عودة التداول بسيناريوهات "الشرق الأوسط المقسَّم"

28 مايو 2015
وسّع "داعش" نفوذه من العراق وسورية إلى السعودية(فرنس برس)
+ الخط -
بعد سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" على مدينة الرمادي في العراق، وإحرازه تقدماً واضحاً على الأراضي السورية، تمثّل في الاستيلاء، أخيراً، على مدينة تدمر، عاد الحديث عن خطر يتهدد تقسيم البلدين على غرار عدد من البلدان العربية الأخرى في ظل الأحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة. أفكار انعكست في تصريحات تحذيرية لمسوؤلين دوليين وعرب، وأعاد إلى التداول الخريطة التي كانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية قد نشرتها أواخر عام 2013 توقعت فيها تقسيم خمس دول إلى 14 دويلة.

وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، لم يتردد في إبداء مخاوفه ممّا يحصل، لافتاً إلى أنّ "احتمال تقسيم سورية والعراق كبير في حال لم يعزز التحالف الدولي جهوده في أسرع وقت لمواجهة تنظيم داعش". وأشار فابيوس، في كلمته، أمام البرلمان الفرنسي، إلى أنّه "في العراق كما في سورية، يجب أن يتم تعزيز التحرك الدولي، وإلّا سنتّجه نحو تقسيم أحد البلدين أو كليهما وارتكاب المزيد من المجازر والعواقب الكارثية". وأعاد فابيوس خطورة تقدّم "داعش" إلى أنّ الحكومة العراقية لم تحترم التزاماتها أمام جميع أطياف المجتمع العراقي بتمثيل مصالحهم. كما اعتبر أن الرئيس السوري، بشار الأسد، خسر السيطرة على معظم بلاده، مشدداً على ضرورة إيجاد حل سياسي سريع بين حكومته والمعارضة "لإنقاذ سورية".

وقد سبق تصريح فابيوس، إعلان السعودية أن "داعش" يخطّط للوصول إلى عمق أراضيها، وأن استراتيجيته تقوم على تقطيع أوصال المملكة إلى خمسة قطاعات.

اقرأ أيضاً: صناعة الشرق الأوسط الجديد

وبنظرة على الوضع الراهن، يمكن ملاحظة "دول/ تقسيمات" قائمة على الأرض، فهناك "دولة كردية" متكاملة الأركان شمال العراق لم يعد ينقصها سوى الإعلان الرسمي والاعتراف الخارجي، و"دولة" يهيمن عليها الشيعة العرب في بغداد ومحافظات جنوب العراق بشكل رئيسي، وأقاليم في غرب العراق وشرق سورية سمّت نفسها "الدولة الإسلامية". وفي حين تقزّم نظام الأسد وتقوّضت شرعيته لدرجة اقتصار نطاق سيطرته على خمس المساحة السورية العامة، وهو ما يذكّر بما كان لطالما يسرّبه النظام بطرق غير مباشرة عن احتمال اكتفائه بدمشق والساحل السوري في حال فقدان السيطرة على باقي الأراضي السورية. 

وفي جنوب الجزيرة العربية، أصبح اليمن، حالياً، خاضعاً لانقسام خطير اتخذ مساراً طائفياً غير مسبوق بسبب سيطرة مليشيات مسلحة تحمل طابعاً دينياً. وعلى الرغم من أنّ التحالف العربي، الذي تقوده السعودية، قد دمّر الجزء الأكبر من الترسانة العسكرية للحوثيين ونظام الرئيس المخلوع، إلّا أنّ القوة البشرية التي لا يزال الحوثيون وصالح يخوضان من خلالها الحرب ما قد يؤدي إلى تقسيم البلاد، وهو أمر إن تم فلن يكون مقتصراً على تقسيم جغرافي، بل ستكون المقاييس الطائفية حاضرة أيضاً.

وإذا كان اليمن قد تحول في واقع الأمر إلى يمنَيْن، وبلاد الشام ارتفع عدد أوصالها إلى خمسة، فإن تنظيمي "داعش" والحوثيين، مهما اشتد العداء بينهما، إلّا أنهما يعملان بشكل متسارع على تنفيذ تهديداتهما المنفصلة للمملكة. وقد لا يكون الهدف اقتسام السعودية بل تقسيم السعودية، وهي الخطة التي وضعها "داعش" وكشفت وزارة الداخلية السعودية عن تفاصيلها قبل أيام. 

فقد تضمن المؤتمر الصحافي الذي عقده المتحدث باسم إدارة التحقيقات في وزارة الداخلية السعودية، العميد بسام العطية، في 24 مايو/ أيار الحالي، وقائع تشير إلى أن تنظيم "داعش" أصبح في قلب المملكة، وينفذ عملياته داخلها. ولا تزال هذه العمليات مقتصرة، حالياً، على التفجيرات الانتحارية، ولكن إذا لم يتم إيقاف "داعش" في سورية والعراق، فإن القضاء عليه داخل السعودية سيمثّل تحدياً كبيراً للقوى العالمية كافة من دون استثناء.

