مؤيدو النظام السوري يتهرّبون من الخدمة العسكرية

01 يونيو 2015
لا أفق لنهاية الأزمة (زين الرفاعي/فرانس برس)
+ الخط -
مع تزايد الخسائر اليومية لقوات النظام السوري على مختلف الجبهات، وإزاء تصاعد العمليات القتالية، واقتراب قوات المعارضة من المرتكزات الأساسية للنظام في الساحل ودمشق، يزداد الطلب على المقاتلين والجنود من جانب القيادة العسكرية لقوات النظام. وهو طلب لا يستطيع المتطوعون العقائديون ولا التنظيمات المسلّحة سده، بسبب المساحة الجغرافية الممتدة، وفي ضوء ضعف درايتهم بجغرافية الأرض، ما يجعلهم صيداً سهلاً لمقاتلي المعارضة في أغلب الأحيان. 

وبحسب تقديرات مختلفة فإن قوات النظام مُنيت بعد أربعة أعوام من الحرب بخسائر كبيرة، وقُتل لها نحو مائة ألف عنصر من أفرادها أو المسلّحين الموالين لها. وفي المقابل، يواجه النظام أيضاً قضية التهرّب من الخدمة الإلزامية ليس في أوساط معارضيه فحسب، بل بين الموالين أيضاً، والذين يسعون بشتّى السبل لتجنب الالتحاق بالخدمة العسكرية، التي باتت تعني بنظر الكثير منهم، مجرّد "موت مجاني" في حرب لا نهاية لها قريباً.

ويُعدّ طلاب الجامعات، أو من في سنهم، الفئة الأكثر تعرضاً للضغط من أجل الخدمة العسكرية. ويتعمّدون بالتالي الرسوب في الجامعة، من أجل مواصلة الحصول على عذر قانوني لتأجيل الالتحاق بالخدمة العسكرية، والتي تبلغ مدتها عامين، أو عاماً ونصفاً لمن يحمل شهادة جامعية. غير أنه منذ نحو ثلاث سنوات يمتنع جيش النظام عن تسريح أي مجنّد، حتى لو انتهت خدمته الإلزامية، أي أن مدة الخدمة باتت مفتوحة، وهو ما يعني بالنسبة لهؤلاء الشبان القتال حتى الموت أو الإصابة، أو حتى تنتهي الحرب الحالية، الأمر غير المعروف حتى الآن.

وحتى بالنسبة لمن قدّم وثيقة بأنه طالب في الجامعة، يحصل في كثير من الأحيان أن يتم سوقه إلى الخدمة الإلزامية خلال حملات الدهم والاعتقال، التي تقوم بها قوات النظام والشرطة العسكرية للمقاهي والمطاعم والبيوت أو خلال التوقيفات على الحواجز، إذ يُعتقل كل شاب ويُساق لمراكز التجنيد، إذا لم يبرز دفتر الخدمة الإلزامية وفيه إشعارٌ بتأجيل الخدمة. ويلجأ كل من لا يستطيع تأجيل خدمته، إلى وسائل أخرى لتجنّب سوقه للخدمة، خلال مرورهم على الحواجز أو خلال عمليات التفتيش والمداهمة.

اقرأ أيضاً: سهل الغاب وجبهة الساحل.. الهدف التالي للمعارضة في إدلب 

وقامت مجموعة من "قوات الدفاع الوطني" في الأيام الأخيرة، بعمليات تفتيش ودهم في مدينة جبلة على الساحل السوري، واعتقلت مجموعة من الأشخاص، يقومون بتزوير أوراق رسمية، تخصّ أشخاصاً مطلوبين للخدمة العسكرية، لتمكينهم من التهرّب من الخدمة ومغادرة البلاد. وقد جرى مصادرة أجهزة كمبيوتر وطابعات وكل لوازم عمليات تغيير البيانات وتزويرها، وتم اعتقال المجموعة التي كانت تضمّ أربعة أشخاص. وتسود منطقة الساحل السوري حالة من التململ، في ظلّ عزوف الأهالي عن إرسال أولادهم إلى الجيش، خصوصاً في ضوء مشاهدتهم النعوش والتوابيت، التي تحمل أولادهم يومياً.

وبالنسبة لمن يتم القبض عليه، فليس أمامه فرصة للتملّص من أداء الخدمة العسكرية إلّا بدفع رشى باهظة تصل إلى أكثر من ثلاثة آلاف دولار، ليعمد بعدها إلى تدبير طريقة يغادر فيها إلى خارج البلاد، إما عن طريق لبنان أو تركيا.

