الغنوشي سفيراً "فوق العادة" في الأزمات الصعبة

06 يوليو 2015
دعا الغنوشي أبناء "النهضة" إلى المساهمة في بناء الفنادق(الأناضول)
+ الخط -
يطرح مراقبون في تونس أسئلة عدة، فيها الكثير من الموضوعية حول تحوّل رئيس "حركة النهضة" راشد الغنوشي إلى رجل المهمات الصعبة وخبير الأزمات، وعمّا إذا كانت تحركاته الأخيرة دليلاً جديداً على تبادل الأدوار بينه وبين الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي. فكلما دخلت تونس في أزمة كبيرة، أو اشتعلت النيران في مركبة من قطار الديمقراطية الوليدة، يسارع الغنوشي إلى محاولة إطفائها، متسلحاً بشبكة علاقات دولية في الخارج، وسند شعبي في الداخل.

والدليل على ذلك، عندما توجّه إلى مدن الجنوب الملتهبة، قابس وتطاوين وسيدي بوزيد ومدنين وغيرها، بعدما دخل مواطنون في مواجهات مع رجال الأمن منذ بضعة أسابيع، وانفجر الوضع بشكل سريع، وخُشي من زيادة اشتعاله وانتقاله إلى مدن أخرى. توجّه الغنوشي سريعاً إلى هذه المناطق التي يحظى فيها شخصيّاً بتأثير كبير باعتباره من أهلها، حيث ينتشر فيها حزبه، "النهضة"، بشكل لافت، كما تمثل إحدى قواعده الكبيرة.

غير أنّ الغنوشي قرّر هذه المرة، بعد لقائه السبسي بيوم واحد، التوجّه إلى الجزائر في مهمة سياحية بامتياز، لإقناع المسؤولين الجزائريين بدعم تونس في محنتها، مستغلّاً علاقاته الشخصية القوية برئيسها عبد العزيز بوتفليقة.

دام الاجتماع بين بوتفليقة والغنوشي قرابة الساعتين، تحدّثا خلاله عن تونس وما يحدث فيها، وعن ليبيا ومصر. وكعادة لقاءاتهما، شمل الحديث تفاصيل شخصية ودينية، خرج الغنوشي من الاجتماع بتأييد مطلق لإنجاح مهمته التي جاء من أجلها. التقى مباشرة على مائدة الإفطار الوزير الأول الجزائري عبد المالك السلال ووزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري محمد عيسى، ووزير السياحة عمار الغول بشكل خاص.

اقرأ أيضاً الغنوشي في الجزائر: رسائل طمأنة

وفور عودته إلى تونس قام الغنوشي بصحبة قياديين بارزين في حركته؛ هما رياض بالطيب ولطفي زيتون، بزيارة إلى مقر الجامعة التونسية للنزل والتقى رئيسها رضوان بن صالح وعدداً من أعضاء مكتبها التنفيذي. وتطرّق اللقاء إلى الصعوبات التي يتعرّض لها القطاع السياحي والنزُل في تونس، خصوصاً إثر العمليات الإرهابية التي تعرّضت لها البلاد، وراح ضحيتها عدد من السياح الأجانب في باردو وسوسة. استمع الغنوشي إلى مقترحات لتنشيط الاستثمار في القطاع وتنويع المنتجات السياحية والحرفية، ونقل في الوقت عينه، بعض متطلبات إنجاح زيارة الجزائريين إلى تونس بعد رمضان.

يبدو الغنوشي من خلال هذه التحرّكات، وزيراً للسياحة كامل المواصفات، وإن كان هدفه الحقيقي إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وفق تأكيد مقربين له لـ"العربي الجديد"، خصوصاً أن الجزائر هي الأمل المتبقّي لإنقاذ السياحة التونسية من الكارثة. يدرك الغنوشي أن فشل الموسم السياحي بمثابة ضربة كبيرة لاقتصاد هشّ، وهو في الوقت عينه، خطر داهم على وضع شديد الحساسية، يمكن أن يعرّض الاستقرار الحرج الذي تعرفه تونس إلى هزّات كبيرة قد تطيح بالمشروع كلّه، وهو ما لا ترغب فيه "النهضة"، ولا يريده الغنوشي، لاستمرار نمو حزبه، وثقته في مستقبل يقوم على تداول سلمي للسلطة، وقواعد حزبية كبيرة مستعدة لذلك، لكن ينبغي "ألّا يسقط البيت على رؤوس الجميع".

