اعتقال أحمد الأسير... هل يفضح الشيخ اللبناني المتنكّر السياسيين؟

16 اغسطس 2015
يستبعد حصول ردود فعل في الشارع (محمود الزيات/فرانس برس)
+ الخط -
لعلّ الشيخ اللبناني الهارب أحمد الأسير شعر بأنّ الضغوط تزداد عليه، وأنّ الخناق يضيق بعد توقيف الشيخ خالد بلحص، فدعا في نهاية شهر أبريل/ نيسان الماضي مؤيديه إلى التواري عن الأنظار كي لا يقعوا فريسة بيد الأجهزة الأمنية، خصوصاً في مدينة صيدا، جنوب لبنان. لكنّه لم يكن يتوقع أن يقع بنفسه في قبضة الأمن اللبناني، عندما حاول الهرب إلى نيجيريا عبر القاهرة بجواز سفر فلسطيني مزور، وخصوصاً أنه رتّب أموره بعناية، وأجرى عمليات تجميل لتغيير شكله.

وفي الدعوة عينها، أسف الأسير لكون مناصريه يُعتقلون "وسط صمت رهيب من أبناء ديني في لبنان". يبدو أن إمام مسجد بلال بن رباح، الفار منذ يونيو/ حزيران 2013، شعر بأنّ لبنان لم يعد مكاناً آمناً بالنسبة له، وهو الذي تنقلّ من شماله إلى جنوبه للسكن في بيوت آمنة، كما لجأ إلى مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين.

اقرأ أيضاً: لبنان: "المستقبل" يحتوي غضب جمهوره بإطلاق 14 سجيناً إسلامياً 

ظهر أمس، السبت، تمكّنت السلطات اللبنانيّة من إلقاء القبض على الشيخ الفار خلال محاولته مغادرة البلاد عبر مطار بيروت الدولي بجواز سفر مزور تحت اسم رامي عبد الرحمن طالب، وكان يرافقه شخص آخر. وأعلن الأمن العام اللبناني أن الأسير الذي غيّر من شكله الخارجي، كان يُحاول السفر باتجاه مصر برفقة شخصين آخرين. وبحسب مصادر في الأمن العام اللبناني، فإن الأسير حلق ذقنه وأجرى عملية تجميل لأنفه وأسنانه، وحلق شعر رأسه ليكون قصيراً، وغيّر نظاراته وارتدى زيّاً غير ديني، كالذي يرتديه عموم الناس. وبحسب المعلومات، فإن الأسير كان موجوداً في منطقة صيدا في الفترة الأخيرة.

تضاربت المعلومات حول الجهة التي أوقفته، إذ قالت الوكالة الوطنية للإعلام إن فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي هو الجهة التي أوقفت الأسير، في الوقت الذي أعلن فيه الأمن العام أنه أوقفه. وعزت مصادر متابعة لعملية التوقيف سبب التضارب إلى أنّ فرع المعلومات سبق ووضع الأسير تحت المراقبة منذ أشهر، وأن معلومات اعترف بها الشيخ خالد بلحص، الذي أوقف منذ أشهر، ساعدت بمراقبة الأسير وتضييق الخناق عليه، وخصوصاً أن المعلومات التي كانت متوافرة قبل توقيف بلحص كانت تُشير إلى أن الأسير غادر لبنان. لكن مصدراً رسمياً في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي نفى لـ"العربي الجديد"، أن يكون هناك أي دور للمديرية في توقيف الأسير، مشيراً إلى أن تضييق الخناق عليه ربما هو الذي دفعه إلى مغادرة لبنان.

في المقابل، قالت مصادر في الأمن العام، فضّلت عدم نشر اسمها، لـ"العربي الجديد"، إن الأسير لم يوقف بعمليّة أمنيّة. ولمّحت إلى أن التوقيف حصل بطريقة أقرب إلى الصدفة. ولفتت إلى أن العنصر الأمني اشتبه بالأسير رغم أن الأخير كان قد قام بتحضير نفسه بشكلٍ ممتاز، سواء كان عبر جواز السفر، أو لجهة تغيير شكله.

