ويتوقع اشتية، الذي استقال من وفد المفاوضات الفلسطينيّة بعد وقت قصير من انضمامه إليه، ويرأس المجلس الفلسطيني للتنمية والإعمار "بكدار"، في حوار خاص لـ"العربي الجديد"، ألا تُقدم الدول المانحة قرشاً واحداً لإعمار قطاع غزة، ما دام تحت سيطرة "حماس"، لافتاً إلى أنّه لا يمكن تحقيق مصالحة فلسطينية حقيقيّة قبل التوصّل إلى اتفاق أمني.
- منذ أشهر وهناك مناشدات فلسطينيّة من الرئيس، محمود عباس، شخصيّاً والحكومة بضرورة تفعيل شبكة الأمان العربية، وهو ما لم يحدث، فما السبب؟
أخشى أن شبكة الأمان العربية ليست أكثر من شعار سياسي، بعدما تمّ التعهد بها مراراً. وإذا لم تُصرف التعهدات السابقة المتعلقة بقطاع غزة وإعادة إعماره، فلماذا ستصرف التعهدات الحالية؟ لكنّ أملنا كبير في الأمة العربيّة. ظرفنا صعب والعقوبة الإسرائيلية الحالية هدفها تخفيض السقف السياسي للقيادة الفلسطينية، الأمر الذي لن يحدث لأننا لن نتراجع، سواء في مجلس الأمن أو في المحكمة الجنائيّة الدوليّة. لذلك فإنّ الابتزاز الذي تمارسه إسرائيل لن تنجح به، وستتراجع عن العقوبات الجماعية المتمثلة بقرصنة الرواتب عبر حجز أموال الضرائب.
- هل نستطيع القول، إنّ هناك حصاراً ماليّاً عربيّاً على السلطة الفلسطينيّة؟
تلتزم بعض الدول العربيّة معنا التزاماً تاماً، مثل السعودية، وأعتقد أنّ مساعدات بقية الدول العربيّة قيد الإجراءات. قبل عشرة أيام، قدمت لنا قطر 25 مليون دولار، والكويت جاهزة، أيضاً، للمساعدة.
العجلة بطيئة لكنّها تدور، ولن نقول إنّ العرب شركاء في الحصار علينا، لكن بعض العرب لديهم حسابات مطوّلة، يحسبون أكثر منّا. قد يكون للبعض حسابات سياسيّة أو شخصيّة، أو تندرج حسابات البعض بعد رغبته في التعامل مع السلطة، وهناك من يريد أن يساعد "حماس" ولا يستطيع. ورغم ذلك، نأمل أن يقوم العرب بتفعيل شبكة الأمان العربية في أسرع وقت.
- هل سيتحقق مشروع قرار إنهاء الاحتلال بعد الانتخابات الإسرائيلية؟
كل خطوة فلسطينية باتجاه مجلس الأمن منسّقة مع العرب. ذهابنا، اليوم، إلى مجلس الأمن أو عدمه، مرتبط بالتنسيق مع العرب، رغم علمنا أنّ الولايات المتحدة تحمي إسرائيل منذ نشوئها عبر قرارات الفيتو. وفي المرة المقبلة، حتى لو ضمنا 14 صوتاً لأن "الفيتو" ينتظر. ذهابنا المرة الأولى كان مهماً جدّاً، سواء سقط المشروع بصوت أو أكثر، وسبق أن أبلغنا الأميركيون بأنهم سيستخدمون "الفيتو" نهاية العام الماضي.
