أحيا الحزب الجمهوري في تونس، اليوم الخميس، مرور أكثر من مئة يوم على اعتقال زعيمه، عصام الشابي، وفيما تتواصل حملة الاعتقالات في البلاد، تتعمق الأزمة، دون ملامح انفراج قريب.
ومنذ 11 فبراير/شباط الماضي، أطلقت السلطات التونسية حملة اعتقالات واسعة شملت قيادات المعارضة وزعماءها ونشطاء من مجالات مختلفة، ليزداد الوضع السياسي تأزما، فيما يتواصل سجن معارضين دون بوادر عن قرب الإفراج عنهم.
ويتفق معارضون ونشطاء من مختلف مكونات الطيف الحزبي حول تعمق الأزمة في تونس خلال المئة يوم الأخيرة دون ملامح انفراج قريب، لتتواصل حملة الاعتقالات التي بدأت في 11 فبراير الماضي لتشمل رموز جبهة الخلاص الوطني المعروفة بمعارضتها الشديدة للرئيس قيس سعيد، وأيضا رموز حركة النهضة وزعيمها راشد الغنوشي وأمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي، وأمين عام التيار الديمقراطي السابق غازي الشواشي، وغيرهم.
عدم استقرار
واعتبر القيادي في حراك مواطنون ضد الانقلاب، زهير إسماعيل في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "اعتقالات فبراير، التي شملت قيادات الحركة الديمقراطية جاءت للتغطية على فشل سلطة الانقلاب في مواجهة الأزمة المالية الاقتصادية الموروثة، وعجزها عن إيقاف تداعياتها السياسية والاجتماعية، وعلاقة تونس بالسوق المالية".
وأضاف إسماعيل: "مثلت المفارقة الصارخة بين اعتقال قيادات المعارضة المتهمين بالوقوف وراء ندرة المواد الأساسية وبين ازدياد الوضع سوءا بعد اعتقالهم مادّة للسخرية المرة، بين جمهور واسع لم يتحمّس للانقلاب، ولكنه لم يخرج للدفاع عن الديمقراطية".
وأكد أنه "بعد 100 يوم من اعتقال قيادات المعارضة، لم تخرج سلطة الانقلاب عن خطاب المؤامرة منذ ملف الظرف المسموم وصولا إلى قضية التآمر على أمن الدولة، وفيها ثلاث مجموعات آخرها المجموعة التي ضمت 21 شخصية منهم رؤساء حكومات ووزراء وقيادات أمنية عليا".
وأشار القيادي في الحراك إلى أنّ الاعتقالات قد تتوسع بملفات جديدة، مثلما يشار إلى إمكانية حدوث انفراج في بعض هذه الملفات، مما قد يوحي بوجود ارتباك واجتهادات مختلفة في توجه سلطة الأمر الواقع، خاصة وأن الاعتقالات صارت تمثل عبئا سياسيا وحقوقيا في الداخل والخارج".
وقال "كل هذا خلق جوًا من عدم الاستقرار، وضاعف من الخوف على وحدة الدولة واستمرارها أمام أداء لا يمكن نعته إلا بالعبث. وعلى المستوى الخارجي ازدادت صورة تونس في الأسواق المالية تدهورا. وهو ما لا يساعد على الخروج من الأزمة المالية الاقتصادية".
واستنتج إسماعيل أن "السلطة أنهكت المعارضة باعتقالات واسعة في صفوف جبهة الخلاص الوطني وقيادات النهضة، وعمدت إلى إغلاق مقراتهما. ويأتي هذا في إطار سياسة تجريف الحريات، وقد اتسعت الإيقافات على خلفية المرسوم 54. وقد تصاعدت في الآونة الأخيرة الدعوة إلى إلغائه. فقد جعله قيس سعيّد سيفا مسلطا على رقبة كل صاحب رأي حر".
وشدد على أنه "لا أفق للبلاد إذا لم تهتد النخب إلى تسوية تاريخية على قاعدة الديمقراطية"، محذراً من "انهيار مالي لا نتمناه أو انفجار اجتماعي لا تحمد عقباه".
ازدياد المؤشرات سلبية
من جانبه، أكد المتحدث الرسمي باسم الحزب الجمهوري وسام الصغير في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "تبين بالحجة والبرهان أنه بعد اعتقال النشطاء السياسيين فإن جميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية زادت سلبية، بالإضافة إلى أن الوعود التي قدمها قيس سعيد طيلة سنتين منذ 25 يوليو 2021 لم تنجز".
وتابع أن "اعتقال عصام الشابي والقيادات السياسية بهدف تلجيم الأصوات المنددة بتواصل تسيير الدولة بهذه العقلية والفكر، ويبدو أن الاعتقالات لمنعهم من الاحتجاج وحتى يواصل سعيد الانفراد بتسيير الدولة، ولكن في المقابل لم يقُد اعتقالهم إلى تحسن في المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية"، مضيفا بالقول "ربما لو كانت تحسنت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لتفرغت المعارضة للدفاع عن الحقوق السياسية والحريات".
