العفو الدولية: فض "رابعة" أحلك أيام مصر وهاكم الوقائع!

15 اغسطس 2014
لم يُحاسب المسؤولون عن مجزرة "رابعة" (غنلوغيا غريسيا/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

لا تزال الحقائق تنكشف عن مذبحة "رابعة" العدوية على يد قوات الجيش والشرطة المصرية يوم 14 أغسطس/آب من العام الماضي، خصوصاً بعد تقرير "هيومن رايتس واتش" الذي أدان الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأكد بالحقائق والأدلة وقوع مجازر جماعية.
كما فنّدت منظمة "العفو الدولية" (أمنستي)،  بدورها، في الذكرى السنوية للمجزرة، رواية السلطة، التي زعمت وجود "ممرات آمنة"، كاشفةً عن إحراق الجرحى وهم أحياء.

ووصفت المنظمة الدولية ذكرى فض اعتصام "رابعة العدوية"، يوم الخميس، بـ"أحلك أيام مصر"، وذلك في تغريدة على "تويتر"، قائلةً: "أحلك أيام مصر: نتذكر مذبحة ميدان رابعة العدوية".

وعلقت المنظمة: "عقب مرور عام كامل على المذبحة، التي شهدت مقتل أكثر من 600 محتج، على أيدي قوات الأمن المصرية في يوم واحد، لم تتم ملاحقة ولو ضابط واحد جنائياً على خلفيتها".

ولفتت إلى أنه "بالرغم من هذه الأحداث، إلا أن نظام العدالة الجنائية سارع في إلقاء القبض على أنصار الرئيس المعزول، محمد مرسي، ومحاكمتهم وإصدار الأحكام بحقهم، عقب محاكمات جماعية جائرة جداً، كما أُدين 232 منهم وحُكم عليهم بالإعدام، وأوصت المحاكم بإصدار أحكام بإعدام أكثر من ألف آخرين".

ونقلت عن المتخصص في الشأن المصري بالمنظمة، محمد المسيري، شهادته عن يوم فض "رابعة"، والذي سبق أن عبر عن خشيته من وقوع المجزرة منذ اليوم الأول للاعتصام يوم 28 يونيو/حزيران 2013، ويوم الفض استيقظ على اتصال من أحد الأصدقاء الذي قال له عبر الهاتف: "لقد بدأت".
وسرد شهادته، قائلاً إنه: "اتصل بأحد أصدقائه المتواجدين في الميدان لحظة الفض فقال له، إن الرّصاص الحي ينهمر علينا بشكل عشوائي".

وكذّب المسيري خلال شهادته كل إدعاءات السلطات إبان الأحداث، فوصف محاولاته لدخول الاعتصام، بأنها "مستحيلة نظراً لإغلاق قوات الأمن والجيش كل المداخل"، ولعدم وجود ما وصفته السلطات بـ"الممر الآمن" في شارع النصر.

وتابع "لكن كان الرّصاص يتطاير في كل مكان هناك، وكان المصابون ملقون على الأرض وهم ينزفون في شارع، ويُسحبون إلى مداخل البنايات في محاولة من المسعفين لعلاجهم".

وفي مسجد السّلام القريب من موقع الاعتصام، والذي تحول لمستشفى ميداني، وصف المسيري، ما شاهده، "الجثث ملقاة على الأرض وجميع الإصابات بالرّصاص الحي وتخترق الصدر والرأس، وأحد المعتصمين يحمل رفيقه المصاب في محاولة لإسعافه". وأضاف "لم تبد قوات الأمن أي رحمة تجاهنا، فقد أطلق عناصرها قنابل الغاز المسيل للدموع والخرطوش في الدقائق الـ45 الأولى من عمر المواجهة؛ ثم استخدموا الذخيرة الحية بشكل عشوائي، بل لقد أطلقوا النّار على الذين كانوا يحاولون مساعدة الجرحى، ولست أدري أي دين هذا الذي يملي عليك أن تطلق النار على الأبرياء وتقتلهم".

