تظاهرات العراق: خارطة تتسع وسقف مطالب يرتفع

06 اغسطس 2015
تتحرّك المحافظات الجنوبية ضد إيران (الأناضول)
+ الخط -
على الرغم من محاولات تسييس التظاهرات الشعبية الواسعة، التي انطلقت في العاصمة بغداد، وامتدت لمدن جنوب ووسط البلاد، من قبل مليشيات وأحزاب سياسية مختلفة، إلا أنها بدأت تأخذ طابع الاتساع يوماً بعد آخر على ما يبدو، وترفع سقف مطالبها مع بروز قوى أخرى، رفعت من سخونة التظاهرات ومنحتها زخماً أكبر.

دفعت التظاهرات رئيس الجمهورية فؤاد معصوم إلى دعوة رئيس الوزراء حيدر العبادي ورئيس البرلمان سليم الجبوري، إلى عقد اجتماع طارئ ليل الثلاثاء، وفقاً لما أعلنه ديوان رئاسة الجمهورية، للتباحث في موضوع التظاهرات، لكنه لم يخرج بنتيجة حاسمة.

ومنذ 31 يوليو/تموز الماضي، اليوم الذي نُظّمت فيه أولى أيام التظاهرات في بغداد، والحراك الشعبي يتّسع بالتزامن مع نبرة عدائية ضد الأحزاب الدينية وتدخّل رجال الدين وضد النفوذ الإيراني بالعراق. وهي المرة الأولى التي تُرفع فيها شعارات عدائية ضد إيران بهذا الشكل، خصوصاً في مناطق جنوب العراق وتحديداً في محافظة ذي قار.

وتتلخّص أبرز مطالب المتظاهرين بـ"إصلاح النظام السياسي بالبلاد، ووقف عمليات الفساد وإحالة المتورطين فيها إلى القضاء، وفصل الدين عن السلطة، وتوفير الخدمات، وشمول الأحزاب وأعضاء البرلمان والقادة العراقيين بسياسة التقشف التي فرضتها الحكومة على المواطنين وطالت قطاعات مهمة وحساسة".

غير أن ذلك لا يمنع وجود مخاوف جدية وكبيرة من فشل التظاهرات بعد تدخلات واضحة لمليشيات مسلحة، أبرزها "بدر" و"العصائب" و"حزب الله العراقي"، في ظلّ توزيع عدد من أعضاء المليشيات منشوراتٍ في عدد من مدن الجنوب، يحرّضون فيها المتظاهرين على إحراق المباني الحكومية وتفجير أبراج الاتصالات للهاتف المحمول.

كما رفع آخرون يافطات كُتِبَ عليها: "المتظاهرون هم الحشد الشعبي المدني"، في إشارة إلى جناح مدني لـ"الحشد الشعبي"، بالإضافة إلى يافطات أخرى، فُسّرت على أنها "محاولة لمصادرة جهود الناشطين"، في أول حراك من نوعه يحصل في العراق على هذا النطاق، من قبل الحكومة أو الأحزاب التي تشعر بتهديد تلك التظاهرات مستقبلها السياسي.

اقرأ أيضاً: متظاهرون عراقيون يهددون بتعطيل تصدير النفط

وتُنظّم التظاهرات في ساحات كبيرة وعامة، عادة ما تكون أمام مؤسسات الدولة السيادية ببغداد أو المحافظات، ويحرص منظّموها على أن تكون غير مُعرقلة لحياة الناس ومرور السيارات في المدن، التي تشهد هذا الحراك. وكان مفاجئاً ترداد هتافات ضد التدخّل الإيراني في جنوب العراق، خصوصاً في التظاهرات الليلية في مدينة الناصرية، عاصمة محافظة ذي قار.

في المواقف السياسية، انتقد عضو "التيار المدني العراقي" مراد الدباغ مشاركة المليشيات والأحزاب السياسية الاسلامية في التظاهرات، مؤكداً خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، أن "دخول الحشد وبعض السياسيين المقربين من رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي إلى ساحات التظاهر، يشير لنية مبيتة لسرقة ثمرة الاحتجاجات، والعودة للحكم في حال أُطيح بالعبادي".

