بلغت الحرب بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وصحيفة "يديعوت أحرونوت" مستويات جديدة، بعدما هاجم نتنياهو عبر تغريدة على موقع تويتر، أمس الإثنين، مالك الصحيفة وموقعها الإلكتروني نوني موزيس. واتهمه بالوقوف خلف أخبار وتقارير سلبية طالته وطالت زوجته في الآونة الأخيرة، منها قضية بيع قناني المياه الفارغة وغيرها.
ويعتبر نتنياهو أنّ كلّ ما يُشاع عبارة عن "موجة افتراءات"، تحرّكها دوافع موزيس لإسقاط اليمين والإضرار بصحيفة "يسرائيل هيوم" المنافسة التي تخدم أجندة نتيناهو. ويقول: "لا يتردّد موزيس في استخدام أيّ وسيلة لإسقاط حكم الليكود برئاستي، وإغلاق صحيفة "يسرائيل هيوم"، وإعادة السيطرة المطلقة لصحيفة يديعوت على الصحافة المكتوبة".
ويذهب نتنياهو إلى حدّ اعتبار أنّ صحيفة "يديعوت أحرونوت" وموقعها الإلكتروني "واينيت"، "منصتان تبادران بمنهجية إلى افتراءات سخيفة، كاذبة ومغرضة، ضدي وضد زوجتي، كجزء من حملة إعلامية لاستبدال حكم الليكود بحكم اليسار".
وتأتي تغريدات نتنياهو، بعد يومين على نشره مقطع فيديو، يوم السبت الماضي، يظهر فيه مساعده وهو يدخل إلى مكتبه مرات كثيرة، ويخبره بوجود تقارير كاذبة تطاله في قضايا مختلفة، حتى أطلق في أحد المقاطع اسم "لاي نيت" على الموقع الإلكتروني التابع للصحيفة. وسبق لنتنياهو أن هاجم هيئات وجمعيات مثل جمعية (V15)، وصفها باليساريّة، وزعم أنها مدعومة من الخارج وتسعى إلى إسقاط حكمه.
ولم يتأخّر كبير صحافيي "يديعوت أحرونوت"، نحوم برنييع، في الردّ على ادعاءات نتياهو، ووصفه في تصريحات للإذاعة الإسرائيلية بـ "مريض يعاني الرهاب"، متسائلاً: "ماذا لديه ضد الصحيفة؟ لا يوجد بأيدينا شيء غير لوحة المفاتيح. هذا جنون العظمة. نتنياهو بحاجة إلى علاج".
إحياء "معاريف"
من جانبه، يرى أستاذ الإعلام، الدكتور خليل ريناوي، من الداخل الفلسطيني، أن نتنياهو يسعى إلى تحقيق أكثر من هدف بهجومه على يديعوت أحرونوت، وهو يحاول في ظلّ تجنّد غالبية وسائل الإعلام ضده، الضغط على صحيفة "معاريف" ذات الطابع اليميني للتصفيق إلى جانبه، ضد غريمتها التقليدية "يديعوت أحرونوت".
ويعرب ريناوي، في تصريحات إلى "العربي الجديد"، عن اعتقاده بأنّ "نتنياهو يحاول أن يقول للقائمين على الصحيفة إنكم لستم معي بما فيه الكفاية، ويعمل في موازاة ذلك، وبشكل مبطّن على إعادة "معاريف" إلى الأجواء والعناوين بعد اندثارها وتهاويها بسبب الأزمة الاقتصاديّة التي ألمّت بها".
ويحتاج رئيس الحكومة الإسرائيلية، وفق ريناوي، إلى "صحيفة معاريف على الرغم من ضعفها، لأنّه لا يستطيع استخدام "يسرائيل هيوم" لتمرير رسائله ودعايته الانتخابية، ذلك أنّ الجمهور يعلم جيداً أنّها محسوبة عليه، وبالتالي ستكون أقلّ مصداقيّة في نظر الناس"، مستنتجاً بالتالي أنّ "معاريف" قد تشكّل "جسراً لعبوره فترة الانتخابات".
