دبلوماسية تنزانيا لحل النزاعات: جنوب السودان نموذجاً

25 أكتوبر 2014
لعبت أروشا دوراً في فضّ النزاعات في دول أفريقيا(الأناضول)
+ الخط -

تتواصل محاولات الأطراف المتصارعة في دولة جنوب السودان، لإنهاء الحرب الأهلية في الدولة، وقد اختار أطراف النزاع أروشا التنزانية، حضناً لحلّ خلافاتهم، نظراً للدور الذي لعبته في فضّ النزاعات في دول أفريقيا.

وبعد أن اتّفق الفرقاء في دولة جنوب السودان، (الحكومة في جوبا، والمتمردون بزعامة ريك مشار، ومجموعة المعتقلين العشرة، بقيادة الأمين العام المقال باقان أموم)، على أولى الخطوات لتوحيد حزب "الحركة الشعبية"، وقّع الفرقاء الثلاثة، في أروشا التنزانية، على إعلان مبادئ حمل أجندة، لمناقشة الخلافات التي ضربت الحزب الحاكم، وأدّت إلى انشقاقه إلى ثلاثة أجزاء، ووصلت إلى حرب ضربت أنحاء الدولة، بعد قرار الجنوبيين بالانفصال، وتكوين دولتهم المستقلة، بعيداً عن السودان الموحّد.

ويعدّ اللقاء الذي جمع الأطراف الثلاثة، الأوّل من نوعه، منذ اندلاع الحرب في جنوب السودان، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقد تمّ بوساطة تنزانية، ووفقاً لطلب وجّهه الرئيس الجنوبي، سلفاكير ميارديت، إلى الرئيس التنزاني جاكايا كيكويتي، من أجل التوسّط بين الأقطاب الثلاثة، لحلّ الخلافات التي ضربت الحزب، وذلك لقناعة ميارديت، بأنّ الأزمة في بلاده، يكمن حلّها في توحيد حزبه، وفق ما نقل عنه الرئيس التنزاني، إبّان مراسم التوقيع على إعلان المبادئ في أروشا.

وفي ظلّ فشل وساطة الهيئة الحكومية للتنمية في دول شرق أفريقيا "إيجاد"، في إيجاد الحلّ السلمي لأزمة الحرب في الجنوب، من خلال المفاوضات التي رعتها طوال العشرة أشهر الماضية، بسبب تشكيك الفرقاء الجنوبيين في حياديّة الهيئة، واتّهامها بالانحياز إلى أحد طرفي الصراع، نجد أنّ تنزانيا نجحت ضمنيّاً، في وضع الأساس لحلّ الأزمة، باعتبار أنّ الحركة كحزبٍ حاكم، تعتبر هي أساس الأزمة.

وشكّل الحياد الذي التزمت به العاصمة التنزانية دار السلام، إبّان الحرب الأهليّة التي اندلعت في الدولة، أرضيّة إنجاح عمليّة الوساطة، كونها ليست بعيدة عن وجدان قادة "الحركة الشعبيّة"، إذ تلقّى زعيمهم وملهمهم الراحل جون قرنق، دروسه في دار السلام، وتأثر حينها، أي في ستينيات القرن الماضي، بالرئيس التنزاني، جوليوس نيريري، الذي قاد نضالاً في بلاده ضدّ الاستعمار، وأسّس مدرسة الاشتراكية الأفريقية.

على الرغم من تعاطف تنزانيا مع "الحركة الشعبية" لتحرير السودان، إبان الحرب التي خاضتها مع السودان الشمالي، واستمرّت قرابة ربع قرن ما قبل الانفصال، إلاّ أن دار السلام لم تقدّم لها دعماً ماديّاً. كان التعاطف الذي أبدته تنزانيا، ناتجاً عن إيمانها بحركات التحرّر، ومبادئها الخاصة بالاشتراكية، ودولة المؤسسات، والديمقراطية، التي تبنّتها الحركة في مسيرتها.

وتعدّ تنزانيا من الدول الأفريقيّة، التي لم تشهد حروباً أهلية منذ استقلالها في الستينيات، بالمفهوم الموجود في دول شرق ووسط أفريقيا، على الرغم من وجود قبائل متعدّدة فيها، كما أنّها مستقرّة سياسيّاً، مقارنةً بدول كينيا، ويوغندا، وإثيوبيا، والسودان وجنوب السودان.

وعلى الرغم من سيطرة حزب واحد على السلطة في تنزانيا، لكنّه نجح في تأسيس الدولة، بعيداً عن القبلية، فوجدت القبائل كافة نفسها في السلطة، الأمر الذي يغلق أبواب الفتنة فيها.

ولعبت أروشا، التي تقع في الجزء الشمالي من الدولة، وتُعتبر من المناطق السياحية هناك، دوراً في احتضان المفاوضات، وورش العمل المتعلّقة بفضّ النزاعات في دول أفريقيا، وعادة ما تقصدها المنظّمات الدوليّة والغربيّة، نظراً لاستقرارها الأمني، ولما تتمتّع به من جوّ نقي. 

واحتضنت أروشا، المفاوضات الخاصة برواندا، التي شهدت أكبر حرب عرقيّة في تاريخ أفريقيا، ووقّعت فيها اتفاقيات أروشا للسلام، التي جرى من خلالها تقاسم فعلي للسلطة بين الهوتو والتوتسي في رواندا، كما اختيرت مقراً للمحاكم الرواندية، التي نظرت في الجرائم المرتكبة أثناء الحرب هناك، فضلاً عن أنّ انفتاح تنزانيا عموماً على العالم الخارجي، جعل منها المكان المفضّل للغربيين، لعقد مؤتمراتهم الخاصة في أفريقيا.

وقبل انفصال جنوب السودان، شهدت أروشا الكثير من الورش الخاصة في إنهاء الحرب الدائرة في أجزاء متعددة فيه، وآخرها اجتماع عقد عام 2010 ، لتوحيد الحركات الدارفوريّة، للتفاوض مع الحكومة في الخرطوم، ككتلة واحدة.

وبعد اعتراف أطراف النزاع الجنوبي ــ الجنوبي، بمسؤوليّتهم عن الحرب التي اندلعت، فإن حلاً للأزمة الجنوبية، ربما ينطلق من أروشا، خصوصاً بعد إبداء الرئيس الجنوبي، سلفاكير ميارديت، مواقف مرنة في شأن التفاوض، الذي يُفترض أن يُستأنف في أديس آبابا في السابع والعشرين من الشهر الجاري، والذي تأجّل أكثر من مرّةٍ، لإتاحة الفرصة أمام حلّ خلاف الحزب.

ويقول مصدر رفيع في جوبا، لـ"العربي الجديد"، إنّ ميارديت "أبدى موافقته على مقترح في شأن منصب رئيس الوزراء بصلاحيات واسعة"، الأمر الذي كان يعيق تحريك عجلة التفاوض.

ويرى مراقبون أنّ إقدام ميارديت على إبعاد مستشاره المثير للجدل، تيلار دينق، وتعيينه سفيراً في روسيا، هو خطوة فعلية في اتجاه إيجاد أرضيّة لحلّ الخلافات وتوحيد حزبه، باعتبار أنّ الأخير متّهم بتأجيج الأزمة الجنوبية، عبر محاولته تصفية حساباته مع قيادات الحركة.

المساهمون