الدبلوماسية اللبنانية: تراجع إلى داخل حدود الوطن

28 اغسطس 2015
ينفذ جبران باسيل مهمة تعطيل الحكومة (حسين بيضون)
+ الخط -
من خلال مراقبة حركة وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل (الرئيس الجديد للتيار الوطني الحر)، يتبين أن الرجل يتولى منصب وزير التنمية المحليّة أو وزارة مختصة بشؤون الأديان، أو أن الحكومة اللبنانية استحدثت منصباً وزارياً يُعنى بشؤون المسيحيين حصراً؛ فمجمل حركة باسيل في الأشهر الأخيرة تتركز على افتتاح آبار ارتوازية أو المشاركة في قداديس أو افتتاح مهرجان غنائي، وما إلى ذلك من أنشطة. يحمل باسيل، الذي فاز برئاسة التيار أمس الخميس، بالتزكية ليخلف النائب ميشال عون (والد زوجته) بعدما أنجز عمّه التسوية التي تسمح له بالوصول إلى هذا المنصب مع معارضيه، "همّ المسيحيين" ويجول به من منطقة إلى أخرى.

يتولّى الرئيس الجديد للتيار الوطني الحرّ"، إدارة عمليّة تعطيل الحكومة اللبنانية، بعدما عطّل فريقه السياسي مجلس النواب، عبر عدم المشاركة في جلسات انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة. يستند باسيل في تعطيل الحكومة، إلى رؤية فريقه السياسي لحقوق المسيحيين؛ وهذه الحقوق تمر حكماً بالرابية (مقرّ إقامة عون). 

اقرأ أيضاً: لبنان: فشل حكومي وتهديد بالتعطيل والاعتكاف

لا يمنع الدستور اللبناني أي وزير أو سياسي من المشاركة في افتتاح مشاريع تنموية، لا بل إن النظام المعتمد، سهّل مشاركة السياسيين في هذه الاحتفالات، ليظهر هؤلاء وكأن لهم الفضل في هذه الأعمال التنموية، رغم أن المواطن اللبناني هو من يدفع كلفة هذه المشاريع من خلال الضرائب. لكن الدستور والنظام، يفترضان أن يقوم الوزير بمهام وزارته الأساسيّة، على أن يُحاسب مجلس النواب الوزير منفرداً والحكومة مجتمعةً على الأداء. لكن في ظلّ عدم قدرة مجلس النواب على المحاسبة، لأنه لا يجتمع بكلّ بساطة، تُركت السلطة التنفيذيّة بدون أي رقابة حالياً.

انشغال باسيل بـ"القضايا الكبرى" وأوضاع التيار الوطني الحرّ الداخليّة وانتخاباته، جعله يبتعد عن القضايا والملفات التي يجب أن يعمل عليها وزير خارجيّة لبنان. وفي مقدّمة هذه الملفات، في المرحلة الحالية، قضية تقليص وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والتي كادت أن تؤدي إلى وقف خدمات الأخيرة، في حين يُحذّر الفلسطينيون من خطر جدّي يُهدّد هذه الوكالة، إذ سبق لممثل حركة "حماس" في لبنان علي بركة، أن أعلن أن هناك معلومات تشير إلى سعي لتحويل "الأونروا" من وكالة دوليّة إلى وكالة تابعة لجامعة الدول العربيّة. وهذا الأمر يعني القضاء على قضية اللاجئين الفلسطينيين والتمهيد لتوطينهم بدل تأمين حق العودة لهم. ومعلوم أن الدستور اللبناني يرفض التوطين.

ولتقليص خدمات "الأونروا" وتصفيتها، نتائج مباشرة وفورية على لبنان، عدا النتائج غير الفورية؛ فهذه الوكالة مسؤولة عن تعليم ما بين 30 و35 ألف طالب فلسطيني إلى جانب تأمين الطبابة لنحو 450 ألف لاجئ، وتقديم مساعدات اجتماعية للأسر الأكثر فقراً، ورفع النفايات من المخيمات، وتقديم نحو 100 منحة جامعية. كما تستوعب "الأونروا" نحو 3500 موظف، ما يعني إعالة 3500 عائلة. وتقدم مساعدات مماثلة لنحو 40 ألف لاجئ سوري قدموا من سورية، إضافة إلى بدل طعام وسكن لجزء من هؤلاء اللاجئين. وفي حال توقف "الأونروا" عن تقديم خدماتها، فإن هؤلاء يتحوّلون إلى "عبءٍ" على الدولة اللبنانية.

يقول مقربون من وزير الصحة، وائل أبو فاعور، إنه سيعطي أوامر للمستشفيات باستقبال المرضى الفلسطينيين على حساب الوزارة في هذه الحالة، فيما لا تستطيع المدارس الرسمية إقفال أبوابها في وجه الطلاب الفلسطينيين. وسيزداد الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المخيمات سوءاً نتيجة لتردي الخدمات وتقليص فرص العمل، وهو الأمر الذي سيجعل المخيمات تنزلق أكثر باتجاه العنف.