لذلك سارع الغنوشي غداة اعتداءات سوسة إلى عقد ندوة صحافية، وباشر في الحديث عن أنّ "تونس تخوض معركة وجود ضد الإرهاب الذي طاول أحد النزل في سوسة"، مشدداً على أن الرد على الإرهاب والإرهابيين يتم عبر توحيد صفوف التونسين، داعياً رجال الأعمال إلى الاستثمار في المناطق الداخلية، وأبناء الجالية في الخارج إلى دعم السياحة المحلية. ووجّه الغنوشي رسالة مباشرة إلى التونسيين المقيمين في دول المهجر، والذين وصفهم بـ"تونس المهاجرة"، ودعاهم إلى دعم السياحة وقضاء عطلهم في الفنادق ليساهموا في تعويض النقص على المستوى السياحي في فصل الصيف.

كذلك دعا أبناء "النهضة" إلى أن يساهموا في بناء الفنادق وتشغيلها وتنشيطها وأن يقيموا اجتماعاتهم فيها. كما وجّه رسالة إلى التونسيين والتونسيات، مشيراً إلى أنّهم "أبناء حضارة عظمى منذ أكثر من 3 آلاف سنة، فلا يجب أن يتركوا عصابة شر تجهز على أحلامهم وتقضي على حضارة ورثوها عن آبائهم وأجدادهم".

اقرأ أيضاً: استراتيجية اتصالية تونسية لمقاومة الإرهاب

وهذا ما حصل، إذ أعلنت وزارة السياحة على صفحتها الرسمية على فيسبوك أنها قرّرت بالتعاون مع مهنيي المجال السياحي، منح الجزائريين "امتيازات خاصة خلال الموسم السياحي الحالي"، وتحسين الخدمات المقدمة لهم، خصوصاً في المعابر الحدودية، وكذلك إلغاء ضريبة الـ30 ديناراً. ونشرت الوزارة تصريحاً للنائب الجزائري، شكيب جوهري، عبّر فيه عن شكره العميق للامتيازات "غير المسبوقة" التي أعلنت عنها وزارة السياحة التونسية لفائدة الجزائريين، لافتاً إلى أنّ الجزائريين لن ينسوا أبداً وقوف التونسيين معهم في حربهم ضد الإرهاب.

كذلك أعلنت وزيرة السياحة والصناعات التقليدية، سلمى اللومي، عن إجراءات استثنائية خاصة لفائدة الجالية التونسية في الخارج، أبرزها، التخفيض بنسبة 30 في المائة من ثمن تذاكر الطائرات وتخفيضات استثنائية مهمة لفائدتهم بالتنسيق مع المهنيين من وكالات سفر ونزل. واعتبرت اللومي أن مثل هذه الإجراءات، تمثّل فرصة للتونسيين في الخارج لمساندة بلادهم في هذا الوضع الاستثنائي الصعب.

وبالتوازي، استدارت تونس نحو سوق ثانية يمكن أن تسهم في إنقاذ الوضع هذا العام، وهي السوق الروسية على الرغم من رخص أسعارها. وتوجّه وفد من وزارة السياحة إلى روسيا، في زيارة امتدت على يومين، التقى خلالها بفاعلين في قطاع السياحة بهدف توجيه رسالة طمأنة، ودعم الوجهة التونسية في السوق الروسية. وعقد الوفد لقاء مع البنك المركزي الروسي لإتمام الإجراءات المتعلقة بتسهيل صرف العملة الروسية "الروبل" للسائح الروسي، وهو ما كانت تطلبه السوق الروسية باستمرار وفرضه الواقع الحالي.

اقرأ أيضاً: الغنوشي يؤكد دعم "النهضة" لجهود الدولة في مجابهة الإرهاب

المساهمون