أطباء بلا حدود: شهادات في الذكرى الرابعة للنزاع السوري

16 مارس 2015
"داعش" اختطف خمسة من عاملي المنظمة (Getty)
+ الخط -

مع دخول الحرب في سورية عامها الخامس، لا تزال المساعدات الإنسانية تفشل في الوصول إلى ملايين السكان، الذين هم في أمسّ الحاجة إليها، والذين يحاصرهم هذا النزاع، في وقتٍ بلغت فيه الحاجة إلى المساعدات الطبية أقصى درجاتها. إزاء الوضع المأساوي تبقى شبكات الأطباء والناشطين المدنيين طوق النجاة الوحيد الذي يتعلق به هؤلاء السكان. ومن بين المنظمات الإنسانية التي تعمل على تأمين المساعدات الصحية لضحايا هذه الحرب، منظمة أطباء بلا حدود، التي أسست شبكة دعمٍ تغطي أكثر من 100 مرفقٍ طبيٍّ في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية وغيرها.

أطباء هذه المنظمة الذين عاشوا تفاصيل هذه الحرب، ينقلون شهادات حيّة عن أفظع اللحظات التي عايشوها في مختلف مناطق النزاع. "لقد كانت مجزرةً بالنسبة لنا حين قُتل 100 شخصٍ أغلبهم من الأطفال والنساء بعد ظهر أحد أيام مايو/ أيار 2012. كان يوماً رهيباً، لكنّ الأمور تزداد سوءاً في الحولة. فالأخبار كانت تتحدث عن "قصفٍ متقطعٍ"، لكنه لم يكن يتوقف. كل ما هنالك أننا كنا نميز بين قصف المدفعيات الثقيلة والخفيفة، يقول الدكتور أ.، مدير أحد أهم المستشفيات الميدانية، في منطقة الحولة، الواقعة شمال حمص، والتي يقطنها حوالي 90,000 نسمةٍ تحت الحصار.

الطبيب الذي يروي عن الإمكانات المحدودة في المستشفى الميداني الذي يعمل فيه، والذي تعرّض للقصف ثلاث مرات، كان آخرها منذ سبعة أشهر، يقول "تتعدد القصص وكلها تدمي القلب. لن أنسى أبداً ذلك الستّيني الذي توقف قلبه. استعملنا أبسط الأجهزة لإنعاشه ومساعدته على التنفس، فأجهزتنا قديمة جداً. ظلّ الرجل في غيبوبةٍ ليومين ونصف وتناوب أعضاء الفريق ليلاً لمساعدته على الاستمرار في التنفس بواسطة جهازٍ يدويٍّ قديم، عبارةٌ عن كيسٍ نضغط عليه لندفع بالهواء داخل رئتيه. لم أصدق حين فتح عينيه وطلب رؤية زوجته. لم أصدق أنه استفاق من غيبوبته ولم يفقد دماغه وظائفه. ما زال الرجل يعيش في الحولة. أحاول أن أتذكر قصصاً مثل هذه. ربما بعد أن تضع الحرب أوزارها، سيترك بعض الأطباء مهنة الطب. لقد رأينا الكثير، ويصعب علينا قبول الأمر واستيعابه".

"أتساءل أحياناً إن كنت غبياً لأنني لم أغادر"...

"اليوم أكاد أجزم بأني، وبمجرد انتهاء هذه الحرب، سأعتزل الطب. ما مررنا به حتى اليوم يكفي ليدفع بأي بشر إلى اتخاذ قرار كهذا"، يقول الدكتور أ.س، الطبيب الجراح الشاب، الذي تخرج عقب اندلاع الأزمة في سورية، ويعمل الآن في أحد المستشفيات الميدانية، إلى الشرق من العاصمة دمشق.

ومن اللحظات التي لا تزال عالقةً في ذهن هذا الطبيب الشاب، أحد أيام تموز 2013، حين سقط أحد الصواريخ على المشفى، وأحدث انفجاراً مهولاً، "وما إن تخطينا مرحلة الصدمة حتى انهارت إحدى العاملات في المشفى، لأنها أردات الاطمئنان على ابنها الصغير في المنزل، القريب من المشفى، لم تتمكن من تمالك نفسها وأرادت أن تتفقد ولدها. قرر أحد المسعفين الخروج للبحث عن الصبي، شاهدنا رجلاً يخرج سليماً معافى، ليعود إلينا في لحظات مصاباً بالشظاياً".

شهادة أخرى يدلي بها طبيب نسائي، يعمل مع منظمة أطباء بلا حدود شمال شرق سورية، حيث لا يزال مصمماً على الاستمرار في عمله، رغم فرار زملائه من المشفى، "أشعر بالوحدة هنا على الصعيد المهني، إذ أن العديد من زملائي قد رحلوا، أغضب أحياناً وأتساءل في أحيانٍ أخرى إن كنت غبياً لأنني لم أغادر. لكن الوضع هنا صعبٌ وحين تنقذ حياة شخصٍ ما فإنك تشعر بالسعادة الداخلية".

ويشرح الطبيب عن تأثير النزاع على النساء، بأشكالٍ عدة. وقبل أن نجري عمليةً جراحيةً لأي امرأة علينا أن نحصل على موافقةٍ خطيةٍ من زوجها أو رجلٍ آخر من العائلة، ولذلك نواجه مشكلةً حين تتطلب حالة امرأةٍ ما لا يرافقها رجل إجراء عملية قيصرية". ويضيف "ليس من مشكلةٍ في سورية أن يكون طبيب النسائية رجلاً، لكن هذا الأمر قد يكون مشكلةً حقيقةً بالنسبة للاجئين القادمين من سنجار في العراق. غالباً ما ترفض النساء أن يخضعن للفحص، فهن يفضلن الموت على أن يفحصهن رجل".

اقرأ أيضاً:ذكرى مجزرة "الساعة": معموديّة نصّبت حمص عاصمة للثورة

بدورها، تقول الرئيسة الدولية للمنظمة، الدكتورة جوان ليو: "مرت أربع سنواتٍ على بدء النزاع السوري، فيما تستمر أعمال العنف الوحشية التي تتسم بها هذه الحرب والتي لا تميز بين مدنيين ومقاتلين، ولا تحترم حصانة الطواقم والمرافق الطبية. ليس من المقبول أن تكون المساعدات الإنسانية محدودةً هكذا، في حين بلغ معدل الوفيات ومستوى المعاناة درجة لا يمكن تحملها".

وتشير ليو، إلى أنّه كان عدد الأطباء العاملين في حلب، ثاني أكبر المدن السورية، يقدّر قبل بدء النزاع بنحو 2,500 طبيبٍ تبقى منهم أقل من مئة طبيبٍ، يعملون في المستشفيات التي لا زالت تقدم خدماتها في المدينة. أما ما تبقى فقد فروا ونزحوا داخل البلاد وخارجها أو تعرضوا للخطف أو القتل.

وتلفت أيضاً إلى أنّ التدهور التدريجي للوضع الأمنيّ واختطاف خمسةٍ من العاملين على يد جماعة "الدولة الإسلامية" (داعش) في يناير/كانون الثاني 2014، أدى إلى إجبار منظمة أطباء بلا حدود على خفض نشاطاتها.

اقرأ أيضاً:مخيم اليرموك والحصار المعلن