يوم الحسم في الانتخابات المحلية التركية: المعركة الكبرى بإسطنبول

31 مارس 2024
مناصرون لإمام أوغلو في إسطنبول، مارس الحالي (أوميت بكتاس/رويترز)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الناخبون الأتراك يشاركون في انتخابات محلية حاسمة لاختيار رؤساء بلديات 81 ولاية ومناطق مختلفة، بعد انتخابات رئاسية وبرلمانية سابقة، مع تركيز خاص على إسطنبول لأهميتها السياسية المستقبلية.
- الأحزاب السياسية تتنافس لتعزيز مواقعها أو تعويض خسائر، مع مشاركة 34 حزباً وأكثر من 61 مليون ناخب، وتسليط الضوء على المعارضة والتحالف الحاكم في سعيهما للسيطرة على المدن الكبرى.
- إسطنبول تعد مركزاً للتنافس بين مرشحين بارزين، مع تأثير نتائجها على الخريطة السياسية المحلية والوطنية في تركيا، وإمكانية إعادة تشكيل التحالفات السياسية واستراتيجيات الأحزاب.

يعود الناخبون الأتراك مرة جديدة اليوم الأحد إلى صناديق الاقتراع، للمشاركة في الانتخابات المحلية، ليختتموا بذلك مرحلة طويلة من عمليات التصويت بدأت بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو/ أيار الماضي.

وعلى الرغم من أن انتخابات اليوم معنيّة بشكل رئيسي بالخدمات المحلية، إلا أنها لا تخلو من طابع سياسي، إذ تنظر إليها الأحزاب السياسية بوصفها محطة مهمة في الصراع السياسي، خصوصاً مدينة إسطنبول التي تفتح لكل من يفوز بها أبواب التفوق في الانتخابات الرئاسية في عام 2028.

وعلى الرغم من أنها لا تخوض الانتخابات بنفس تحالفات الانتخابات النيابية والرئاسية، فإن جبهة المعارضة لا تريد فقدان الأمل بعد خسارتها الانتخابات البرلمانية والرئاسية العام الماضي، فيما يريد التحالف الحاكم استغلال الاستحقاق الجديد لتعزيز مكاسبه الانتخابية ومحاولة استعادة المناطق التي خسرها سابقاً، ولا سيما إسطنبول.

وستتركّز أنظار الأحزاب السياسية على صناديق الاقتراع، إذ يمكن لـ61 مليوناً و441 ألفاً و882 ناخباً المشاركة في الانتخابات داخل تركيا حصراً، بينهم مليون و32 ألفاً و610 ينتخبون للمرة الأولى، في أكثر من 206 آلاف صندوق اقتراع في البلاد. ويتنافس في الانتخابات 34 حزباً سياسياً، وفق آخر معطيات الهيئة العليا للانتخابات.

فوز المعارضة بالانتخابات سيؤدي إلى مطالبتها مجدداً بالذهاب للانتخابات المبكرة

وسينتخب المقترعون في الانتخابات المحلية التركية رؤساء بلديات 81 ولاية، بينها 30 بلدية كبرى، و973 منطقة، و390 بلدة، فضلاً عن انتخاب أكثر من 50 ألف مختار، بالإضافة إلى أعضاء مجالس البلديات في الولايات والمناطق والبلدات، حيث تجرى من مرحلة واحدة، ويفوز بها من يتصدّر الانتخابات.

وحددت الهيئة العليا للانتخابات الثاني من يونيو/ حزيران المقبل موعداً لانتخابات الإعادة في حال حصل أي إلغاء للنتائج نتيجة أي خلل معيّن.

وبسبب ظروف المناخ تنطلق الانتخابات في 32 ولاية شرق البلاد عند الساعة السابعة صباحاً بالتوقيت المحلي، وتنتهي عند الساعة الرابعة عصراً، للاستفادة من ضوء النهار، فيما تبدأ في 49 ولاية عند الساعة الثامنة صباحاً وتستمر حتى الخامسة عصراً. ومع انتهاء عملية الاقتراع تبدأ عمليات الفرز مباشرة.

