قبل ستة أشهر تحديداً، بدأ التدخل العربي في اليمن مع إطلاق "عاصفة الحزم"، بقيادة السعودية، عقب رسالة بعث بها الرئيس اليمني، إلى الملك السعودي، سلمان بن عبدالعزيز، يطلب فيها تدخلاً عسكرياً لحماية السلطة الشرعية بعد اقتراب الحوثيين والموالين للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، من مدينة عدن، العاصمة المؤقتة، كما أطلق عليها الرئيس، بعد تمكنه من كسر الإقامة الجبرية في صنعاء ومغادرتها إلى عدن، 21 فبراير/شباط الماضي، قبل أن يعمد هادي إلى مغادرتها متوجهاً إلى الرياض عن طريق مسقط قبيل ساعات من انطلاق "عاصفة الحزم".
أقرأ أيضاً: 6 أشهر على عمليات التحالف في اليمن
استمرت عمليات "عاصفة الحزم" حتى 21 أبريل/نيسان (27 يوماً)، بعدما أعلنت قوات التحالف أنها حققت أهدافها بضرب الصواريخ الباليستية وتدمير الجزء الأكبر من الترسانة العسكرية للحوثيين والقوات الموالية لصالح، وكانت الضربات خلال هذه الفترة تركز على قواعد الصواريخ ومخازن الأسلحة في صنعاء ومحيطها، بالإضافة إلى القوات المرابطة في عدن ومحيطها والمعسكرات الخاضعة لنفوذ الحوثيين وصالح في مختلف المحافظات، باستثناء المنطقتين الأولى والثانية، في حضرموت، وجزء من المنطقة الثالثة في مأرب، والتي أعلنت فيها القوات تأييدها للشرعية. كذلك نجح التحالف بتدمير القوات الجوية وسيطر على الأجواء اليمنية والمنافذ البحرية منذ اليوم الأول للعمليات.
واصلت قوات التحالف ضرباتها الجوية تحت مسمى جديد وهو "إعادة الأمل"، وهي المرحلة الثانية من عمليات التحالف، والتي كان من المقرر أن تركز على التحركات العسكرية وتتضمن شقاً سياسياً، إلا أنها مرّت بالعديد من المراحل التي جعلتها تشتد أحياناً. بعد هجوم الحوثيين على الحدود السعودية، في مايو/أيار الماضي، بدأ التحالف موجة عنيفة من الغارات، انتقلت فيها الأهداف من المواقع العسكرية إلى منازل القيادات، وجرى استهداف منازل العشرات من قيادات الحوثيين والموالين لصالح، كذلك تم استهداف منازل الرئيس المخلوع وأقاربه في صنعاء ومحيطها أكثر من مرة.
على صعيد المواجهات البرية، دعمت قوات التحالف "المقاومة الشعبية" التي تصاعد نشاطها أثناء الحرب، وتكونت جبهات رئيسية عدة لقتال المليشيات بشكل المباشر، أولها في عدن، والتي بدأت بمقاومة الحوثيين منذ تقدمهم نحو المدينة، بالإضافة إلى المحافظات الجنوبية الأخرى، لحج، الضالع، أبين، شبوة. وشمالاً كانت تعز أبرز الجبهات التي اشتعلت ضد الحوثيين. وسيطرت "المقاومة" على أجزاء كبيرة من المدينة، بالإضافة إلى محافظة مأرب، والتي تحتشد فيها قوات موالية للشرعية وقبائل منعت تقدم الحوثيين منذ توسعهم في العديد من المحافظات العام الماضي.
وشهد شهر مايو/أيار هدنة هشة لمدة خمسة أيام بالتزامن مع تحضيرات "مؤتمر الرياض"، امتدت بين 12 و17 من الشهر نفسه، وكان من المتوقع تمديدها إلا أن ذلك فشل، فيما انعقد مؤتمر الرياض برعاية دول مجلس التعاون الخليجي في الفترة 17 وحتى الـ19 من الشهر نفسه. وكان من المتوقع أن يكون المؤتمر المنعطف الذي يعيد العملية السياسية، إلا أنه انعقد بحضور القوى المؤيدة للشرعية وغياب الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يترأسه صالح، وخرج بإعلان التأييد لـ"المقاومة الشعبية" والتأكيد على تحرير مختلف المدن، وغير ذلك من المقررات.
