مشهد وحدة كويتي ضدّ الإرهاب

28 يونيو 2015
مواطن كويتي جُرح في تفجير المسجد (فرانس برس)
+ الخط -

فشل الاعتداء الإرهابي الذي نفذه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، داخل مسجد الإمام الصادق وسط الكويت، في زرع الفتنة داخل الإمارة واللعب على الوتر الطائفي بين الشيعة والسنة في الكويت، على الرغم من الحساسية الكويتية حيال القضايا المحلية والإقليمية ذات البعد الطائفي، والتي عادة ما تثير سجالاً داخلياً حاداً.

اقرأ أيضاًالكويت توقف بث قناة "وصال" بتهمة التحريض على الطائفية 

ولعل المشهد العام وتصريحات المسؤولين ووسائل الإعلام والشعارات الداعية لنبذ الفتنة، التي ضجت بها وسائل التواصل الاجتماعي، والتداعي الكويتي للوقوف لمواجهة تداعيات التفجير، الذي أسقط 27 قتيلاً وأكثر من 227 جريحاً في آخر إحصائياته، يشير الى أنّ الشعب الكويتي اختار أن تكون الهجمة موجهة ضده بالمطلق وليس فقط ضد الشيعة. وتجلّى هذا الأمر في إعلان العزاء في مسجد الدولة الكبير (المسجد الرسمي للإمارة)، وفي الأعداد الضخمة التي تنادت بالأمس الى بنك الدم للتبرع للمصابين، وفي مشاهد صلاة الجماعة التي جمعت الشيعة والسنة في مسجد واحد في صلاة المغرب بعد التفجير. وكان أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد أول الواصلين إلى موقع التفجير لتعزية الشعب الكويتي والتنديد بالعمل الإرهابي.

ولعلّ ما يميز الكويت عن بقية الدول المجاورة التي تحتضن عدة مذاهب، ساهم في مشهد الوحدة هذا؛ إذ يعتبر الشيعة في الكويت مقرّبين من الحكومة، والنواب الشيعة داخل البرلمان يعدّون من الموالين، على خلاف نواب التيارات الإسلامية المعارضين. كما أن العائلات الشيعية تعتبر من أبرز ركائز المجتمع الكويتي وأبرز دعائمه الاقتصادية، وهذا ما يشكل عامل قوة لهذه الفئة على خلاف الدول الخليجية الأخرى. 

من جهة ثانية، فإن ما حصل أمس يعتبر خرقاً أمنياً إذ يدل على أن مختلف الإجراءات التي طبقتها الحكومة سابقاً لم تكن ذات جدوى. وبحسب ما أوضح محلل أمني  لـ"العربي الجديد"، فإن الإجراءات السابقة لم تكن كافية لمنع المجرمين من تنفيذ مخططهم التخريبي، ولفت إلى أنه كان يتعين على الجهات الأمنية إحكام سيطرتها ومراقبتها الأمنية على المساجد، خصوصاً عقب ما حصل في المملكة العربية السعودية من تفجيرات مشابهة في المساجد.

ولفت المحلل الذي فضل عدم نشر اسمه، إلى أنه كان يتعين على الجهات الأمنية على الأقل في صلاة أيام الجمعة أن تحكم مراقبتها، وألا تتعامل بتراخ مع القنوات التحريضية وعدم ترك المجال أمام أي خطاب تحريضي إرهابي.

ورأى ان أعمال الدهم والاعتقالات التي حصلت أمس عقب التفجير، والاجتماعات الرسمية والأمنية الموسعة التي تبعته وحث الأمنيين على زيادة مستوى اليقظة والجاهزية للتصدي لأية فرضيات، ودعم الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية، كان أمراً مطلوباً قبيل التفجير، خصوصاً وسط معلومات لدى الحكومة عن وجود خلايا نائمة، استفاقت بالأمس. 

ولا بد من الإشارة إلى أن المساجد الشيعية اتخذت لنفسها تدابير وقائية بعد الاعتداء الإرهابي، بمعزل عن الجهات الأمنية، بحيث أجرت عمليات تفتيش، وأُغلقت بعض المصليات حرصاً على سلامة المصلين.

