حراك دبلوماسي غربي في لبنان: إيواء اللاجئين ومنع تهريبهم

19 سبتمبر 2015
لا وجود لأي مخيم رسمي للاجئين في لبنان(حسين بيضون)
+ الخط -
لم يكن رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون الضيف الوحيد الذي زار لبنان على عجالة في الأسابيع الماضية، ولن يكون الأخير. سبقه كثرٌ. رئيسا وزراء فنلندا وأستونيا. رئيس مجلس النواب في الباراغواي. وزراء خارجية ألمانيا، إيطاليا، صربيا، لاتفيا، إيران، اللوكسمبورغ. وزيرة الدفاع الإيطالية وعدد من الدبلوماسيين الغربيين من الولايات وفرنسا وغيرها من الدول. وسيستقبل لبنان قريباً الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.

يجمع هذه الزيارات قاسم مشترك واحد: وضع اللاجئين السوريين في لبنان. لا ينطلق هؤلاء من حرصٍ على حقوق اللاجئين أو تأمين ظروف حياتية أفضل، بل هو الخوف من تحوّل لبنان إلى منصة هجرة جديدة للاجئين نحو أوروبا.

يُحدّد المجتمع الدولي وظيفة أساسيّة للبنان في هذه المرحلة: حسن استقبال اللاجئين السوريين. ولذلك، يسعى المجتمع الدولي إلى تأمين حدّ أدنى من استقرار سياسي واقتصادي وأمني من أجل تحقيق هذه الوظيفة. وهو ما يفسر أنه في معظم هذه الزيارات، يُردّد "ضيوف لبنان" لازمة ضرورة عدم ترك لبنان وحده، ودعمه في ملف اللاجئين.

في الأسابيع الأخيرة، حصلت تطورات ملموسة في ملف اللاجئين السوريين في لبنان. فبعدما ذهبت الحكومة باتجاه سياسة متشددة مع اللاجئين، وكان عرابها وزير الداخليّة نهاد المشنوق، عبر إعطاء الأولويّة للحلول الأمنيّة في العلاقة مع اللاجئين، تم التراجع التدريجي عن هذه الخطة. ومن يُراقب بيانات الأجهزة الأمنيّة وتصرفاتها في ما يتعلّق باللاجئين، يُلاحظ تراجعاً في أعداد التوقيفات، وحجم الانتهاكات بحق اللاجئين، والتي وصل حدّها الأقصى إلى حرق وإزالة عدد من المخيمات غير الرسمية. تجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى عدم وجود أي مخيم رسمي للاجئين السوريين في لبنان.
يُشير عاملون في مجال إغاثة اللاجئين السوريين إلى حصول انفراجات على مستوى ضيق في المجال الأمني، إذ تراجعت حدة التدقيق، "لكننا لا نزال نشهد استنسابيّة هائلة في ما يخصّ تجديد إقامات السوريين في لبنان، إذ لا نعرف على أي أساس تُجدد الإقامة لأسبوع أو لثلاثة أشهر"، كما يقول أحد العاملين في المجال الإغاثي.
لكن التطوّر الأهم يأتي على صعيد التمويل. منذ بداية العام الحالي، أدخلت الدول المانحة الجمعيات الإغاثية المحلية والدوليّة في تقشّف حاد. تراجعت التقديمات المالية بحدة لأعمال الإغاثة، وهذا لا يزال مستمراً.
مقابل هذا التراجع، انفرجت "الهبات" المالية على صُعد أخرى: تنمية المجتمعات المحليّة، ودمج المجتمعات (Social Cohesion). العبارة الأخيرة، لا تُذكر كما هي في الأوراق والمشاريع في لبنان، بل تُستبدل بعبارة "الاستقرار الاجتماعي (Social Stability)". رغم أن القراءة الدقيقة لهذه المشاريع تؤدي إلى المعنى الأول وليس الثاني. أمّا في ما يتعلّق بتنمية المجتمعات المحليّة، فإن معظم الجهات المانحة، باتت تشترط إدراج نسبة ثلاثين في المائة من قيمة المشروع تحت خانة "تنمية المجتمعات المحلية".