- هل سيتدهور الوضع أكثر في قطاع غزة بعد إعلان وكالة الغوث "الأونروا" نيتها قطع المساعدات بحجة عدم وجود المال الكافي؟
نحن لا نقبل إجراءات الأونروا. نعلم أنه لا يوجد إعادة إعمار في قطاع غزة إطلاقاَ، كل ما يجري هو إغاثة فقط، ويعود السبب إلى مجموعة مشاكل مرتبطة بعضها ببعض، فالمانحون يسألون الحكومة إذا كانت تسيطر على قطاع غزة، والجواب لا، وبالتالي لماذا ستقدم الدول المانحة الأموال لإعادة الإعمار؟
وترتبط المشكلة الثانية بعدم سيطرة الحكومة على قطاع غزة، نتيجة تعثّر المصالحة. تريد حركة "حماس" أن تبقي الأمن في يدها وترمي هموم الرواتب والإعمار على الحكومة. باختصار، تريد "حماس" تقسيماً وظيفيّاً في قطاع غزة، وهذا الكلام مرفوض لدى حكومة الوفاق الوطني ولدى المانحين، أيضاً، ويجعل المصالحة تراوح مكانها.
عملية إعادة الإعمار في المجمل متوقفة. يمكننا تفهّم أنّ السلطة متعثّرة في إعادة الإعمار، لكن لا أفهم لِمَ لا يساعد العالم "الأونروا" على الاستمرار في دورها؟ لذلك نطلب منها أن تعيد خدماتها وأن تستمر في دورها وأن يؤازرها العالم، لأن لا علاقة للسلطة بتقديم منح للأونروا، بل الدول المانحة من تقوم بذلك.
يقول أحد المانحين، إنّهم ورطوا أنفسهم بالتزامهم تقديم المال لإعادة إعمار قطاع غزة، لأنهم يعرفون أنّه لا توجد مصالحة على الأرض، بسبب عدم وجود اتفاق أمني. اللعبة بأكملها في غزة لعبة أمنيّة، فلا مصالحة حقيقية ولا سيطرة حقيقية من السلطة على قطاع غزة، بسبب عدم الاتفاق الشامل بين السلطة وحماس على محاور السياسة والأمن والإدارة والمال. تمّ الاتفاق على بند واحد، متعلق بالحكومة، لكن فعليّاً حتى هذا البند غير مطبّق، لأنه لم يتم تمكين الحكومة في قطاع غزة.
- ماذا عن آليّة إعمار قطاع غزة المتفق عليها؟
الخطير أنّ الآلية التي وضعت لإعادة الإعمار، آلية تدمّر غزة ولا تعمّرها. فمن غير المنطقي أن يمرّ حصول المواطن الغزاوي على الإسمنت عبر "الكوبون"، لأنّ الناس المعدمة عند حصولها على كوبون إسمنت، ستبيعه من أجل الحصول على الغذاء. حصل الاتفاق بين روبرت سري (منسق عملية السلام في الامم المتحدة) والإسرائيليين، ثم أحضروه إلى نائب رئيس المكتب السياسي في حماس، موسى أبو مرزوق، الذي وافق عليه. وبعدما وافقت "حماس"، لم ترد السلطة أن تظهر بمظهر من يعطل الإعمار، فوافقت.
- ما الهدف من الزيارة التي سيجريها وفد من منظمة التحرير الفلسطينية، بناء على قرار من اللجنة السياسيّة، إلى قطاع غزة؟
اتفاق الشاطئ ليس اتفاقاً بين "فتح" و"حماس"، بل اتفاق بين منظمة التحرير وحماس، وبالتالي لا نقبل أن تقف فصائل منظمة التحرير على الحياد، بل على العكس هي طرف. الخلاف القائم خلاف بين المنظمة وحماس، وليس بين "فتح" و"حماس"، وإن كانت ملامح الخلاف تبرز الحركتين لأنهما في الميدان. نريد مصالحة حقيقية تستند إلى رؤية سياسيّة واحدة وموحّدة، واتفاق أمني، واتفاق إداري يتعلّق بالموظفين، واتفاق مالي، لأنه لا يعقل أن تمرّ الأموال عبر حقيبة ممثل الأمم المتحدة وتُدفع نقداً خارج النظام المصرفي الفلسطيني.
