتنياهو إدارة المعركة بأسلوب آخر، تحديداً بعد موافقته على إلقاء خطابه في مارس، من دون التشاور مع قادة أيباك". بالتالي لم يتحرّك هؤلاء عندما أعلن أعضاء من الكونغرس عزمهم مقاطعة خطاب نتنياهو، لتغيير موقفهم أو التأثير عليهم. وهو ما اعتُبر سلوكاً نادراً لم يسبق له مثيل من جهة تعمل بشكل تلقائي لدعم مواقف إسرائيل ورؤساء حكوماتها، وهي الجهة التي يحظى نتنياهو أساساً أكثر من غيره بتأييد كبير فيها.

ليس هذا فحسب، بل إن نتنياهو عانى أيضاً من رفض أعضاء الكونغرس الجمهوريين، والذين حاولوا بعد يومين من الخطاب الذي ألقاه في 3 مارس/آذار، حشد الكونغرس لفرض عقوبات جديدة وإضافية على إيران، لكنهم واجهوا غضباً وشكاوى من قبل نظرائهم الديمقراطيين الذين كانوا مؤيدون لموقفهم. واتهموهم بعد خطاب نتنياهو، بأنهم يفضلون مصلحتهم الحزبية على مصلحة الأمن القومي الأميركي، وهو ما شكل صدعاً في الجبهة الأميركية المعارضة للاتفاق النووي، تمكن أوباما من خلالها من إحداث ثغرات متتالية فيها.

وإذا كان موقع "والا" يعتمد على تصريحات أعضاء الكونغرس ونشطاء اللوبي الصهيوني المناصر لإسرائيل في تحميل نتنياهو مسؤولية الفشل في معارضة الاتفاق في الكونغرس، فإن الكاتب باراك رافيد في صحيفة "هآرتس"، يُحمّل نتنياهو المسؤولية كذلك.

ويرى رافيد أن "نتنياهو ورجاله في واشنطن فقدوا القدرة على فهم ديناميكية السياسة الأميركية الداخلية، وتمييز توجهاتها الحديثة في عهد أوباما". ويعتبر أن "هذا الفشل يُضاف إلى الهزيمة التي لحقت بنتنياهو في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2012، عندما نشط ضد إعادة انتخاب أوباما لولاية ثانية، وأوعز إلى سفيره في واشنطن رون دريمر تأييد المرشح الجمهوري ميت رومني".

ويشير رافيد إلى أن "هذا الأمر يؤكد أن حسابات نتنياهو، والذي أكد في الأسابيع الأخيرة، لوزراء الكابينيت الإسرائيلي (مجلس الوزراء المصغّر)، ولكل من تم الاتصال به، بأن المعركة ستحسم في الكونغرس لصالح موقفه، كانت في المحصلة خاطئة كلياً، وهذا ما يُفسّر عملياً خوضه معركة محكومة بالفشل المسبق، وهي ليست المرة الأولى التي يقع فيها نتنياهو في مثل هذه المطبات".

ويلفت رافيد في هذا السياق إلى المقولة التي اعتاد نتنياهو تردادها منذ أن عاد للسلطة عام 2009، رداً على كل من يسعى لإسداء نصيحة له بشأن العلاقة مع الولايات المتحدة "اتركوا أمر الولايات المتحدة لي". ويقول رافيد "يعتقد نتنياهو أنه الخبير الأول بالشؤون الأميركية، إلا أن أميركا التي يعرفها لم تعد قائمة".

ومع أن رافيد يتفق مع اتهامات أنصار اللوبي الصهيوني، بأن نتنياهو حوّل الملف الإيراني إلى قضية حزبية داخلية، مما أدّى إلى فشله، إلا أنه يشير في النهاية، إلى أن "نتنياهو سيحاول الآن الرهان على الرأي العام الأميركي. وسيسعى في الأسابيع القريبة إلى تكثيف اللقاءات والمقابلات مع وسائل الإعلام الأميركية، لترسيخ فكرة عدم تأييد غالبية الجمهور الأميركي للاتفاق، وأن أوباما لا يملك شرعية حقيقية، وبالتالي سينهار الاتفاق بعد أن يغادر أوباما البيت الأبيض".

اقرأ أيضاً: أبرز قادة الإرهاب الصهيوني الديني... أميركيّون
المساهمون