أما في 25 أبريل/نيسان، فقد عيّنت الأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ أحمد مبعوثاً خاصاً للأمين العام إلى اليمن خلفاً لجمال بنعمر، من دون أن تكون مهمة المبعوث الجديد أقل تعقيداً.
قام إسماعيل ولد الشيخ أحمد بزيارات عدة إلى صنعاء والرياض للقاء الأطراف المعنية بالأزمة، والتي وافقت على التحاور برعاية الأمم المتحدة في جنيف بتاريخ 28 مايو/أيار، وفشل الموعد بعد تقديم الحكومة شروطاً ليتم تمديد انعقاده إلى 15 يونيو/حزيران، لكنه فشل هو الآخر، بتحقيق أي تقدم، وعوضاً عن ذلك اشتدت المواجهات في مختلف الجبهات إلى أن حدث تحول جديد في مسار الحرب في يونيو/حزيران.
اقرأ أيضاً: صنعاء... بداية الانقلاب وخاتمته في ذكراه السنوية الأولى
التدخل البري
في يونيو أرسل التحالف قوة محدودة إماراتية إلى مدينة عدن، لمساندة "المقاومة" في معركة الحسم لتحرير المدينة التي كانت أولوية بالنسبة للتحالف لإعادة الحكومة الشرعية إليها. وفي يوليو/تموز، بدأت القوات الإماراتية بتحرك منظم جنباً إلى جنب مع قوات "المقاومة" والجيش الموالي لهادي ضمن ما أطلق عليه عملية "السهم الذهبي"، وفي الـ17 من الشهر نفسه، أعلنت الحكومة رسمياً مدينة عدن، محررة بالكامل، واستمر التقدم إلى محافظتي لحج وأبين اللتين تعدان الطريق إلى عدن. وفي أوائل أغسطس/آب، أعلنت القوات الموالية للشرعية السيطرة على قاعدة "العند" الاستراتيجية. أما في العاشر من نفس الشهر فقد تم إعلان تحرير محافظة أبين، (مسقط رأس هادي)، وفي الـ15 من نفس الشهر، انسحب الحوثيون والقوات الموالية لصالح من محافظة شبوة، وبذلك أصبحت المحافظات الجنوبية عملياً محررة من الحوثيين وحلفائهم باستثناء مناطق محدودة بالحدود مع المحافظات الأخرى، وتحديداً، "مكيراس" (حدود أبين البيضاء)، و"كرش" (حدود تعز لحج)، و"بيحان" (حدود مأرب شبوة).
تعزيزات إلى مأرب
في أواخر أغسطس/ آب، بدأت قوات يمنية تدربت في محافظة شرورة السعودية إلى جانب قوات من التحالف، خصوصاً من الإمارات، بالتوافد إلى البلاد عبر منفذ الوديعة الحدودي بين اليمن والسعودية، استعداداً لمعركة حاسمة في أول محافظة شمالية تحتل أهمية استراتيجية وهي المدخل الشرقي لصنعاء. وتتألف التعزيزات من مئات العربات المدرعة ومختلف التجهيزات العسكرية من مدافع ودبابات وصولاً إلى مروحيات "الأباتشي" الهجومية المتخصصة بالمعارك البرية.
في الرابع من سبتمبر/أيلول، وجّه الحوثيون والقوات المتحالفة معهم ضربة للتحالف، إذ أطلقت إحدى الكتائب التابعة للمليشيات والرئيس المخلوع صاروخاً باليستياً نوع "توشكا"، قيل إنه أُطلق من بيحان في شبوة، واستهدف تجمعاً لقوات التحالف ومخزناً للذخيرة في معسكر "صافر" بمأرب، ونتج عنه مقتل ما يزيد عن 65 من قوات التحالف، بينهم 52 إماراتياً، وعشرة سعوديين على الأقل، وخمسة بحرينيين، في حين لم يتم الكشف عن عدد الجرحى والخسائر في المعدات، إذ تحدثت مصادر متعددة عن إصابة الصاروخ أحد مخازن الأسلحة.
عقب حادثة مأرب، صعّدت مقاتلات التحالف في صنعاء من غاراتها الجوية، واستهدفت مقاراً أمنية وعسكرية، بعضها تعرض للقصف لأول مرة، وانضمت منذ أكثر من أسبوع قوات من التعزيزات المدربة إلى الجبهات المشتعلة منذ أشهر، غربي وجنوبي غرب مأرب، والتي تتواصل فيها المعارك والغارات الجوية بصورة يومية.