- على ماذا تعوّلون من هذه الزيارة، وبِمَ تختلف عن سواها؟
نعوّل على استمرار باب الحوار من أجل إنهاء الانقسام. يجب أن يبقى الحوار مفتوحاً، وأن نعمل عليه باستمرار. لذلك، فإنّ وظيفة أي وفد سيذهب إلى غزة هو أن تكون ملامح الحوار واضحة، وهي وجود هدف سياسي والاتفاق على أدوات تحقيق الهدف. هناك من يرى أنّ الخلاص في المقاومة المسلحة، وآخر يؤمن بالأدوات القانونيّة والدوليّة ومجلس الأمن، لذلك يجب أن نتفق على الاستراتيجية والأدوات.
ألا يُعدّ ذلك من وظيفة الإطار القيادي الموحد لمنظمة التحرير، ولماذا لم نعد نسمع عنه؟
لأن الإطار القيادي ينعقد شكلاً لتتويج اتفاقيات مسبقة، وهذه الحوارات تمهيد له.
- هل من سبيل للتحرّر الاقتصادي من قبضة إسرائيل وعقوباتها الاقتصادية الجماعية، من قرصنة أموال الضرائب وغيرها؟
لدينا أمر واقع، ونحاول من طرفنا كسر الأمر الواقع. علاقتنا مع إسرائيل عبارة عن دولة عدوة محتلّة لأرضنا، وهي ليست شريكاً بل عدواً. صغنا اتفاقاً مع العدو وهذا أمر مهم جدّاً لتعريف العلاقة، التي تقع في ثلاثة مستويات. الأول سياسي، لكن المفاوضات فشلت وكسرت طاولتها. والثاني اقتصادي، وهو طريق باتجاه واحد، بمعنى أن إسرائيل تصدّر لنا سواء منها أو من خلالها، أكثر من 4 مليارات دولار من البضائع والخدمات، وتسمح لنا بتصدير 350 مليون دولار فقط لا غير. أمّا المستوى الثالث فعنوانه التنسيق الأمني.
بدأت القيادة تعيد النظر في أشكال العلاقات الثلاث بشكل جدي. وبناء عليه، أوعزت للحكومة أن أحد هذه المكونات هي العلاقة الاقتصادية، قيد الدرس. والهدف من ذلك، أنّنا لا نريد أن تبقي السلطة في شكلها الحالي، أي في وضع الأمر الواقع، ولا نريد أن نحلّ السلطة. بالتالي، فالمسافة بين عدم قبول الأمر الواقع وعدم حلّ السلطة، هو تحويل السلطة إلى سلطة مقاومة، ما يعني أنّ الهدف من إعادة صياغة العلاقة مع إسرائيل، هو من أجل أن تصبح العلاقة معبأة بذخيرة مقاومة وليست ذخيرة خدمات.
- هل لدينا مقومات هذه المقاومة؟
طبعا لدينا، ألا نستيطع تغيير ختم جواز السفر من سلطة إلى دولة؟ ولتقم إسرائيل حينها بإعادة كل المواطنين عن الحدود "الجسر". تستطيع وزارة الداخليّة القيام بهذا الجزء. وألا نستطيع، أيضاً، إعادة كل البضائع الإسرائيليّة، ومنعها من الدخول إلى الأراضي الفلسطينية؟ تستطيع الحكومة أن تنفذ ذلك، أي ضرب الاحتلال في مكمن وجعه، وليس وجع الشعب الفلسطيني.
- تحدّث وزير الاقتصاد، محمد مصطفى، أخيراً، حول العمل على إلغاء اتفاقية باريس الاقتصادية بين السلطة وإسرائيل، فهل هذا ممكن؟
لا أقول، إنّ الأمر متعلق باتفاق باريس، لأنه لم يبق من اتفاق باريس سوى أمر واحد، وهو المقاصة الضريبية، وبدون السيطرة على حدودنا، فلن يكون هناك نهاية لهذا الأمر.
- ماذا عن لجنة إعادة النظر في التنسيق الأمني؟ وأين باتت المسألة بعد التداول بقطعها من دون خطوات عمليّة؟
نحن الآن في مرحلة إعادة النظر في أشكال العلاقات الثلاث، والموضوع الأمني عليه سؤال كبير.