وفي هذا السياق، دعا النائب عبدالله التميمي الذي فقد أقرباء له في الاعتداء، الحكومة إلى عدم التهاون لإحكام القبضة الأمنية والقضاء على الارهابيين والفكر المتطرف، مشدداً على أنه يتعين على "نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الشيخ محمد الخالد الذي شاهد فظاعة الجريمة النكراء بأم عينه، أن يضرب بيد من حديد؛ فقد آن أوان ذلك دون تهاون وأن يقبض على التكفيريين المتطرفين والمشبوهين والداعمين الرسميين وأبواق (داعش) وقياداتهم واستخدام كل الأدوات المتاحة بيده لوقف تطاولهم واعتدائهم على الكويت وأهلها، فالدماء التي سفكت غالية ولن نتركها تذهب سدى"، على حدّ تعبيره. 

وعقدت الحكومة اجتماعات موسعة عقب التفجير، كما سارع مجلس الأمة إلى الانعقاد، وخرجت بيانات واستنكارات وتدابير رسمية. وأكد مجلس الوزراء في بيانه على أن "الإرهاب الأسود الذي لا وطن ولا دين له لن ينال من وحدة الشعب الكويتي وعزيمته، ولن يمس ثوابت هذا المجتمع أو وحدته الوطنية وستظل الكويت واحة أمن وأمان لجميع المقيمين على أرضها".

وشدد على "اتخاذ كل ما من شأنه اجتثاث هذه الآفة وإعلان المواجهة الشاملة بلا هوادة مع هؤلاء الإرهابيين دعاة التكفير والضلال"، وأنه "لن يقبل أبدا تهديد أمن الكويت وإرهاب أهلها وتعطيل مسيرتها. ولن يسمح لبذور الفتنة أن تنمو أو بتضليل الشباب المخلصين بالأوهام والافتراءات ولن يتهاون إزاء الانحرافات المهلكة والتجاوزات المدمرة تحت أي مبرر".

في حين دعا مكتب مجلس الأمة بعد اجتماعه الجميع إلى "ضبط النفس والحكمة والتحلي بالمسؤولية وتفويت الفرصة على قوى الإرهاب الدنيئة في تحقيق أهدافها في زرع الفتنة والفرقة بين الكويتيين". وطالب الحكومة باتخاذ كافة الإجراءات  الاحترازية.

وتسلم جهاز أمن الدولة ملف القضية بالكامل وسحبه من كافة الأجهزة الأمنية الأخرى، ما أحاط التفاصيل الأمنية للاعتداء بالغموض.

وفي بيان أمني صدر أمس، أعلنت وزارة الداخلية عن "تمكن أجهزة الأمن المعنية من العثور على المركبة التي استغلها الإرهابي والذي فجر نفسة في حادث الاعتداء الآثم على جامع الإمام الصادق بمنطقة الصوابر، وهي مركبة صالون يابانية الصنع". وأضافت أنه "تم إلقاء القبض على مالك المركبة، التي استقلها الإرهابي إلى مكان الحادث، وفرً بها سائقها عقب وقوع التفجير مباشرة. ولا تزال أجهزة ألامن  تواصل جهودها  لكشف  ملابسات هذه القضية". 

وكانت صحيفة "القبس" الكويتية قد نقلت عن مصادر أمنية لم تذكرها أن القوات الأمنية اعتقلت ثلاثة مشتبهاً بهم.

وكانت انتشرت أنباء على وسائل التواصل الاجتماعي أنه حصل عقب التفجير سلسلة من أعمال الدهم خصوصاً في منطقة الصليبية، التي قيل إن الانتحاري كان يسكن فيها، حيث ضرب طوق أمني حول المكان. لكن أصدرت وزارة الداخلية بياناً قالت فيه إنه "من شأن تلك الشائعات والأقاويل البعيدة كل البعد عن الحقيقة أن تؤدي الى عدم إتاحة المجال أمام أجهزة الأمن لأداء مهامها وواجباتها على الوجه الأكمل".

اقرأ أيضاً: جريمة غير مسبوقة في الكويت: 227 قتيلاً وجريحاً