اقرأ أيضاً: زيارة كاميرون إلى المنطقة: عرقلة انتقال اللاجئين إلى أوروبا

الترجمة السياسية لهذا الكلام التقني، هي انتقال الجهات والدول المانحة من مرحلة "إغاثة اللاجئين السوريين" إلى مرحلة دمجهم في المجتمعات المحليّة وتنمية هذه المجتمعات للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لهذه المجتمعات.

ومن هنا، يُمكن فهم قرار الحكومة اللبنانية بتقديم مبلغ مئة مليون دولار لتنمية منطقة عكار، إذ يترافق هذا المبلغ مع دعوات غربية لعدد من دول الخليج للمساهمة في تنمية عكار وطرابلس، لتوفير الاستقرار الاجتماعي، وحماية من "تسلل" تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مستغلاً عامل الفقر والعوز والبطالة العالية بين الشباب.
يُمكن للمراقب لما يُقدّمه المجتمع الدولي، أن يفرز المساعدات المالية باتجاهين: الأول تعزيز الجيش اللبناني، من أجل حماية حدود لبنان من أي محاولة خرق من "داعش"، وتأمين الاستقرار الأمني الداخلي. والثاني هو ما يتعلق باللاجئين السوريين وتنمية المجتمعات المحليّة.
وإلى جانب العامل المالي، بدأت بعض الدوائر الغربية التفكير بطرق إراحة اللاجئين السوريين في لبنان. إذ يُنقل عن دبلوماسيين غربيين قولهم إن المساعدات الغربية في مجال التعليم والطبابة وخلق فرص عملٍ، تشترط تأمين حرية التنقل للاجئين السوريين داخل لبنان، وهو  أمر غير متوفر في الوضع الحالي، بسبب عدم حصول عدد كبير منهم على إقامة عملٍ، خصوصاً بعد تشديد الشروط لبنانياً.
ومن الطروحات التي يجري تداولها، وإن بشكلٍ أولي، حصول اللاجئين على بطاقات "تسهيل مرور"، يُمكن أن يتم تطويرها لاحقاً.
ينطلق هذا الاهتمام الغربي من تخوّف من أن عدم الاستقرار في لبنان يؤدي إلى "هجرة اللاجئين منه إلى أوروبا". فمنذ عدة أسابيع انتشر خبر غرق مركب غير شرعي يحمل عدداً من اللاجئين من سورية، انطلق من مرفأ غير شرعي في طرابلس إلى الشواطئ التركية. إثر ذلك، داهم الجيش اللبناني مناطق في طرابلس، بهدف توقيف شبكة المهربين.

وفي السياق، تؤكد مصادر فلسطينيّة في لبنان، مغادرة آلاف من اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سورية من لبنان إلى تركيا أو دول أخرى، تمهيداً للانتقال إلى أوروبا. وتُشير هذه المصادر إلى أن هؤلاء اللاجئين لا يستطيعون السفر من لبنان بشكل رسمي، إذ إنه من الصعب عليهم الحصول على تأشيرات سفر، وفي الوقت عينه، تراجع عدد اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سورية، من 80 ألف لاجئ إلى نحو أربعين ألفاً خلال سنة ونصف السنة.
وتؤكّد مصادر طرابلسيّة أن إجراءات الجيش والقوى الأمنيّة، لم تستطع بعد منع التهريب الذي يحصل عبر شواطئ المناطق المحيطة بطرابلس، وليس شواطئ المدينة، لكن حجمه محدود. لكن اللافت هو تأكيد إدارة مرفأ طرابلس وجود ثلاث رحلات بحرية يومياً من طرابلس إلى تركيا. وتلفت المصادر إلى أن معظم المسافرين سوريين يملكون جوازات سفر، فيما من يملك جواز سفرٍ يلجأ للتهريب. كما انضم بعض اللبنانيين لعمليّة الهجرة هذه، إذ يذهب اللبنانيّون إلى تركيا بشكلٍ شرعي، ويتخلصون من جواز السفر هناك، ويدخلون أوروبا كلاجئين.
وينطلق التخوّف الغربي من أن ضرب الاستقرار في لبنان، أو التضييق على اللاجئين السوريين يؤدي إلى تعزيز عمليّة الهجرة هذه، وقد يفتح باباً جديداً لها، وهو التهريب عبر البحر إلى قبرص ومنها إلى إيطاليا أو اليونان.

المساهمون