تنافس سياسي في الانتخابات المحلية التركية

وعلى الرغم من أن الانتخابات المحلية التركية خدمية، إلا أن الأنظار متجهة إلى التنافس السياسي الكبير، إذ تنبع أهميتها من التنافس على كبرى المدن، لما لذلك من انعكاسات سياسية وعكس المزاج العام فيها، خاصة في مدن إسطنبول وأنقرة وإزمير وأنطاليا وبورصا، في مسعى من المعارضة للفوز بها وتعويض خسارتها في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في مايو الماضي.

فوز المعارضة، إن تحقّق، سيؤدي إلى مطالبتها مجدداً بالذهاب للانتخابات المبكرة والضغط على الحكومة. كما أن فوز رئيس بلدية إسطنبول الحالي ومرشح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو سيفتح له الطريق للترشح للانتخابات الرئاسية في عام 2028، ويرفع من حظوظه بشكل كبير واكتساب شعبية قل نظيرها بعد الرئيس رجب طيب أردوغان.

في المقابل، يسعى مرشح التحالف الحاكم مراد قوروم للفوز برئاسة بلدية إسطنبول، مستفيداً من دعم أردوغان. ونظراً لشغله سابقاً منصب وزير البيئة والعمران، ولعمله بمؤسسة الإسكان الوطنية "توكي"، فإن اسمه برز مع أهمية العمل في إسطنبول لوقايتها من خطر زلزال قادم يتحدث عنه العلماء. وتسعى الحكومة عبر التحوّل العمراني لتقوية المنازل والمباني في المدينة، وهذا كله يجعل قوروم، بنظر البعض، قادراً على منافسة إمام أوغلو.

يشار إلى أن إسطنبول تشهد تنافساً بين 22 حزباً و27 مستقلاً، لكن التنافس ينحصر بين مراد قوروم، وهو مرشح حزب العدالة والتنمية صاحب أكثر الأصوات في إسطنبول في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ومرشح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو. ويدعم المرشح الأول حزب الحركة القومية، فيما يدعم مرشح "الشعب الجمهوري" بشكل غير رسمي حزب "ديم" الكردي، على الرغم من تقديم الأخير مرشحاً وعدم انسحابه.

وتتألف إسطنبول من 39 منطقة، تسعى الأحزاب للتنافس عليها وعلى رئاسة بلديتها الكبرى ومجلسها البلدي. وفي انتخابات عام 2019 فاز حزب العدالة والتنمية في 24 منطقة، وحزب الشعب الجمهوري في 14 منطقة، فيما فاز حزب الحركة القومية في منطقة واحدة. وفي حين تمكن التحالف الجمهوري الحاكم من الفوز بأغلبية المجلس البلدي، فقد فاز أكرم إمام أوغلو، مرشح تحالف الشعب المعارض، برئاسة البلدية.

وخسارة المعارضة ستكون إيذاناً بفصل جديد من الخلافات فيما بينها، وقد تؤدي إلى اختفاء أحزاب، وتداخل أخرى بعضها ببعض، واستقالات ومؤتمرات عامة، فيما ستتعزّز هيمنة حزب العدالة والتنمية الحاكم، ما قد يؤدي إلى نشوء خريطة سياسية جديدة في تركيا.

أما فوز التحالف الجمهوري، الذي يقوده حزب العدالة والتنمية بالشراكة مع حزب الحركة القومية، بانتخابات بلدية إسطنبول، فسيعزّز سيطرة أردوغان على مقاليد البلاد. يشار إلى أنها الولاية الأخيرة لأردوغان دستورياً، ما لم تذهب البلاد إلى انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، أو يتم إجراء تعديلات دستورية جديدة. وفي الوقت ذاته يرغب أردوغان في السيطرة على إسطنبول لما لها من مكانة اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية، وتعدّ أكبر مدن تركيا.

وإلى جانب إسطنبول تتجه الأنظار إلى العاصمة أنقرة، لغياب القدرة على التنبؤ بالحسم فيها أيضاً. 

وتضمّ بلدية أنقرة الكبرى 26 بلدية فرعية، وتقع في الترتيب الثاني بعد بلدية إسطنبول من حيث الأهمية والقاعدة الانتخابية، لما لها من رمزية وحضور سياسي مهم اكتسبتها من عدد سكانها الذي وصل إلى 5 ملايين و800 ألف نسمة، إذ تأتي في الترتيب الثاني من حيث عدد السكان. كما أن مساحتها الجغرافية، التي تبلغ نحو 26 ألف كيلومتر مربع، تضعها في الترتيب الثاني على مستوى الولايات التركية من حيث المساحة بعد قونيه، إضافة إلى وجود مؤسسات الدولة كافة التي تجعل من أنقرة مركز القرار السياسي التركي. 