وشدد الصغير على أن ''النتيجة والحوصلة بعد 100 يوم من اعتقال القيادات السياسية هي نتيجة سلبية على جميع المستويات... ونؤكد أن ملف الاعتقال يراوح مكانه ولم يتم الاستماع لعصام الشابي وعدد من المعتقلين حتى اليوم".
الصغير: رغم اعتقال المعارضين وإسكات النخب لم يحقق النظام الاستقرار السياسي
وأفاد بأنه "رغم اعتقال المعارضين وإسكات النخب لم يحقق النظام الاستقرار السياسي، فالأزمة متواصلة والمناخ العام السياسي متشنج والقطيعة احتدت والحريات تراجعت، وكل المؤشرات باللون الأحمر وتهدد السلم الأهلي".
عزلة متزايدة
أما نائب أمين عام حزب العمل والإنجاز أحمد النفاتي فلفت إلى أن النظام يسعى إلى ترويج الوهم واختلاق أعداء وهميين وتوزيع شهادات الوطنية والعمالة والطهورية والفساد والصدق والكذب، ومحاولة إقناع الناس بأن هؤلاء المعارضون هم السبب الرئيسي والحقيقي لمعاناتكم وآلامكم وشقائكم".
وأضاف النفاتي: "وهذا ما حصل في تونس، حيث أقدمت سلطة الأمر الواقع على اعتقال عدد من رموز المعارضة السياسية القانونية بتهمة التآمر على أمن الدولة، وهي نفس التهمة التي كان يلصقها الرئيسان الراحلان الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي بالمعارضة".
ولفت إلى أنه "بعد مرور 100 يوم على اعتقال سلطة الأمر الواقع للمعارضين السياسيين، فإن هذه السلطة لم تحقق إلا مزيداً من عزلة تونس على المستويين الإقليمي والدولي".
وحول ما التقطته المعارضة خلال الـ 100 يوم من الاعتقالات اعتبر أنها "انقسمت حول توصيف ما حصل يوم 25 يوليو 2021، فمنها من اعتبره انقلابا ومنها من وصفه تصحيحا لمسار وقع الانحراف به من طرف الأحزاب التي حكمت طيلة العشرية السابقة...لكن وبعد مرور حوالى السنتين على انقلاب 25 يوليو، وبعد توسع دائرة المتضررين والمعتقلين والملاحقين فقد بدأت دائرة المعارضة تتسع وتبحث عن وحدة الصف والبرنامج لإنهاء حالة العبث والفوضى واستعادة المسار الديمقراطي والمؤسساتي".
وشدد على أنه "باستثناء التيار العروبي ممثلا في (حركة الشعب والتيار الشعبي) واليسار الاستئصالي الذي تحالف مع الرئيس بن علي وكان شريكا له في التخطيط والتنفيذ طيلة ربع قرن ممثلا في (الوطد) والتي لا تزال مستمرة في دعم قيس سعيد بلا حدود ولا شروط فإن بقية الأحزاب انطلقت في مراجعات واستخلاص الدروس".
ومضى قائلاً في هذا السياق: "من الأحزاب من قام بذلك على استحياء وبشكل غير علني ومنهم من عبر عن مراجعاته بشكل شجاع وعقلاني. لكني أرجح أن الجميع انتبه إلى أننا قد أضعنا فرصا ثمينة ووجب تداركها، وسيكون لحزب العمل والإنجاز دور لتجميع العائلة السياسية المؤمنة بالدولة الديمقراطية الاجتماعية".
عصا موسى
بدوره، بين القيادي في حزب ائتلاف الكرامة، زياد الهاشمي أن "الاعتقالات أصبحت كعصا موسى بالنسبة لقيس سعيد، فهي للتغطية والإلهاء فقط وهي دون جدوى قضائية. فحملة الاعتقالات انطلقت من قيس سعيد كتصفية للمعارضين الذين أصبحوا صداعا مزمنا لقيس سعيد وتفرغه بالسلطة".
وتابع الهاشمي "ولم يجد حجة قوية قضائية لإدانتهم فوجه إليهم تهم سياسية واهية وقدمهم كقرابين لأنصاره الذين تلاشوا مع أول امتحان انتخابي، واليوم لم يعد أمام سعيد إلا الكذب والهروب الى الأمام في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، وفي وضع سياسي معقد مع عقوبات دولية غير معلنة".
وأوضح أن "المعارضة اليوم بمختلف توجهاتها، حتى من كان عرابا لهذا الانقلاب كالتيار الديموقراطي، فهم الدرس واعتبر دعمه للانقلاب خطأ فادحا اعتذر عنه للشعب .. اليوم وجب تغيير أسلوب المقاومة، والأهم ترك نظام سعيد وجها لوجه مع الشعب والانهيار الاقتصادي".