وكان بلحص، الذي أوقف في يناير/ كانون الثاني من العام الحالي، قد اعترف في المحكمة العسكرية أن الأسير سكن لديه فترة، وأنه شارك في اشتباكات بحنين في عكار، شمال لبنان، في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، وهي اشتباكات امتدت لأيامٍ رداً على توقيف الجيش لمجموعة من المسلحين في طرابلس، شمال لبنان.

ورجحت مصادر إسلاميّة في صيدا، مدينة الأسير، وفي طرابلس لـ"العربي الجديد"، عدم حصول أي ردة فعل في الشارع، وخصوصاً أن مجموعات الأسير قد سبق وتم تفكيكها من قبل استخبارات الجيش وفرع المعلومات. إضافة إلى أن علاقة الأسير بمعظم رجال الدين سيئة منذ فترة ما قبل اعتقاله. ويعزو هؤلاء السبب إلى أنه لم يستمع إلى نصائحهم يوماً، خصوصاً لجهة عدم اللجوء إلى العنف.

وقد تُرجم هذا الأمر باعتصام عدد قليل من النساء، بينهن زوجة الأسير وزوجات موقوفين من جماعته، أمس السبت. وتم تداول تسجيل صوتي لزوجة الأسير تستنكر عدم تحرك أبناء صيدا. وتشدد مصادر أمنيّة لـ"العربي الجديد"، على أن ما تبقّى من جماعة الأسير يعمل إما مع الشيخ سراج الدين زريقات، وهو المتحدث الإعلامي باسم كتائب عبدالله عزام، القريبة من تنظيم "القاعدة"، أو مع "جبهة النصرة".

وتخوّفت المصادر من عدم كشف التحقيقات مع الأسير لكامل رواية هذا الشيخ الذي أثار صعوده الاهتمام، خصوصاً لجهة تنامي قدراته المالية بشكلٍ كبير في وقت زمني وجيز.

وأشارت المصادر نفسها إلى حادثة توقيف أحد رجال الدين بعد أيام على معارك عبرا، وهو الذي كان متهماً بمحاولة تهريب الأسير "وقد كانت التهمة مثبتة"، لكن تمّت تسوية ملفّه وتحوّلت تهمته إلى إطلاق نار في الهواء. وقالت إن الأسير هدّد حينها بكشف عدد كبير من السياسيين اللبنانيين، ما دفع هؤلاء للتدخل لصالحه.

وأوضحت المصادر، التي فضّلت عدم نشر اسمها، أن الأسير قد يستخدم هذه الورقة إضافة لعلاقاته الإقليمية بهدف تسوية ملفه والخروج بأقل عدد سنوات سجنٍ ممكنة. وسبق أن اعترف أحد الموقوفين لدى القضاء العسكري أن الأسير لجأ إلى منزل أحد رجال الدين المعروفين في طرابلس لأشهر، غير أن وزير الداخلية نهاد المشنوق تدخل وأزال اسم هذا الشيخ من التحقيقات، وطوي الملف، على ما تؤكّد مصادر أمنية وأخرى إسلاميّة.

وكان الأسير قد توارى عن الأنظار منذ معركة عبرا في يونيو/ حزيران 2013، مع الجيش اللبناني، وتنقل بعدة مناطق لبنانية بشكل سرّي. وانتشرت معلومات أخيراً عن وجوده في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا، جنوب لبنان.

والأسير من مواليد عام 1968، وقد عرف التديُّن بُعَيد الاجتياح الإسرائيلي. وانخرط في صفوف الجماعة الإسلامية عام 1985 حتى 1988، بحسب ما يُعرّف عنه موقع مسجد بلال بن رباح الذي أسسه الأسير عام 1997. ويُشير الموقع إلى أن الأسير "شارك في مقاومة العدو الصهيوني وعملائه في لبنان، ثم تعرّف على عمل الدعوة والتبليغ سنة 1989، وأكمل دراسته الشرعية في كلية الشريعة في بيروت".

ويتوقع أن يبقى الأسير لمدة لدى الأمن العام لاستكمال التحقيقات معه، على أن يُسلّم لاحقاً لاستخبارات الجيش لتُحقق معه بدورها. كما يتوقع أن يطلب فرع المعلومات التحقيق معه أيضاً. وبعد توقيف الأسير، السؤال الأهم: ما الذي سيكشفه الرجل من معلومات؟

اقرأ أيضاً: لبنان: انتشار القوة الأمنية الفلسطينية في مخيم عين الحلوة 

المساهمون