إبادة وتدمير... معاناة غزة تفوق الوصف

31 أكتوبر 2024
عقب قصف مبنى في خانيونس، 30 أكتوبر 2024 (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تصاعد العنف في غزة أدى إلى أزمة إنسانية حادة، حيث يتعرض المدنيون للقصف والتدمير، مع خيارات محدودة بين التهجير أو الموت، وسط غياب تحرك دولي فعال.
- تستمر الجهود الدبلوماسية في الدوحة والقاهرة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، مع تقدم في المفاوضات يشمل هدنة مؤقتة وزيادة المساعدات.
- تعاني غزة من نقص حاد في الغذاء والماء والخدمات الأساسية، مع تزايد أعداد النازحين، وسط دعوات دولية لتسهيل وصول المساعدات وتحذيرات من جرائم حرب.

إبادة في قلب الإبادة يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في شمال قطاع غزة، مع اقتراب عمليته العسكرية هناك من إكمال شهر كامل، في ظل غياب أي تحرك دولي وسط معاناة غزة يجبر هذا الجيش المدعوم سياسياً وعسكرياً من كبرى العواصم الغربية على وقف مجازره بحق المدنيين المحاصرين بالنار والتجويع، والذين لم يترك الاحتلال لمن تبقى منهم في الشمال سوى خياري التهجير قسراً أو الموت تحت ركام أحيائهم وخيامهم ومراكز إيوائهم التي يستهدفها الاحتلال بالقصف والتفجير والحرق، دون أن يوفر باقي مناطق القطاع المحاصر من القصف والتدمير. وبينما تدفع مجزرة تلو الأخرى، آخرها في بيت لاهيا شمالي القطاع التي أسفرت أول من أمس الثلاثاء، عن استشهاد ما يقرب من 100 شخص وفقدان العشرات، لردود فعل عربية وأوروبية وأممية تعتبر أن ما يكابده السكان معاناة تفوق الوصف، واصلت القوات الإسرائيلية، أمس، تركيز قصفها للأحياء السكنية في بيت لاهيا وجباليا شمالاً، إلى جانب إقرارها باستهداف ما تصفها بـ"المنطقة الإنسانية"، في خانيونس جنوباً بادعاء، كالعادة، استهدافها لعناصر من "حماس".

وفي ظل تأكيد الدوحة التي استضافت خلال يومي الأحد والاثنين الماضين اجتماعات بين الوسطاء والجانب الإسرائيلي للدفع باتجاه اتفاق لتبادل أسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، أن تقدّماً أُحرز خلال المفاوضات، وسط استمرار الاتصالات في قطر ومصر للوصول لاتفاق، تبدي حركة حماس جاهزية للتجاوب مع ما ستتسلّمه من مقترحات، وهو ما تكرّر على لسان مصادر قيادية في الحركة تحدثت لـ"العربي الجديد"، خلال الأيام الماضية، شدّدت على تعاملها الإيجابي مع أي مقترح، متمسكة بالانسحاب الإسرائيلي من القطاع ودخول المساعدات لوقف معاناة غزة ووقف دائم لإطلاق النار، علماً أن المقترحات المطروحة على الطاولة والتي تدفع إليها حكومة الاحتلال ومعها الإدارة الأميركية تدور حول اتفاق مؤقت، وصفقة تبادل صغيرة. وستكون "الهدنة" محور مباحثات إضافية ينتظر أن يجريها مسؤولون أميركيون في إسرائيل، إذ نقلت وكالة رويترز، أمس عن مسؤول أميركي قوله أن مسؤولين أميركيين من بينهم مدير الاستخبارات المركزية وليام بيرنز والمبعوثان بريت ماكغورك وعاموس هوكشتاين سيزورون مصر وإسرائيل، اليوم الخميس، لبحث القضايا المتعلقة بإيران ولبنان والإفراج عن المحتجزين في غزة فيما تسعى واشنطن لخفض التوترات في المنطقة. وقال المسؤول، إن قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال إريك كوريلا موجود أيضاً في المنطقة وسيزور إسرائيل.