ويُعد رئيس بلدية أنقرة الحالي والمرشح لولاية جديدة عن "الشعب الجمهوري" منصور يافاش أحد أبرز المرشحين. وكان قد حصل على نسبة 50.93 في المائة من الأصوات خلال الانتخابات المحلية التركية في عام 2019.

ويخوض السياسي القومي تورغوت ألتنوك الانتخابات مرشحاً عن "العدالة والتنمية" والتحالف الجمهوري. كما يبرز اسم جنكيز توبال يلدريم مرشحاً عن الحزب "الجيد" الذي قرر خوض الانتخابات المحلية بشكل منفرد، وهو يعتبر بمثابة تهديد حقيقي ليافاش، لأن هذا الأخير كان قد حظي بدعم "الجيد" في عام 2019، كما أن يلدريم كان قد انتقل من "الشعب الجمهوري" إلى حزب "الجيد".

وكما جرت عادة الانتخابات، يرجّح فوز حزب العدالة والتنمية في مناطق وسط الأناضول وشمالاً في البحر الأسود، وجنوب البلاد، فيما ينتظر تفوق حزب الشعب الجمهوري العلماني غرب وجنوب غرب البلاد. ويتوقع فوز حزب ديم الكردي في جنوب شرق البلاد، فيما يُعتبر جنوب البلاد محطة مهمة للأحزاب القومية، مثل الحركة القومية والحزب الجيد.

غياب التحالفات السابقة بين جبهتي الحكومة والمعارضة

وبخلاف الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السابقة، غابت التحالفات السابقة الكبيرة بين جبهتي الحكومة والمعارضة، حيث حافظ حزب العدالة والتنمية على تحالفه مع الحركة القومية، لكنه فقد حزب الرفاه من جديد، الذي بات ثالث أكبر حزب سياسي في تركيا من حيث الأعضاء، بحسب رئيسه فاتح أربكان، بتجاوز عدد أعضاءه 520 ألفاً، بعد حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري.

وعلى جبهة المعارضة، فقد حزب الشعب الجمهوري أحزاب "الجيد" و"العمل" و"الرفاه من جديد"، وأحزاباً أخرى انشقت من "العدالة والتنمية"، مثل "دواء" و"المستقبل" و"السعادة" و"الديمقراطي"، فيما استطاع التعاون مع حزب ديم الكردي، ما قد يمهد الطريق أمام حزب الشعب الجمهوري للحفاظ على كبريات المدن، خصوصاً إسطنبول وأنقرة.

الكاتب والمحلل السياسي مصطفى حامد أوغلو تحدث، لـ"العربي الجديد"، عن الانتخابات المحلية التركية وأهميتها. وقال: "رغم أنها انتخابات محلية لكنها تأخذ أحياناً طابعاً سياسياً لعدة أسباب، أولاً التركيز على بلدية إسطنبول ومحاولة رئيس بلديتها منذ البداية أن يكون هناك سجال بينه وبين رئيس الجمهورية، بمعنى أنه أراد أن يكون المخاطب له هو رئيس الجمهورية. لكن الحزب الحاكم تحاشى هذا الأمر وحاول أن يركز على الخدمات المحلية".

وأضاف: "طبعاً هذه الانتخابات المحلية تأتي بعد خسارة المعارضة الانتخابات الرئاسية وخسارة الأغلبية في البرلمان، ما تسبب بتصدع وتفكك المعارضة، وجعل مهمة رئيس بلدية إسطنبول صعبة، وهو يحاول أن يكسب أصوات الأحزاب التي كانت متفقة معه سابقاً، والتي قدمت مرشحين عنها". وأوضح أن "الانتقاد دائماً يوجه إلى رئيس البلدية بأنه يواجه كل المرشحين الآخرين، حتى الذين كانوا معه في الانتخابات الرئاسية".

وتابع حامد أوغلو: "كون الانتخابات محلية، فإن للمرشح دوراً كبيراً فيها، لأن الناس في المناطق، خاصة المدن الصغيرة، ينظرون إلى المرشح بغض النظر عن الحزب الذي ينتمي له".