وبالنظر إلى أن كثيرا من المناطق "السنّية" باتت خارجة عن سيطرة النظام، ولا يستطيع في هذه الحالة سوق أبنائها إلى الخدمة العسكرية، فقد تطوّع العديد منهم للقتال ضده ضمن كتائب المعارضة المسلحة، أو غادروا خارج البلاد. ما يضع النظام أمام خيار الاعتماد على أبناء الأقليات، تحديداً العلويين، بالنظر إلى الثقة الكبيرة بإمكانية ولائهم وانتفاء إمكانية انشقاقهم خلال الخدمة. لكن حتى هؤلاء باتوا يحاولون التملّص من الخدمة، هرباً من مواجهة موت شبه محتّم، في حربٍ لم يعودوا على قناعة بأنهم سيكسبونها كما كانت تؤكد دعاية النظام.

وكانت وكالة "فرانس برس" قد أفادت في تحقيق لها، بأن "النظام يعتمد بشكل خاص على تجنيد الشبان الدروز والمسيحيين والعلويين والإسماعيليين، الذين باتوا يشعرون بأنهم يدفعون ثمناً باهظاً لدعم بقاء رئيس النظام بشار الأسد في السلطة".

وتقول الناشطة الحقوقية في محافظة اللاذقية، سما نصار لـ "العربي الجديد"، إنه "حتى لو كان الناس في المناطق الموالية يؤيدون النظام والجيش، لكن أقلية منهم تريد الالتحاق بخدمة العلم". أما جورج، وهو طالب مسيحي من دمشق، فيؤكد "أنا أؤيد النظام، لكنني فارّ من التجنيد، لأن الخدمة العسكرية في سورية تعني الموت".

وتشدد قوات الأمن جهودها للقبض على الفارين من التجنيد، وعمدت بحسب ناشطين وشهود عيان، إلى نصب حواجز على مداخل المدن في الساحل السوري، والبحث الدقيق عن الشبان المطلوبين للخدمة. كما تتواجد عناصر منها على أبواب الجامعات، للتدقيق في هويات الطلاب والأساتذة. وفي اللاذقية، يتقاسم الشبان الحراسة حول منازلهم لتجنب اعتقالهم من قوات الأمن.

كما شهدت محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، في 11 أبريل/نيسان الماضي أحدث مظاهر الاحتجاج على الخدمة العسكرية، وهي حوادث متكررة، تنتهي أحياناً بامتناع قوات الأمن عن سوق المطلوبين للخدمة، في محاولة لعدم كسب عداء الطائفة الدرزية.

وكان عشرات الشبان من قرية جنينة، هاجموا في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، دورية تابعة للاستخبارات العسكرية بعد اعتقالها شاباً مطلوباً للخدمة العسكرية. كما منع رجال دين دروز جنوداً من اعتقال شاب مطلوب للخدمة العسكرية في قرية المزرعة، الصيف الماضي. وبما أنه لا يمكن توقيف كل مطلوب، فإن قوات الأمن تنتظر إقدام أحدهم على السفر أو الزواج أو الحصول على أي وثيقة رسمية، من أجل إلقاء القبض عليه.

من جهة أخرى، ازداد عدد النساء المتطوّعات للقتال إلى جانب قوات النظام، إذ تُشجع السلطات المبادرات لسدّ النقص في أعداد المقاتلين، ما أجبرها على إرسال بعضهن إلى جبهات القتال، حيث قُتل عدد منهن في اللاذقية ودمشق وإدلب.

وتشمل عمليات البحث عن المطلوبين كل المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام، إذ شنّت قوات النظام حملة مداهمات في مدينة السفيرة جنوب شرق حلب، واعتقلت الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً لاقتيادهم إلى الخدمة العسكرية. كما يشهد عدد من أحياء العاصمة دمشق حملات اعتقال ممنهجة من قوات النظام، تستهدف التقاط الشباب، وسوقهم إلى الخدمة العسكرية. 

وقال ناشطون، إن "الحملات شملت مناطق عدة مثل ركن الدين والدحاديل والبيادر، غربي القدم، والميدان الواقعة تحت سيطرة النظام". كما انتشرت قوات الأمن والحواجز الطيارة في العاصمة، في شارع الثورة بالقرب من كراجات الست، وفي البحصة بالقرب من البرج، وتقوم بإيقاف الشباب وتفتيشهم واعتقال المتخلف منهم عن أداء الخدمة العسكرية. ويعمد بعض الشبان إلى دفع رشى باهظة بهدف تأجيل موعد الخدمة العسكرية، أو الالتحاق بـ "قوات الدفاع الوطني" المحلية والموالية للنظام، لتجنّب إرسالهم إلى محافظات بعيدة.

اقرأ أيضاً: سجناء تدمر... لبنان الرسمي صامت والشائعات سيدة الموقف

المساهمون