وفي ظل معاناة غزة المتفاقمة، دعا مجلس الأمن في بيان تم تبنيه بإجماع هيئته المكونة من 15 عضواً، أمس، "كل الأطراف إلى اتخاذ الخطوات الضرورية لدخول وتسهيل وصول المساعدات إلى المدنيين في غزة"، معتبراً أن "وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) لا تزال الأساس لكل الاستجابة الإنسانية في غزة" في ظل الحملة الإسرائيلية ضدها والتي بلغت ذروتها بقرار حظرها. وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، في بيانها الإحصائي اليومي، أمس، ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، إلى 43 ألفاً و163 شهيداً، إلى جانب 101 ألف و510 إصابات. وأضافت أن الاحتلال "ارتكب خمس مجازر ضد العائلات في قطاع غزة، وصل منها للمستشفيات 102 شهيد و287 مصاباً خلال الـ24 ساعة الماضية". يأتي ذلك غداة إعلان المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، استشهاد 93 فلسطينياً، بالإضافة إلى فقدان أكثر من 40 آخرين، جراء قصف طائرات حربية إسرائيلية عمارة سكنية مكونة من خمسة طوابق في بيت لاهيا.

قطر: ما يحدث في القطاع محاولة لتدمير سبل الحياة فيه

معاناة غزة جريمة حرب

واعتبرت قطر أن معاناة غزة بلغت حداً يفوق الوصف جراء العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من عام، والذي امتد إلى الضفة الغربية المحتلة ثم إلى لبنان. وقالت الشيخة علياء أحمد بن سيف آل ثاني، المندوبة الدائمة لدولة قطر لدى الأمم المتحدة، في كلمة بلادها أمام اجتماع المناقشة المفتوحة الفصلية لمجلس الأمن حول الحالة في الشرق الأوسط، بمقر الأمم المتحدة بنيويورك، مساء أول من أمس، إن "دولة قطر تكرر إدانتها الشديدة للعدوان الوحشي والعقاب الجماعي في غزة الذي تسبب بدمار شامل فيه، وجعل غالبية سكانه من النازحين، حيث لم يعد اليوم في القطاع أي مكان آمن". وأضافت "أن الاحتلال الإسرائيلي يعمل بصورة متزايدة منذ بداية أكتوبر/ تشرين الأول (الحالي) على حرمان شمال غزة وقطع سبل وصوله إلى الإمدادات الأساسية، مما يعني تخيير السكان بين النزوح القسري أو مواجهة المجاعة والقصف". وأشارت إلى أنه بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية فقد وصل قرابة 500 ألف شخص إلى مستوى المجاعة، وانخفض عدد الشاحنات العابرة (إلى القطاع) إلى أدنى مستوى، كما أغلقت المنافذ خلال الشهر الحالي، وفرض حصار شبه كامل على شمال غزة، منوهة بأن ما يحدث الآن في القطاع "يدل على محاولة لتدمير سبل الحياة فيه".

وكان المفوض السامي لحقوق الإنسان (فولكر تورك) تورك، قد تطرّق إلى معاناة غزة. وحذّر قبل نحو أسبوعين، من أن النقل القسري لجزء كبير من سكان شمال غزة من "شأنه أن يرقى إلى أن يكون جريمة حرب". من جهته قال المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند، أمام مجلس الأمن، أول من أمس، "إننا لا نشهد كابوساً إنسانياً مروعاً في غزة فحسب، بل نشهد أيضاً تفككاً متسارعاً لآفاق التوصل إلى حل مستدام لهذا الصراع". وأشار إلى زيارته إلى غزة الأسبوع الماضي، قائلاً إن ما رآه في القطاع أمر "يفوق التصور"، موضحاً أنه في الجزء الجنوبي من القطاع، رأى "الدمار الهائل، المباني السكنية، والطرق والمستشفيات والمدارس. لقد رأيت الآلاف يعيشون في خيام مؤقتة، وليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه مع اقتراب فصل الشتاء". وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، قد أعرب الأحد الماضي، عن شعوره "بالصدمة لمستويات القتل والإصابات والدمار الهائلة حيث أصبح المدنيون عالقين تحت الأنقاض والمرضى والجرحى محرومين من الرعاية الصحية المنقذة للأرواح والأسر بدون غذاء ومأوى"، وأضاف في بيان، أن "معاناة المدنيين الفلسطينيين العالقين في شمال غزة لا تحتمل".