مصطفى حامد أوغلو: سيكون للفائز بإسطنبول دور كبير في انتخابات 2028

وأوضح أن هناك عاملين لفوز المرشح في الانتخابات المحلية التركية هما "الحزبي وكفاءة وشعبية وانتماء المرشح ربما إلى العشائر، بالإضافة إلى الشعبية التي حاز عليها في المدينة أو المنطقة التي يسكنها".

وقال: "هناك بعض البلديات قد يربحها الحزب الجيد وأخرى قد يربحها حزب الرفاه من جديد، رغم قلة فرص حصولهما على نسبة أصوات عالية على مستوى تركيا". وفي حين أعرب عن اعتقاده أن "التحالف الجمهوري سيحصد الكثير من الأصوات في المدن"، أشار إلى أن "الخلاف يبقى على المدن الكبرى، خصوصاً إسطنبول وأنقرة، لما لهما من ثقل ورمزية، خاصة إسطنبول بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، وأنقرة وإزمير بالنسبة إلى أحزاب المعارضة".

إسطنبول المحرك الأساسي للانتخابات

وشدد حامد أوغلو على أن "إسطنبول هي المحرك الأساسي للانتخابات لعدة أسباب، أولاً لأن أردوغان أعلن، في أولى كلماته بعد فوزه بالرئاسة، أننا على موعد بعد عام في انتخابات بلدية إسطنبول، ما يظهر أن هدفه هو الفوز ببلدية إسطنبول، وثانياً بسبب رمزية إسطنبول بالنسبة لكل الأتراك وللعدالة والتنمية وأردوغان".

وأضاف: "ثالثاً، لأن إسطنبول تشكل الثقل الاقتصادي والسكاني والثقافي والتجاري والسياحي في تركيا، والذي سيفوز بها سيكون له دور كبير في انتخابات 2028. وإمام أوغلو سيكون اللاعب الأساسي في الانتخابات المقبلة إذا فاز فيها، وسيستعيد الأمل بأنه قد يكون مرشحاً لرئاسة الجمهورية".

وأوضح أن "خسارة العدالة والتنمية لإسطنبول ستجعل المعارضة تشعر من جديد بأنها لم تنته بشكل كامل، وستستعيد الثقة بنفسها وتبدأ بترتيب صفوفها والمناداة بالانتخابات المبكرة. وبالنسبة للعدالة والتنمية طبعاً الفوز بإسطنبول يعني الفوز بتركيا".

واعتبر أن "هذه الانتخابات، وإن كانت محلية، لكنها ستحدث تغييرات كبيرة بالخريطة السياسية بتركيا، وستنعكس على كثير من الأحزاب، حيث قد تندثر الكثير من الأحزاب التي خرجت من عباءة العدالة والتنمية، وربما تستقيل رئيسة الحزب الجيد ميرال أكشنر، فيما ستعيد أحزاب أخرى حساباتها من جديد".

من جهته، أوضح الكاتب والصحافي مصطفى أوزجان، لـ"العربي الجديد"، أن "الصراع على أشده في الانتخابات المحلية التركية بسبب أن حزب الشعب الجمهوري لم يفز في الانتخابات الرئاسية، لذلك يكثف جهوده للحصول على أكبر حصة من البلديات كما كان في عام 2019".

أردوغان يريد عودة إسطنبول إلى يد "العدالة والتنمية"

وأشار إلى أن "أردوغان مصمم على تخليص مدينة إسطنبول من حزب الشعب الجمهوري، لأن مشواره السياسي بدأ منها، لذلك يريد أن تعود إسطنبول إلى يد حزب العدالة والتنمية".

واعتبر أنه "لو حصل إمام اوغلو على رئاسة بلدية إسطنبول فإن هذا سيفتح له باب الرئاسة بعد ثلاث أو أربع سنوات، لذلك هناك منافسة شديدة في هذه الانتخابات على هذا الأساس".

وفي حين أشار أوزجان إلى أن استطلاعات الرأي تظهر تقدم إمام أوغلو على قوروم، فإنه شدد على أنه لا يراهن على هذا الأمر، لأن استطلاعات الرأي لم تصب في الانتخابات الماضية.

(شارك في التغطية من أنقرة زاهر البيك)

المساهمون