ويهدف نتنياهو، من خلال هجومه على "يديعوت أحرونوت"، إلى "استخدام وسائل الإعلام المجنّدة ضده لصالحه"، ويقول ريناوي بهذا الصدد: "هناك فئة من الجمهور يمكن أن يكتسبها من خلال الهجوم على وسائل الإعلام التي تميل إلى اليسار أو الوسط بالمفاهيم الإسرائيليّة، وهذا أمر متعارف عليه، فعندما يكون لدى القائد هيمنة دكتاتوريّة، يهاجم وسائل الإعلام ليلفت النظر إليه".
وتُعتبر صحيفة "يسرائيل هيوم"، المقرّبة من نتنياهو، والممولة من صديقه الملياردير اليهودي الأميركي شلدون أدلسون، وتوزع مجاناً منذ نشأتها عام 2007، سبباً رئيسياً لخلافاته مع "يديعوت أحرونوت". قبل ظهور صحيفة "يسرائيل هيوم" التي تبدو صحيفة علاقات عامة وترويج لصالح الرئيس نتنياهو، كانت المنافسة على أشدها بين كبريات الصحف الإسرائيلية وعلى رأسها صحيفتا "يديعوت أحرونوت" و"معاريف"، فيما كانت صحيفة "هآرتس" ولا تزال تُعتبر "صحيفة النخبة".
وعلى ضوء التوزيع الكبير لصحيفة "يسرائيل هيوم"، بوصفها مجانية ويقف خلفها ملياردير يهودي يعيش في الخارج، ويضخ لها أموالاً طائلة، فقد تصدّرت الكثير من استطلاعات الرأي التي أشارت إلى تقدّمها على "يديعوت أحرونوت"، فيما عقّد ذلك وضع صحيفة "معاريف" أكثر، والتي كانت تعاني أصلاً من مشاكل اقتصادية حتى توقفت عن الصدور بنسختها الورقيّة اليوميّة، إلا في نهاية الأسبوع.
قانون ضد الصحف المجانية
في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، صوّت الكنيست في قراءة تمهيديّة، على مشروع قانون اقترحه النائب إيتان كابل من حزب العمل، يمنع توزيع صحف مجانية، وعُرف باسم قانون "يسرائيل هيوم"، باعتبارها كانت الهدف من ورائه، لكنّ مشروع القانون سقط مع حلّ الكنيست.
وتحوّلت قاعة الكنيست الإسرائيلي في حينه إلى ساحة حرب وتراشق اتهامات، بين نواب يطالبون بمنع توزيع صحف مجانية، تحت شعار الحفاظ على الصحف الأخرى، ومنعاً لتوظيف المال الخارجي في خدمة مشروع معين، وأولئك الذين استماتوا في الدفاع عن الصحيفة، وعلى رأسهم نتنياهو.
وكان كابيل قد اتهم مالك الصحيفة أدلسون، بالسعي إلى القضاء على الصحافة المكتوبة في إسرائيل، بسبب التوزيع المجاني وخفض أسعار الإعلانات، وهو الأمر الذي لا تستطيع الصحف الأخرى احتماله، على حدّ تعبيره.
ويأتي تمويل الصحيفة، وفق كابيل، من "أموال المقامرات التي يتمّ ضخّها من الخارج، بمئات ملايين الشيكلات، ما يثير الشكوك حول مصداقيتها ويقضي على المنافسة العادلة، وقد يتسبب بإغلاق باقي الصحف، ويفضي إلى سيطرة اتجاه واحد ورأي واحد".
وفي وقت رفع كل من الفريقين، المؤيد والمعارض، شعارات حول حريّة الصحافة والنشر والمصلحة العامة للصحف، إلا أن كلاً منهما يرى الأمور من منظوره ومصلحته، فيما يحضر المال والسياسة بقوة، خلف تبنّي هذا الموقف أو ذاك.