اقرأ أيضاً: الخلافات تهدد وحدة العراق

وأعلنت الداخلية السعودية، يوم الأحد، على لسان المتحدث باسمها اللواء، منصور التركي، تفاصيل ضبط خلية لـ"داعش" داخل السعودية مؤلفة من 26 عنصراً، قال، إنّها "شُكّلت قبل أربعة أشهر وخططت لاغتيال 5 ضباط بعضهم من أقارب أفرادها"، فيما أشار العطية إلى أن استهداف مسجد الإمام علي وقتل المصلّين، واستهداف رجال الأمن والأجانب قبل المسجد، أهداف تأتي في إطار استراتيجة مرسومة بدقة، مورداً الكثير من التفاصيل والأمثلة. وأوضح العطية استراتيجية "داعش" في ما يتعلق بالعمل الداخلي "التي تقوم على تقسيم بلاد الحرمين إلى خمس مناطق، بناء على اعتبارات سياسية وإدارية ولوجستية واقتصادية واجتماعية وتاريخية وأيديولوجية وعسكرية وغير ذلك".

وتكاد خريطة التقسيمات التي أوردتها وزارة الداخلية السعودية من واقع التحقيقات ​مع عناصر "داعش" المعتقلين تتشابه مع خريطة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، في سبتمبر/ أيلول 2013 أي قبل أشهر من بروز تنظيم "داعش"، عند استيلائه على محافظة الموصل العراقية قبل عام من اليوم.

تُظهر الخريطة التي سمّتها "نيويورك تايمز"، "الشرق الأوسط الحديث"، أنّ خمس دول عربية سيتم تقسيمها إلى 14 دولة، مشيرة إلى أنّ السعودية ستصبح 5 دويلات وتضم: دولة في نجد، سمّتها الصحيفة، "الدولة الوهابية"، ودولة في الحجاز (غرب السعودية تشمل الأماكن المقدسة)، ودولة في شمال السعودية تشمل جزءاً من جنوب الأردن، ودولة في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط وذات الكثافة السكانية الشيعية، ودولة في إقليم عسير ونجران في الأراضي التي تقطنها الطائفة الإسماعيلية السعودية التي كانت خاضعة تاريخياً لحكم الأدارسة، وتحاربت عليها السعودية واليمن عام 1934، قبل أن تضم في النهاية إلى السعودية. 

أما سورية، فقد قسمتها "نيويورك تايمز" إلى 3 دويلات: الدولة العلوية التي تتكّون من أقلية سيطرت على سورية لعقود وتسيطر على الشاطئ الساحلي. واقترحت نيويورك تايمز دويلة سورية ثانية، وهي "كردستان السورية" التي بإمكانها الانفصال والاندماج مع أكراد العراق في نهاية المطاف. أما الثالثة، فهي "الدولة السنية" التي بإمكانها الانفصال ومن ثم الاتحاد مع المحافظات في العراق وهو ما يجري، حالياً، تحت مسمى "دولة الخلافة".


اقرأ أيضاً: الهوية العربية وخطر التقسيم

وفيما يتعلق باليمن، رجّحت الصحيفة في ذلك الحين، أن "يعود" يَمَنَيْن، شمالي وجنوبي، على أنْ يصبح الجنوب بأكمله لاحقاً أو الجزء الشرقي منه، في إشارة إلى محافظة حضرموت التي ينتمي إليها نائب الرئيس، خالد بحاح، جزءاً من السعودية أو جزءاً من مجلس التعاون الخليجي، ما يعني اقتصادياً وسياسياً، إيجاد منفذٍ على بحر العرب لتصدير النفط الخليجي يقلّل الاعتماد على مضيق هرمز، الذي تخشى أميركا والسعودية من إقدام إيران على إغلاقه أو حرمان ناقلات نفط الخليج من عبوره. ولم توضح الصحيفة كيفية استفادة السعودية من المنفذ إلى بحر العرب بعد أن تصبح خمس دويلات سعودية عوضاً عن دولة واحدة.

يذكر بأنّ التقسيم الذي أوردته "نيويورك تايمز" نقلاً عن مركز دراسات تابع لها، ركّز بشكل رئيسي على الدول الواقعة في المشرق العربي. أما الجزء العربي الواقع غرب البحر الأحمر وجنوب البحر الأبيض المتوسط، فلم يرد فيه في سياق التقسيم المحتمل سوى ليبيا التي تشير الخريطة إلى أنّها مهددة بالانقسام إلى ثلاث دول.

اقرأ أيضاً: دولة داعش