شمال غزة

وبدأ الجيش الإسرائيلي، في 5 أكتوبر الحالي، قصفاً غير مسبوق على مناطق واسعة شمال القطاع الذي كان يوجد فيه 400 ألف شخص، تمهيداً لاجتياح لا يزال متواصلاً ويفاقم معاناة غزة. وبحسب الدفاع المدني في غزة، الأحد الماضي، فإن أكثر من 100 ألف فلسطيني في مناطق جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا محاصرون الآن في الشمال. وأطلق رئيس بلدية بيت لاهيا علاء الدين العطار، أمس، نداء استغاثة أعلن فيه أن المدينة منكوبة بسبب الإبادة المستمرة والحصار المفروض عليها منذ 25 يوماً. وأضاف لوكالة الأنباء القطرية (قنا) أن المدينة "أصبحت بلا طعام ومياه، وبدون مستشفيات وإسعافات، وتعطّل عمل الدفاع المدني فيها، وتوقفت خدمات الصرف الصحي والنظافة والاتصالات". وشدّد على ضرورة "التدخل لتوفير معدات الدفاع المدني والإسعافات لمدينة بيت لاهيا، للعمل على انتشال الشهداء والمصابين من تحت الأنقاض"، إلى جانب "الاحتياج الملح لإدخال الوقود". من جهته قال المتحدث باسم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في غزة، رائد النمس، لوكالة الأناضول أمس، إن "الكوادر الطبية تتعرض للاستهداف الإسرائيلي والقمع شمال غزة، والمرضى والمصابون لا يستطيعون الحصول على خدمات طبية".

ويمعن الاحتلال في زيادة معاناة غزة حيث استشهد وجرح العشرات أمس، في قصف الاحتلال جباليا وسوق مشروع بيت لاهيا، وحي السلاطين بالمدينة بيت لاهيا، فيما طاول القصف وسط القطاع، تحديداً في محيط سوق الشيخ رضوان غرب مدينة غزة ومنطقة السودانية شمال غرب المدينة، ومخيم المغازي، وخيمة مهجرين في دير البلح. واستهدف الجيش الإسرائيلي منزلاً في منطقة مواصي رفح جنوبي قطاع غزة، فيما أعلن الجيش في بيان أمس، أن سلاح الجو التابع له قصف المنطقة الإنسانية (المواصي) في مدينة خانيونس جنوبي القطاع، زاعماً أن القصف استهدف مقاومين من حركتي حماس والجهاد الإسلامي. وادعى على منصة تليغرام أنه قبل "الضربة الدقيقة، اتخذت العديد من الخطوات للتقليل من خطر إلحاق الأذى بالمدنيين، بما في ذلك استخدام ذخائر دقيقة والمراقبة الجوية والاستخبارات الإضافية".

وبمقابل معاناة غزة الإنسانية، أظهرت معطيات موقع الجيش الإسرائيلي، أمس، إصابة 10 جنود في غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية. وذكرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، على "تليغرام" أمس، أنه تم استهداف ناقلة جند من نوع "اشزاريت" بقذيفة "الياسين 105" وجيب "همر" بقذيفة مضادة للدروع وجرافة عسكرية صهيونية من نوع "دي9" بعبوة أرضية شمال شرق المقبرة الشرقية شرق مدينة غزة. من جهتها أعلنت سرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، قصف "تحشدات العدو الصهيوني جنوب منطقة جحر الديك (جنوب محافظة غزة) بعدد من قذائف الهاون"، فيما بثت كتائب المجاهدين، الجناح العسكري لحركة المجاهدين الفلسطينيين المنشقة عن حركة فتح، مشاهد "لاستهداف تموضع لقوات العدو شرق مخيم جباليا بقذائف الهاون".