وعن حجم المذبحة التي ارتكبت، قال "لم أتمكن من إدراك حجم المذبحة المرتكبة إلا في اليوم التالي؛ فقد اتضحت معالمها عقب قيامنا بزيارة المشرحة والمستشفيات ومسجد الإمام، بوصفها المواقع التي تم نقل جثث قتلى ميدان رابعة إليها".

وحول مزاعم حمل بعض المعتصمين السلاح نقل المسيري، عن أحد الضباط المشاركين في الفض قوله: "لدينا مركبات تتمتع بتقنية عالية (الشيردا) ومزودة بكاميرات بوسعها تقريب صورة الأجسام من على بعد مسافة تصل إلى 8 كيلومتر".

وأضاف "بهذه الطريقة استطعنا التمييز بين المحتجين السلميين والمسلحين عندما لجأنا إلى استخدام القوة"، غير أنّ مشاهدات المسيري أكدت العكس، ما دفعه للقول "ولكن اتضح مما رأيناه لاحقاً أن الشرطة لم تكن قادرة فعلاً على التمييز بين المحتجين السلميين والمسلحين".

وأكمل "الجثث ملأت  الممرات حتى وصلت لمكتب المدير نفسه، إلى جانب السيارات التي تتوافد لجلب المزيد منها، وأهالي الشهداء الذين يحاولون تبريد الجثامين، بوضع الثلج عليها في حر شهر أغسطس".

وفي شهادته، روى المسيري أيضاً، معاناة أسرة الشهيدة حبيبة عبد العزيز، لاستلام جثتها، مستذكراً الحوار الذي دار معها قبل وفاتها بأسبوع وقالت فيه "لست من الإخوان المسلمين ولا أنتمي للجماعة، بل أنا أحتج هنا لأنني لا أريد أن أرى الجيش يعود إلى سدة الحكم، ولن أغادر هذا الاعتصام إلا جثة هامدة أو بعد إعادة مرسي إلى منصبه، فقد أدليت بصوتي لصالحه وكانت تلك أول مرة يحدث صوتي فيها فرقاً، فلا يحق للجيش أن يستبعد صوتي ويطيح برئيس منتخب ديمقراطياً".

وفي مسجد الإيمان القريب من ميدان رابعة شاهد المسيري المشهد نفسه، من جثث متراكمة ومتفحمة، أُحرق أصحابها وهم أحياء في المركز الطبي للاعتصام، وقال له أحد الأطباء "ضربني أحد أفراد قوات الأمن على ظهري بعقب بندقيته ودفعني باتجاه السلالم، وبعد أن غادرت المركز مع الباقين، أضرمت قوات الأمن النار في المركز".
وأضاف عامل آخر: "كانت قوات الأمن تقتحم المركز الطبي عندما شاهدت قناصة على أسطح المباني القريبة وقد ارتدوا زياً أسوداً، ثم أجبرتنا قوات الأمن على المغادرة عنوة واضطُررنا لترك المرضى والجثث وراءنا، وآمل أنهم لم يكونوا في الداخل عندما أضرمت قوات الأمن النار في المكان".

ونقل المسيري عن بعض المعتصمين الذين صرحوا لمندوبي منظمة "العفو الدولية"، بأنهم استخدموا الحجارة وقنابل "المولوتوف" للحدّ من هجمات قوات الجيش والشرطة، وأن أنصار الرئيس مرسي، قد لجأوا للعنف عقب فض اعتصامي "رابعة" و"النهضة"، ولكنه اعتبر ذلك مبرراً واهيا لفتح قوات الأمن النيران عشوائياً على المعتصمين.

وشدد المسيري أن: "منظمة العفو الدولية طيلة عام كامل عكفت على مناشدة الحكومة المصرية، كي تجري تحقيقاً محايداً ومستقلاً في استخدام قوات الأمن للقوة المفرطة، وعلى الرغم من توفر الأدلة الدامغة التي تثبت تورط الجيش في قتل محتجين، فلم تتم محاكمة ولو ضابط واحد من ضباط الأمن على أفعاله، في إحدى أكثر الحوادث دمويةً في تاريخ مصر الحديث".

واعتبر المختص في الشأن المصري أن "هذه الحقيقة لوحدها إهانة للبشرية، ويجب على مصر أن تقاضي المسؤولين عن ذلك وتجلبهم للمثول أمام العدالة".