انتفاضة أكتوبر الجزائرية بعيون الجنرال نزار: الشاذلي مسؤول

05 أكتوبر 2015
نزار يقول إن الجيش اضطر لإطلاق النار (فرانس برس)
+ الخط -

يكشف وزير الدفاع الجزائري السابق الجنرال المتقاعد خالد نزار، في كتابه "التقهقر المبرمج"، شهادة حية من داخل السلطة الحاكمة في فترة أحداث أكتوبر/تشرين الأول 1988 التي شهدتها الجزائر، خصوصاً أن نزار كان قائداً لهيئة أركان الجيش، وعلى اطلاع شامل بمجريات الأحداث قبيل وأثناء وبعد انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 1988.

يوجّه نزار نقداً لاذعاً للرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد، ويجزم بأن سبب وقوع تلك الأحداث طريقة حكم الشاذلي للبلاد خلال تلك الفترة، مشيراً إلى أنها طريقة تميزت بالفوضى الإدارية وانتشار الرشوة والتلاعب بالريع النفطي وهدر الأموال، مما أسهم في خلق بيئة من الصراعات يتناحر فيها من يساند الإصلاحات ومن يعارضها. آنذاك أرادت التيارات المناهضة للإصلاحات الرئاسية أن تخلق غلياناً اجتماعياً يحبط الإصلاحات، مما اضطر الجيش إلى أن يواجهها. ولهذا كان انتشار الجيش في العاصمة ضرورياً "لتهدئة" الوضع، كما يبرر الجنرال المتقاعد.

ويقول إن الجيش لم يكن بحوزته رصاص مطاطي، ولهذا فقد اضطر الجنود لإطلاق النار عندما ووجِهوا بهجمات بالزجاجات الحارقة، مشيراً إلى أنه لم يتوقّع قط استخدام السلاح و"لم نطلق النار للقتل إطلاقاً" آنذاك، لكنه لا ينكر حصول تجاوزات. كما يبدي تعجبه من حدة التظاهرات، قائلاً: لم أكن أعتقد شخصياً أن الجزائريين كانوا قادرين على الوصول إلى هذا المستوى من التظاهر".

وفي رأي نزار فإن الأحداث تم استغلالها من قبل الإسلاميين الذين تحركوا بسرعة وتحكّموا في التظاهرات. وقد رفض حينها حصول أي مسيرات خصوصاً أن حالة حصار العاصمة تمنع أي تجمّع. ويقول: "على الرغم من تعليماتي فقد نظّم الإسلاميون تجمّعاً ضخماً في حي بلكور بقلب العاصمة، وبما أن نداء الشيخ أحمد سحنون كان بالفعل للتهدئة، فإن العديد من المتظاهرين عادوا إلى منازلهم. لكن علي بلحاج الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ لاحقاً وعناصره تظاهروا وسط العاصمة، وقد أعطيت الأوامر للجيش بعدم إطلاق النار وعدم اعتراض المسيرة، الا أن أحد المتظاهرين أطلق النار، فدبّت الفوضى وتم إطلاق النار في كل صوب". أما عن حالات التعذيب التي وقعت، فيُبرئ نزار الجيش منها، لكنه يعترف بوقوعها.

اقرأ أيضاً: بعد تنحية مدين: نهاية جيل الجنرالات السبعة الأقوياء بالجزائر

وبعيد الأحداث تفجّرت الخلافات داخل مؤسسة الحكم الجزائرية، فيروي نزار خلافاته مع الشاذلي حول هيكلة الجيش. وعندما عُيّن قائداً للأركان العامة للجيش، خلفه في قيادة القوات البرية الجنرال اليمين زروال، فطلب منه مباشرة الإصلاحات حتى آخرها. إلا أن زروال راجع دراسته وقدّم له مشروعاً جديداً، فكان أن طلب نزار تحكيم الشاذلي. إلا أن الأخير الذي كان قد وافق على خطته، فضّل مشروع زروال، فقرر خالد نزار أن يستقيل. ويقول نزار عن هذا الأمر: "أخبرت زروال بالأمر فقال: لست أنت من يستقيل وإنما أنا الذي سأرحل. فقُبل مشروعي من جديد، أما زروال فاستقال وغادر الجيش نهائياً".

ويتابع نزار سرد التداعيات السياسية التي تلت أحداث أكتوبر/تشرين الأول 1988 والتي انتهت بإقرار دستور جديد للبلاد فتح الباب أمام التعددية السياسية والنقابية والصحافة الحرة. ويكشف الجنرال السابق أن رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش، الذي كان يشغل حينها منصب الأمين العام لرئاسة الجمهورية، اتصل به وطلب من الحضور إلى مقر الرئاسة ليطلعه على نص مسودة الدستور الجديد الذي سيُطرح للتصويت الشعبي في فبراير/شباط 1989، قبل أن يوقّع عليه الشاذلي. ويروي نزار: "بعد أن تصفحت نص الدستور بسرعة قلت له، إن المادة المتعلقة بإنشاء الأحزاب السياسية تتناقض والمادة التي تقول إنه لا يمكن استخدام الإسلام لأغراض سياسية"، مضيفاً: "قلت له: انصح الرئيس بألا يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية المقبلة التي كانت مقررة في العام 1989، فهو أخ ورفيق سلاح، لكن من الأفضل أن يمتنع نظراً للأحداث التي عشناها من 5 إلى 11 أكتوبر/تشرين الأول والتغيرات التي ستحدث".

ويؤكد وزير الدفاع السابق أنه "فهم فيما بعد أن الشاذلي اتخذ قراره، وأن مشروعه الخاص بالانفتاح السياسي حضّر له مسبقاً مما يفسر السرعة التي حُضرت بها وثيقة بأهمية وحجم مسودة الدستور". ويعتقد نزار أن الشاذلي بن جديد عندما عيّن مولود حمروش رئيساً للحكومة في سبتمبر/أيلول 1989، طرح اسمه (نزار) بطريقة مفاجئة كوزير للدفاع، معتبراً أن الشاذلي حاول شراءه بمنصب وزير الدفاع، وإغراءه لمنعه من الاستقالة والبقاء في جوار السلطة في تلك الظروف السياسية الصعبة.

دلالات
المساهمون