وأوضح الدباغ أن "الأحزاب الاسلامية الموجودة في السلطة والمليشيات التابعة لها، تمتلك تجربة فاشلة في حكم البلاد على مدى 12 عاماً، وعجزت عن تلبية طموحاتهم". ولفت إلى أن "ظهور بعض رموز الحكومة السابقة، يؤكد افلاس هؤلاء الساسة وفشل برامجهم الانتخابية والحكومية".

ورأى أن "ثورة عراقية جديدة ضد الظلم والفساد والتدخل الايراني في العراق قد انطلقت"، مؤكداً أن "وقت انفراد الاسلاميين المدعومين من طهران قد انتهى، ولا بد من تغيير جذري في العملية السياسية في البلاد تمنح الجميع فرصة المشاركة في الحكم".

في المقابل، اتهم عضو البرلمان العراقي عن "ائتلاف دولة القانون" علي العلاق، ما أسماها بـ "الجهات العلمانية" بـ"الوقوف وراء التظاهرات لإسقاط الاسلاميين وتجربتهم الإصلاحية". وحذّر من "وجود جهات سياسية ركبت موجة التظاهرات لإضعاف الحكومة". وأكد العلاق على "وجود ارادة اقليمية ودولية، لإعاقة تحسين الواقع الخدمي في البلاد"، مشيراً إلى أن "الحكومة مكوّنة من الاسلاميين واليساريين والعلمانيين، ولا تقتصر على مكوّن واحد".

وأظهرت مواقع تابعة لـ"الحراك الشعبي العراقي" صوراً لسياسيين من "ائتلاف دولة القانون" وهم يتجولون بين المتظاهرين، ومن بينهم القيادي في "الائتلاف" كاظم الصيادي، الذي ظهر وسط تظاهرة في محافظة واسط (جنوب بغداد) مع أفراد حمايته المدججين بالأسلحة. وهو أمر لاقى انتقادات واسعة من قبل التيارات المدنية التي دعت للتظاهرات "السلمية".

من جهته، اعتبر القيادي في الحزب الشيوعي العراقي جاسم الحلفي، أن "التظاهرات نُظّمت من قبل شخصيات مدنية، حرصت على اظهار الأسلوب السلمي والدستوري". وبيّن خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، أن "التظاهرات بعيدة عن كل أشكال العنف، وتتلخص مطالبها بالخدمات وتحسين الوضع المعيشي للعراقيين". وأبدى الحلفي حرصه على "ضرورة الحفاظ على الممتلكات العامة خلال التعبير عن المطالب"، مشيداً بـ"دور قوات الأمن العراقية في التعامل مع المتظاهرين".

كما أصدرت اللجنة المنظمة لـ "تظاهرات 31 يوليو" بياناً، أكدت فيه أنها "غير تابعة لأية جهة سياسية أو طائفة معينة، بل ممثلة للشعب ومطالبه، التي تتلخّص بتوفير الخدمات والدخل المعيشي، الذي يتناسب مع حاجة المواطن العراقي والاطاحة بالفاسدين والدعوة لحكم التكنوقراط". وأوضحت أن "أية جهة أخرى أو موقع الكتروني أو صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي، غير اللجنة المذكورة، لا تمثل المتظاهرين ولا تُعبّر عن مطالبهم".

واتسع نطاق التظاهرات، لتشمل محافظات أخرى عدا العاصمة بغداد وهي البصرة والعمارة والناصرية والسماوة وبابل وكربلاء والنجف وواسط، ما دعا الحكومة العراقية للتعامل بجدية مع مطالب المتظاهرين ومحاولة احتوائها.

واعتبر العبادي الاحتجاجات بمثابة "جرس إنذار" مبكر له ولحكومته، مشدداً على "ضرورة الإسراع بتلبية مطالب المتظاهرين". وأوضح في كلمة متلفزة يوم الثلاثاء، أن "جميع الوزارات مُلزمة بنقل صلاحياتها إلى المحافظات"، داعياً إلى "تفعيل الهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات غير المنتظمة".

من جهته، أكد معصوم أن "التظاهر وحرية التعبير حقوق كفلها الدستور"، داعياً في بيانٍ له الحكومة إلى "العمل بجدية للتخفيف من معاناة المواطنين"، وأهاب بالمتظاهرين لـ"عدم التعرّض لقوات الأمن والممتلكات العامة، لعدم استغلال التظاهرات بشكل غير مشروع".

اقرأ أيضاً "طفح الكيل" في العراق: تظاهرات تتسع وتكسر "الخطوط الحمر"

المساهمون