الصراع بين العسكر والرئاسة في الجزائر يتمدّد

07 ديسمبر 2015
عودة الحديث عن تدخّل العسكر في السياسة(فايز نورالدين/فرانس برس)
+ الخط -


خرج الصراع بين دوائر الحكم في الجزائر إلى العلن، بعد البيان الذي أصدره القائد السابق لجهاز الاستخبارات الفريق محمد مدين، دفاعاً عن مساعده السابق الجنرال حسان الذي أدانته محكمة عسكرية، وسط تباين في مواقف القوى السياسية المعارضة بين التماهي مع بيان مدين واعتباره دقاً لناقوس الخطر، وبين الاعتراض على موقفه وإدانته سياسياً لتجاهله مسؤوليات الجهاز في الأزمة الأمنية التي عصفت بالبلاد منذ العام 1992.

رسالة مدين ما زالت تثير مواقف وردود فعل سياسية وتحليلات عن خلفية الرسالة ودلالات توقيتها وكيفية تعاطي السلطة مع موقفه، الذي اعتُبر تحدياً لسلطة القضاء وخروجاً عن واجب التحفظ، كما وصفه وزير الاتصال الجزائري حميد قرين، واعتبر أن تصريحات مدين "محل استغراب وعنف لفظي". وأعرب قرين، متحدثاً "بصفتي وزيراً في الحكومة الجزائرية"، عن دهشته "من كون صاحب التصريحات هو ضابط سابق في الجيش، بل ضابط رفيع المستوى الذي من المفروض أن منصبه يلزمه بواجب التحفظ والصمت". ورأى أن مدين وصل به الأمر إلى التشكيك والتنديد بحكم القضاء، قائلاً: "نُكنّ احتراماً له ولكل من خدموا الدولة الجزائرية، إلا أن رسالته تطعن في دولة القانون وسيادة القضاء". ودعاه لأن يكون مسؤولاً عن كلامه ويلزم واجب التحفظ الذي يمليه عليه منصبه.

وكان مدين قد أصدر تصريحاً مكتوباً شكّل أول خروج إعلامي له بعد أن بقي في دائرة الظل خلال ربع قرن في قيادة جهاز الاستخبارات الجزائرية، انتقد فيه إدانة المحكمة العسكرية في وهران غرب الجزائر لمساعده السابق في الجهاز رئيس قسم مكافحة الإرهاب في الجهاز المدعو الجنرال حسان والذي حُكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة إتلاف وثائق عسكرية ومخالفة التعليمات. واعتبر مدين، الذي عزله من منصبه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في 13 سبتمبر/أيلول الماضي، الحكم على الجنرال حسان حكماً قاسياً وظالماً، وقدّم شهادة لصالح مساعده السابق شهد له فيها بالكفاءة وتنفيذ التعليمات وحماية البلاد والمواطنين، مشدداً على أن المهمات التي نفذها الجنرال حسان تمت تحت وصايته وسلطته.

اقرأ أيضاً: الجزائر: صراع العسكر والرئاسة إلى العلن

وإذا كانت أحزاب السلطة قد انتقدت رسالة مدين، واعتبرتها محاولة للعب في الوقت الضائع، فإن قوى المعارضة تباينت بين طرفين، مجموعة الـ19 التي تضم قيادات أحزاب وشخصيات سياسية وتاريخية والتي كانت وجّهت قبل أسبوعين رسالة إلى بوتفليقة وطلبت لقاءه وشككت في أن تكون سلسلة من القرارات التي اتخذتها الحكومة صادرة عنه، وجدت في رسالة الفريق مدين دليلاً على غموض اللعبة السياسية التي تديرها مجموعة تحيط ببوتفليقة، بحسب رأيها.

وقالت المتحدثة باسم المجموعة لوزيرة حنون، إن "رسالة قائد جهاز الاستخبارات السابق تؤكد أن الرئيس لا يعرف ما يجري في البلد، وهي دليل على خطورة الوضع"، مضيفة أن الفريق مدين "وصل إلى النتيجة نفسها التي وصلت إليها المجموعة في تحليلها لواقع الجزائر، إنه مسعى مقاومة للدفاع عن كيان الدولة".

لكن قوى سياسية أخرى في الجزائر، اعتبرت التطورات المتصلة بتصريحات قائد جهاز الاستخبارات السابق، ضمن صراع بين أطراف الحكم، لا صلة لها بمشكلات البلد ومستقبله. واستغرب القيادي في حزب "جبهة القوى الاشتراكية" شافع بوعيش، دفاع مدين عن ذراعه اليمنى، فيما لم يتحدث مطلقاً عما سبّبته الأزمة الأمنية التي كان جهاز الاستخبارات طرفاً فيها. وقال إن "أكثر من 200 ألف قتيل و10 آلاف مفقود و126 قتيلاً في أحداث منطقة القبائل عام 2001، لم يتحدث عنها الجنرال مدين، فيما يتحدث اليوم دفاعاً عن رفيقه".

أما القيادي في حركة "مجتمع السلم"، أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر ناصر الدين حمدادوش، فأكد لـ"العربي الجديد" أن "صراع الأجنحة هو ما يشكّل الخطر الحقيقي على الأمن والاستقرار، ويتحمّل هذا النظام بكل مكوناته مسؤولية ما وصلت وما ستؤول إليه الأوضاع في البلاد،"، مضيفاً أن هذا الوضع كان "نتاج الفراغ السياسي والمؤسساتي، الذي طالما حذرت منه قوى المعارضة"، مشيراً إلى أن "قوى المعارضة لن تُستدرج إلى صراع بين مكوّنات الحكم، فنحن لا يمكن أن نقع ضحية اصطفاف أجنحة السلطة المتصارعة".

ولا تنظر المعارضة السياسية في الجزائر بعين الرضى إلى التطورات المتصلة برسالة قائد جهاز الاستخبارات السابق، وهي بالنسبة لها فصل من فصول الصراع بين دوائر الحكم في ظرف حساس تمر به البلاد.

اقرأ أيضاً: الحكومة الجزائرية ترد على انتقادات الجنرال توفيق المعزول