مقترح صفقة تبادل

وبشأن المشاورات الأخيرة في الدوحة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، في مؤتمر صحافي دوري، أول من أمس، إن تقدماً أُحرز خلال المفاوضات، مشدّداً على أنه "لا يمكن الحديث عن محتوى ما جرى، والاتصالات ما زالت جارية". وأضاف أن الاتصالات والاجتماعات مستمرة في الدوحة والقاهرة، متمنياً أن تسفر هذه المفاوضات "عن اختراق". في غضون ذلك قال مصدر مطلع، طلب عدم كشف هويته بسبب حساسية المحادثات، لوكالة فرانس برس أمس، إن الاجتماعات بين رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) ديفيد برنيع، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) وليام بيرنز، ورئيس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في الدوحة، ناقشت هدنة "لأقل من شهر" في غزة. ولفت المصدر إلى أن الهدنة تشمل تبادلاً للمحتجزين الإسرائيليين مقابل أسرى فلسطينيين وزيادة المساعدات للقطاع.

"حماس" لم تتسلّم رسمياً أي اقتراح متكامل لوقف الحرب

وفي الأثناء قال قيادي في "حماس" لوكالة فرانس برس، أمس، فضل عدم الكشف عن هويته، أن الحركة "لم تتسلّم رسمياً أي اقتراح متكامل". وأضاف: "نحن جاهزون للتجاوب مع أية أفكار أو اقتراحات تقدم لنا على أن تفضي في المحصلة لوقف الحرب والانسحاب العسكري من القطاع"، لافتاً إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين) "نتنياهو هو الذي يعطل التوصل لأي اتفاق لأنه يريد مواصلة تنفيذ مخططاته لحرب الإبادة والتطهير والتهجير، ولا يوجد أي ضغط أميركي لمنعه من حرب الإبادة". وأوضح أن "كل ما يتم نقاشه والتشاور حوله مع الوسطاء هو عبارة عن جملة من الأفكار من أجل التوصل لاتفاق لوقف النار وإنهاء الحرب لكن ليست اقتراحاً مبلوراً ومتكاملاً". وتابع: "نحن قلنا للوسطاء إن حماس جاهزة إذا وافق الاحتلال على اقتراح لوقف النار والانسحاب الكلي من قطاع غزة وعودة النازحين إلى بيوتهم في غزة وشمال قطاع غزة، وإدخال المساعدات بشكل كاف لشعبنا والتوصل إلى صفقة جادة لتبادل الأسرى". وأوضح أن الوسطاء المصريين والقطريين يواصلون المشاورات المكثفة ويسعون للتوصل إلى اقتراح يفضي إلى اتفاق لوقف الحرب وتبادل الأسرى.

وكان القيادي في "حماس" سامي أبو زهري، قد قال في بيان، مساء أول من أمس، إن الحركة استجابت لطلب الوسطاء بحث مقترحات جديدة حول وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وعقدت بعض اللقاءات بهذا الخصوص، وهناك لقاءات أخرى ستعقد أيضاً في السياق نفسه، مشيراً إلى أن وفد الحركة أكد الانفتاح على أي اتفاق أو أفكار تُنهي المعاناة في غزة، وتوقف إطلاق النار بشكل نهائي، وكذلك انسحاب الاحتلال من كل القطاع، ورفع الحصار، وتقديم الإغاثة والدعم والإيواء، وإعادة الإعمار، وإنجاز صفقة جدية للأسرى.

المساهمون