أبرز جبهات القتال
خلال أشهر الحرب الستة، كانت أبرز جبهات المواجهات الميدانية في عدن ومحيطها (لحج، الضالع، أبين)، ثم في محافظة تعز، والتي لا تزال مليشيات الحوثيين والقوات المتحالفة معها تفرض عليها حصاراً خانقاً، بعد أن أوشكت "المقاومة" الشهر الماضي على تحرير المدينة، مركز المحافظة، وسيطرت على العديد من المنشآت والمواقع العسكرية. وكانت مأرب، من أبرز الجبهات المشتعلة منذ البداية، حيث تسيطر "المقاومة" والقوات الموالية للشرعية على أغلب مديريات المحافظة. بالإضافة إلى ذلك، تشهد البيضاء وإب والجوف مواجهات مسلحة تشتعل بين حين وآخر، كذلك نشطت "المقاومة" بعمليات مباغتة من خلال هجمات على دوريات ونقاط تفتيش ومقرات في محافظات ذمار والحديدة وصنعاء (الضواحي) وعمران، وغيرها من المحافظات التي يسيطر الحوثيون عليها إلى حد كبير.
اشتعال الحدود
سعى الحوثيون وحلفاؤهم إلى التصعيد في المناطق الحدودية الشمالية الغربية، وتحديداً في محافظتي صعدة وحجة، من جهة اليمن، وعسير ونجران وجيزان من جهة السعودية. وكانت صعدة والمناطق القريبة من الحدود من أكثر المناطق تعرضاً لغارات التحالف بالإضافة إلى القصف المدفعي والصاروخي من قبل القوات السعودية. وقام الحوثيون بمحاولات تسلل في الجانب السعودي. ويعلنون بصورة شبه يومية إطلاق قذائف صاروخية ومدفعية باتجاه السعودية. وفي أوائل مايو/أيار أعلنت قوات التحالف صعدة هدفاً عسكرياً بشكل كامل لمدة أيام، ونفذت ضربات مكثفة استهدفت مختلف المقرات التي يسيطر عليها الحوثيون ومنازل بعض القيادات واستهدفت طرقات وشبكات اتصالات ومحطات يستخدمها الحوثيون.
وأخيراً اعترف المتحدث باسم التحالف، أحمد عسيري، أن جنديين سعوديين وقعا في أسر الحوثيين ولا يزال هناك مفقودون، وذلك بعدما بثّ الحوثيون تسجيلاً مصوراً لشخص وصفوه بأنه المتحدث باسم الأسرى السعوديين، ولم يتحدثوا عن عددهم. وفي الوقت الذي لم تعلن إحصائية رسمية للقتلى السعوديين، كشف مصدر سعودي لـ"العربي الجديد" أواخر يوليو/تموز الماضي، أن عدد القتلى السعوديين في الحدود وحوادث مرتبطة بالحرب، وصل إلى 123 ونحو ألف جريح. ومنذ ذلك الحين، ارتفعت الحصيلة عشرات.
25 ألف غارة جوية
بحسب آخر التقديرات نشرتها منظمة "أوكسفام"، نفذ التحالف منذ مارس/آذار الماضي، نحو 25 ألف غارة جوية، في اليمن. وتركز الضربات في العادة، على المعسكرات والمقرات الأمنية والعسكرية، للمليشيات وللقوات الخاضعة لنفوذ الرئيس المخلوع، خصوصاً قوات الحرس الجمهوري، وقوات الأمن الخاصة، وتشكيلات أخرى. كذلك ركزت الضربات على الإسناد في مناطق المواجهات باستهداف التجمعات. واستهدفت الغارات منازل عشرات القيادات الحوثية والموالين لصالح. كذلك استهدفت جسوراً وخطوط إمداد، بالإضافة إلى عدد من مصانع الإسمنت والعديد من المصالح والمواقع الأخرى.
حصيلة الضحايا
بحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن أكثر من 4500 قتيل سقطوا في اليمن خلال ما يقرب من ستة أشهر من الحرب، نحو نصفهم من المدنيين. ويشكك مراقبون في الإحصاءات، إذ لا يعلن الحوثيون وحلفاؤهم عن أعداد الضحايا من صفوفهم بدقة، ومن المتوقع أن يكون العدد الفعلي أكبر من التقديرات المنشورة.
اقرأ أيضاً: 21 سبتمبر... عام على نكبة اليمنيين