وتؤكّد مصادر فلسطينيّة معنية بملف "الأونروا" أن وزارة الخارجيّة اللبنانيّة لم تقم بأي خطوة في سياق الضغط لمنع تصفية المنظمة الدولية، على الرغم من أن لبنان، واللاجئين الفلسطينيين فيه، سيكون أكثر الدول التي ستعاني من النتائج السلبية لهذا الأمر.

نجحت التحركات الشعبية والضغوط في تفادي إفلاس الأونروا هذا العام، لكن طرأ تحول كبير لجهة الممولين، مع سداد عدد من الدول العربية نحو نصف المبلغ المطلوب لسداد العجز الذي كان يبلغ 101 مليون دولار أميركي، بينما في العادة يكون تمويل "الأونروا" غربياً.

كما أن انشغالات باسيل أبعدته عن متابعة الملف السوري، خصوصاً لجهة التواصل القائم حالياً بين الدول الإقليميّة وروسيا والولايات المتحدة، حول التسويات الممكنة في سورية. فلبنان، هو البلد الأكثر تأثراً بالأزمة السورية اليوم، عبر استقبال النسبة الأكبر من اللاجئين السوريين مقارنة بمساحته وعدد سكانه، كما أن حدوده معرضة للخطر من المجموعات السورية، من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي بات على بعد 30 كيلومتراً من الحدود اللبنانية. إضافة إلى ذلك، فإن لبنان يتحمّل جزءاً من المسؤولية في الدمار الذي لحق سورية وإطالة أمد الحرب عبر مشاركة حزب الله، وهو حزب موجود في مجلس النواب والحكومة، في القتال إلى جانب النظام السوري. كما أن باسيل يُصرّ على أن حزب الله يدافع عن المسيحيين ولبنان في هذه المعركة.

في هذه الأثناء، تدور مفاوضات ولا يبدو أن لبنان مطلع عليها ولا مشارك فيها، رغم أن أي شكلٍ مستقبلي لسورية سيؤثر حكماً على لبنان، إن لجهة عودة اللاجئين السوريين أو العلاقات المجتمعية بين سكان المناطق المتداخلة، وإعادة إعمار سورية ودور لبنان فيها، والأهم من هذا كلّه، التأثير السياسي على لبنان.

وفي هذا الإطار تحديداً، فاوض الإيرانيون حركة "أحرار الشام" ممثلة لأهل الزبداني في تركيا، ومن الأمور التي تم التفاوض عليها، الترانسفير السكاني المتبادل عبر نقل أهالي الفوعة وكفريا الشيعيتين إلى الزبداني، وأهل البلدة إلى شمال سورية. وسيكون لهذا "التبادل السكاني" أثر كبير على لبنان، فإفراغ منطقة القلمون الغربي من سكانها الأصليين يعني منع اللاجئين منهم من العودة إليها، وفي لبنان عشرات آلاف اللاجئين من القلمون الغربي. تركّز موقف باسيل من الأزمة السورية بالتحذير من اللاجئين السوريين وتحميلهم مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية وازدياد نسبة الجرائم وغيرها من التهم التي لا يوجد ما يُثبتها. وصل الأمر بباسيل برفض تسجيل المولودين الجدد لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

لا يختلف الأمر كثيراً فيما يخص الملف النووي الإيراني. غابت الدبلوماسية اللبنانية بالكامل عن المشهد، وانتظرت زيارة وزير الخارجيّة الإيراني محمد جواد ظريف، ليُعلن باسيل أن لبنان جزء من المحور الإيراني، عبر قوله إن إيران شريكة للبنان في النصر على إسرائيل وإنها تدافع عن الأقليات في المنطقة، ومن ثم القول إن الدول الداعمة للإرهاب تدفع الثمن اليوم، في إشارة إلى دول الخليج.

وبذلك، رمى باسيل فرصة أن يؤدي لبنان دوراً وسطياً بين إيران والمجموعة العربية. ورداً على اتهام وزير الشؤون الاجتماعية، رشيد درباس، لباسيل بالتفرد بالسياسة الخارجية للبنان، تعقيباً على موقف باسيل من إيران، قال الأخير إن رئيس الحكومة يستثنيه من الزيارات الخارجية التي يقوم بها. ورد باسيل بحد ذاته، اتهام له. فبدل أن يخوض معركة وزارته وصلاحياتها، فإنه يخوض معارك أخرى بحجم قرى مخاتير وليس بحجم دبلوماسية بلد في منطقة مشتعلة. 

اقرأ أيضاً: دعم حزب الله لعون في لبنان: هل تسقط الحكومة؟

المساهمون