فضيحة التجسس الأميركية الألمانية تهدد مستقبل ميركل السياسي

16 مايو 2015
ميركل دافعت عن التعاون بين الاستخبارات الألمانية والأميركية (Getty)
+ الخط -

أرخت فضيحة التجسس الألمانية الأميركية على دول أوروبية، بثقلها على كافة الملفات المطروحة على طاولة البحث في البرلمان الألماني "بوندستاغ"، واكتمل المشهد بالتصريحات وعبارات الاستهجان عما يقوم به جهاز الاستخبارات الألمانية لصالح وكالة الأمن القومي الأميركي، خصوصاً أن الملف اتخذ بُعداً آخر، بعدما تجاوز البُعد الأمني والحرب على الإرهاب، إلى مراقبة شخصيات سياسية ألمانية وأوروبية، إضافة إلى مؤسسات وشركات دول حليفة وصديقة.

وعاد الجميع بالذاكرة إلى ما قبل عامين عندما تبين أن الاستخبارات الأميركية قد تجسّست على الهاتف الخاص للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والتي سيتم الاستماع إلى أفادتها أمام لجنة التحقيق البرلمانية بصفة شاهد.

ولا يُستبعد أن تشكّل هذه الفضيحة أزمة في الائتلاف الحاكم، بعد كلام نائب ميركل رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي ووزير الاقتصاد سيغمار غبريال، والذي أشار إلى أنه استوضح من المستشارة عما إذا كان هناك تجسس على المصالح الاقتصادية غير تلك الحاصلة على المجموعة الأوروبية للصناعات الجوية والدفاعية، وكان الجواب دائماً بالنفي، إلا أنه وبحسب الدستور لا يمكن أن يتم ذلك من دون علم المستشارة الألمانية، وبالتالي سيكون ما يحدث سابقة من نوعها، وهذا ما قد يسبب أزمة سياسية، وربما يؤدي إلى إسقاط الحكومة الائتلافية، إذا ما تبين عكس ذلك.

في موازاة ذلك، تم تشكيل لجنة تحقيق برلمانية، بهدف الوصول إلى جميع الحقائق المتعلقة بالعملية، خصوصاً أن البرلمان الألماني ليس على علم بالمعايير المعتمدة في جمع هذه المعلومات، أو عن حجم عمليات التجسس على الشركات ورجال السياسة في أوروبا، وهذا أمر بالغ الخطورة، ولا يمكن السكوت عنه، لأنه وفي بلد صناعي مثل ألمانيا تلعب الشركات دوراً مهماً في العجلة الاقتصادية، ومن الممكن أن تزعزع الثقة بينها وبين الدولة.

ويرى مراقبون أنه في حال ثبتت معرفة ميركل وأعضاء الحكومة ومنهم زميل ميركل في الحزب "الديمقراطي المسيحي" وزير الداخلية توماس دي ميزيير، بالأمر، سوف يطرح الحزب المنافس والشريك في الائتلاف الحكومي (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) كافة أوراقه في هذا الملف، وذلك بهدف تقليب الرأي العام على ميركل، وهو ما سيحتّم أيضاً على حزبي "الخضر" و"اليسار" الضغط بشكل أكبر باللجوء إلى إجراءات قضائية من أجل الكشف عن المعلومات. وأمام هذا الواقع والضغط الموجود حالياً، لا يُستبعد أن تقدم ميركل على وضع استقالتها بتصرف البرلمان، خصوصاً إذا ما أصبحت مصداقيتها على المحك.

ويعتبر المراقبون أن عملية استجواب الشهود سوف تتم أملاً بالحصول على معلومات إضافية بغية إماطة اللثام عن كافة النقاط المتعلقة بالقضية لمعرفة مدى التعاون بين استخبارات البلدين، لا سيما بعدما تبين أن جهاز الاستخبارات الألمانية يعمل بتوجيهات من دولة أخرى، وأن الأميركيين ما زالوا يقومون بعملية التطوير للمحطة التي يمكنها القيام بعمليات تنصّت في الشرق الأوسط.

مع العلم أن التعاون بين الطرفين قديم ووثيق، وقد تم في عام 2004 تسليم محطة الرصد في مدينة "باد ايبلينغ" والمشيّدة من قبل الجيش الأميركي والموجودة في ولاية بفاريا، إلى السلطات الألمانية، ويتم عبرها القيام بعمليات التنصت، وهي تُعتبر الأقدم والأقوى في التنصت ضمن القارة الأوروبية، إذ يتم التنصت ومراقبة وتعقّب 13 قمراً صناعياً وأكثر من 160 من بينات الاتصال، إضافة إلى الكشف عن عمليات التجسس، بواسطة الرموز وأرقام الهاتف والبريد الإلكتروني لتعقب الأهداف.

اقرأ أيضاً: الاستخبارات الألمانية تدافع عن تجسسها على شركائها

يُشار إلى أن الحكومة الألمانية أوضحت للأميركيين أن الضغوط أصبحت كبيرة وتم إيقاف التعاون في الفترة الراهنة، وأن لجنة تقصي الحقائق التي تم تشكيلها تؤدي دوراً مهماً في هذا المجال بهدف الحصول على قائمة مصطلحات البحث للمطالبة بشكوى أمام المحكمة الدستورية الاتحادية.

وتلفت بعض التقارير الصحافية إلى أن هناك حالة من عدم الاقتناع لدى المعارضة، خصوصاً التصريحات التي أدلى بها مدير محطة التجسس، والتي يقول فيها، إن تسريب المعلومات كان يحدث في إطار المحطة وشفوياً، يضاف إليها رفض الحكومة حتى الآن كشف المعلومات أمام البرلمان، ما دفع إلى زيادة الشكوك بأنه تم تقديمها لقيادة الاستخبارات الألمانية، أي أن مكتب ميركل كان على علم بذلك، وبالتالي فإذا ما لزم الأمر سيتم تسليم العناصر الأقل حساسية على القائمة، لأن خطر الإفصاح يجب أن يترافق مع إثبات الأسباب بالتفاصيل.

من جهة أخرى، يستبعد عدد من القانونيين أن تصل لجنة الرقابة البرلمانية المشرفة على عمل الاستخبارات إلى نتيجة، فدورها يقتصر على المساءلة وليس التحقيق الذي يصل إلى حد اتهام اشخاص، وبالتالي لا يمكنها الوصول إلى نتائج جدية، خصوصاً أن من طالب بها أحزاب صغيرة، وغير مؤثرة في البرلمان، وهي تطالب بالمزيد من الصلاحيات، ولا تستطيع حالياً أن تفرض شيئاً على أرض الواقع.

ودافعت ميركل في حديث إذاعي مجدداً عن التعاون بين الاستخبارات الألمانية والأميركية، وقالت: "في ظل الوضع الراهن نحن بحاجة إلى مثل هذا التعاون، فالأمر يتعلق بحماية ثمانين مليون إنسان".

وكانت وزيرة الداخلية النمساوية قد صرحت بأن بلادها تقدمت بشكوى أمام مكتب المدعي العام ضد مجهول عن عمل تقوم به استخبارات سرية ضد بلادها.

ووفق آخر استطلاعات الرأي تبيّن أن 33 في المائة ممن شملهم الاستطلاع تزعزعت ثقتهم بميركل، في حين أن 63 في المائة لم يتأثروا بذلك.

اقرأ أيضاً: واشنطن تتجسس مجدداً على برلين... وحديث العقوبات الألمانية يعود

المساهمون